وسط أجواء الارتباك والغموض التي خيمت على المغرب إثر التفجير الذي استهدف قلب مدينة مراكش السياحية الخميس، يجمع مراقبون وناشطون سياسيون على أن الهجوم استهدف "التشويش" على الحراك السياسي، الذي تعرفه المملكة، وخلط الأوراق، في منعطف إصلاحي حاسم. وكان لافتاً عقب الصدمة التي عمت الشارع المغربي، التفاف قوى وفعاليات مختلفة حول الدعوة إلى التمسك بالخيار الديمقراطي، وعدم ركوب "لعبة الاستفزاز"، الرامية في نظرهم، إلى تبديد أجواء الانفراج السياسي التي أعقبت مبادرات من قبيل إطلاق إصلاح دستوري واسع، والإفراج عن مجموعة من المعتقلين، من بينهم محسوبون على التيار السلفي الجهادي، أوقفوا غداة هجمات الدارالبيضاء في 16 مايو/ أيار 2003. وتواترت المواقف في هذا الاتجاه لدى تأكيد السلطات لفرضية "العمل الإجرامي" بعد أن ذهبت الشكوك في البداية إلى أن الحادث، الذي أودى بحياة 16 شخصاً، غالبيتهم من الأجانب، ناجم عن انفجار قنينات غاز في مقهى "أركانة" الشهير، المطل على ساحة "الفنا"، قلب الحركة السياحية بمدينة مراكش، والمصنفة من طرف اليونسكو في قائمة التراث الإنساني العالمي. واعتبر الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان في الحكومة المغربية، إدريس لشكر، والقيادي في "حزب الاتحاد الاشتراكي"، أن هجوم مراكش لا ينفصل عن السياق الإقليمي والحراك الذي تعرفه المنطقة، موضحاً أن المغرب، على خلاف دول أخرى، "انخرط في حراك حضاري هادئ، وحوار مؤسساتي، انطلق على قاعدة خطاب ملكي قدم عرضا إصلاحياً قوياً." وقال لشكر، في تصريح لموقع CNN بالعربية، إن "المغرب يقدم نموذجاً في الحوار الوطني السلمي المبشر بديمقراطية واعدة، مما شكل استفزازاً لخصومه من القوى الرجعية الظلامية المتحفزة لضرب التماسك الاجتماعي بالبلاد، من خلال محاولة يائسة ومحبطة، قصدت تحقيق صدى قوي عبر استهداف مكان ذي جاذبية سياحية عالمية." ودعا الوزير المغربي إلى "التحلي بمزيد من الحذر واليقظة"، لمواجهة أي مخطط إرهابي، و"الثبات على المضي في المشروع الديمقراطي" بالمغرب، و"تكريس دولة القانون والمؤسسات"، معرباً عن يقينه بأنه لا مجال للتخوف من انتكاسة في سياسة الانفتاح والديمقراطية، التي انخرطت فيها البلاد بمجموع قواها، بحسب قوله. وفي انتظار تعميق التحقيق بشأن ملابسات الهجوم، سجل نوع من التريث، من جانب السلطات والمراقبين، بخصوص توجيه الاتهام إلى جهة محددة، علماً بأن مجموعة مسلحة قدمت نفسها كعناصر مغربية في تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وجهت قبل أيام، تهديداً مصوراً من معسكر بالجزائر، بتنفيذ عمليات داخل المملكة. ويرى مصطفى الخلفي، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، أن هجوم مراكش جاء في توقيت حساس بالنسبة للبلاد، يطبعه مخاض مسلسل إصلاحي مختلف عن التطورات التي عرفتها ساحات إقليمية مجاورة، الشيء الذي يبرر التخوف من تداعيات العملية على المسار الإصلاحي بالمغرب في الأمد المنظور. وقال مصطفى الخلفي، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية (إسلامي معتدل)، في تصريح لCNN بالعربية، إنه "أيما كانت الجهة التي تقف وراء هذا العمل الإرهابي، والأهداف التي تراهن عليها، فإن الدولة مدعوة إلى تفويت الفرصة على الخصوم، من خلال المضي بعيداً في تعميق مسار الإصلاح والدمقرطة، وتجاز مفعول الصدمة." وفي سياق متصل، يتطلع مراقبون إلى المنحى الذي ستأخذه مقاربة السلطات لملف تيار "السلفية الجهادية"، بعد هجوم مراكش، الذي يأتي في خضم انفراج عبر عنه عفو العاهل المغربي، الملك محمد السادس، عن مجموعة من المعتقلين المحسوبين على هذا التيار، الذي نسبت إليه مجموعة من أعمال العنف والتحريض، منذ هجمات الدارالبيضاء عام 2003. ونددت جمعية "النصير" لمساندة المعتقلين الإسلاميين، التي تتبنى الدفاع عن معتقلي التيار السلفي، على لسان رئيسها عبد الرحيم مهتاد، باعتداء مراكش، داعيةً إلى "التعامل بحزم وصرامة مع كل عمل إجرامي وإرهابي، يستهدف حق الإنسان في الحياة." ودعا مهتاد، في تصريح للموقع، إلى تفادي الربط بين الأحداث الإرهابية ومسارات التنمية والتحديث والانفتاح في المشهد السياسي الوطني، معرباً عن اعتقاده بان "الاعتداء لن يؤثر على دينامية الانفراج، الذي يعرفه ملف المعتقلين السلفيين، وأن الدولة لن تكرر أخطاء ما بعد هجمات الدارالبيضاء"، في إشارة إلى الزج بعشرات من أعضاء التيار في السجون. وقال الناشط الإسلامي إن كثيراً من المغاربة كانوا يتوقعون وصول شظايا من ساحات المواجهة التي اشتعلت بالمنطقة، مما يفرض تحصين مسلسل إعادة البناء وتعميقه، بمعزل عما يمكن أن يقع من أحداث طارئة، مواكبة لمستجدات المحيط الإقليمي والدولي. عن موقع سي ان ان وباتفاق مع الكاتب