عندما هاجمت المخابرات الأمريكية والجيش الأمريكي شي غيفارا في مواجهة داخل غابة مثل ما يحدث في أفلام السينما وانتهت المطاردة بقتل غيفارا غنى العالم الماركسي اليساري أغاني للثورة جعلت الثائر أشهر ثوري في العالم إلى الآن. نتذكر أشعار فيكتور خارا و أغاني الشيخ إمام : "غيفارا مات غيفارا مات". مقتل شي غيفارا وتصوير جثته ونقلها إلى العالم لم يخمد ثورات اليسار العالمي بكل أصنافه. وقتله لم يلق ترحيبا كبيرا سوى من الأنظمة الموالية لأمريكا. لذلك ظل غيفارا حيا كرمز للثورة وإلى الآن نرى صوره على الأقمصة والقبعات و السيارات والحقائب وعلى الجدران في حي شعبي بالدار البيضاء كما في ضاحية باريسية. فيلم "il pleut sur santiago " الذي شاهدناه قبل 25 سنة ينقل قصة تدخل أمريكا في الشؤون الداخلية لنيكاراغوا. قادت أمريكا انقلابا في نيكاراغوا على السلطة الشرعية اليسارية وهاجم الجنود الأمريكيون مقر سالفادور أليندي وقاوم وقاتل إلى أن سقط ومات. في قصة شي غيفارا كما في الهجوم على سالفادور أليندي كان العالم يكاد يجمع على إدانة ما كنا نسميه الإمبريالية الأمريكية. لم تلق أمريكا من قتلها للمعارضين سوى الشجب والإدانة. اليوم يفاجأ أوباما العالم بخبر مقتل أسامة بن لادن بعد محاصرته في إقامة بباكستان. التدخل الذي قادته المخابرات المركزية والعسكر انتهى بمواجهة وتبادل لإطلاق النار وسقوط بن لادن جثة في يدي الأمريكيين. بضاعتنا ردت إلينا. أمريكا هي من صنع الإسلاميين لمواجهة الماركسيين والشيوعيين، هي من مولتهم بأموال البيترودولار الوهابي السعودي وهي التي فرشت لهم الطريق في أفغانستان أول مرة. بن لادن صناعة أمريكية بامتياز، لكن السحر إنقلب على الساحر وضرب ابن المخابرات الأمريكية راعيته في أفظع عملية إرهابية في 11 شتنبر. وعلى عكس حكاية شي غيفارا واليندي التي جعلت أمريكا عدوة الشعوب نلمس هذه اللحظات فرحة عارمة لدى عديد من الدول والمجتمعات التي اعتبرت مقتل زعيم تنظيم القاعدة حلقة مركزية في محاربة الإرهاب. تركيا التي تقودها حكومة العدالة والتنمية رحبت بالخبر وقالت برافو أوباما. إسلام تركيا هو أفضل نموذج يمكن للمسلمين في العالم التمسك به كنموذج. إسلام مقرون بمسحات حداثية وروح العصر وخلفه تقف علمانية الدولة ساهرة على مدونة سير النظام . على عكس مقتل غيفارا الذي صنع منه أسطورة. سيظل مقتل بن لادن نصرا أمريكيا ضد الإرهاب رغم أننا سنجد لا شك في كثير من جهات العالم الإسلامي من سيريد أن يجعل من بن لادن شهيدا ورمزا لمكافحة الاستبداد والكفر. خيال الدهماء محدود ومسطح و نمطي . والغوغاء بطبيعتها تخلق آلهة لعبادتها إن لم تجد لها صنما. لا تتفاجأوا من قصص الشعوذة التي ستنطلق من خيال أنصار بن لادن في المغرب وباكستان و أفغانستان والعراق وأوروبا و غيرهامن مناطق العالم. هذه قناعتي دائما. الحرب على الإرهاب لا تنتهي بقتل بن لادن لان الورثة موجودون. وغدا يمكن أن نسمع عن اسم آخر جاء يبشر الناس بقتل الناس والدخول إلى الجنة . مواجهة الإرهاب تبدأ من انتزاعه من أفكار الناس وعقولهم ومعتقداتهم ومن الشحنة الإيديولوجية التي تحجب عنهم رؤية العالم بطريقة عقلانية منطقية سليمة. قاتلوا بن لادن أولا في مقررات المدارس ودروس رجال الدين. الكاميكاز صناعة جربها اليابانيون في الحرب على الأمريكان لكنها اليوم ماركة طالبانية إسلامية مسجلة. هل رأيتم شخصا من ديانة أخرى ينتحر ويقتل معه الآخرين ظلما وإجراما. حاربوا الطالبان وحاربوا الإرهاب بإصلاح ما فسد في المعتقدات والعقول.