قال وزير الخارجية السابق لفرنسا، هوبير فيدرين، أول أمس في مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد: «إن موجة الديمقراطية التي تجتاح العالم العربي والتي انطلقت شرارتها من تونس، لن تتوقف، ولن تمس الأنظمة السلطوية في العالم العربي فحسب، بل ستطال كل الأنظمة الدكتاتورية المتبقية في هذا العالم». وأضاف وزير خارجية جاك شيراك: «إن هذا المسار سيكون طويلا ومغريا، وسيعرف فترات صعود وهبوط، حركة وجمود، لكنه مسار لن يتوقف. تستطيع كل الأنظمة أن تقاوم وتحافظ على وجودها، لكن في حدود خمس سنوات لا أكثر». إنه كلام واحد من الخبراء في السياسة الدولية والعارفين بأحوال العالم العربي.. الرجل المريض بداء السلطوية التي تواجه صراع وجود وليس حدود مع جيل شاب يئس من وعود الإصلاح، ومع تكنولوجيا للاتصال حررت الفرد من القيود، وجعلت حرية التعبير بلا رقيب، ومع محيط دولي لم يعد يقبل بوجود أنظمة للحكم تعود إلى القرون الوسطى... هناك في العالم العربي من فهم الرسالة، وهناك من لم يفهم بعد معنى «dégage»، ويتصور أن موجة الديمقراطية سحابة صيف، وأن الجيش والأمن والإعلام الرسمي والمال والسلطة ستكون بديلا عن الشرعية الديمقراطية... فيدرين يعتقد أن المغرب والملكية فيه من النوع الأول، الذي فهم الرسالة، ولهذا قال أول أمس في نفس المحاضرة: «إن الملكية في المغرب هي الوحيدة في العالم العربي التي استطاعت التفاعل مع حركة التغيير»، قبل أن يستدرك: «لكن مع ذلك لا يجب التضخيم من حالة الاستثناء المغربي، فالمغرب –يقول فيدرين- سهل أن نحبه صعب أن نفهمه». إنها جملة تعكس الحالة المغربية بإيجاز وبلاغة ذكية... نعم لقد استجاب الملك محمد السادس لعدد من المطالب التي رفعها الشارع في 20 فبراير و20 مارس وفي كل المسيرات التي جابت البلاد طولا وعرضا، وهذا ما يجعل الإنسان يقترب عاطفيا من هذه التجربة، لكن، في الوقت نفسه، هناك مطالب أخرى معلقة، وهناك اختلالات مازالت قائمة، مما يجعل الفهم صعبا وحتى مستحيلا.. أول أمس غادر 95 معتقلا سياسيا السجن بعفو ملكي بعد طلب من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لكن في نفس الأسبوع خرج شريط صادم ومؤثر وحتى مقزز من السجن، يتحدث فيه معتقل سلفي اسمه «بوشتى الشارف» عن وقائع تعذيبه وإهانة كرامته والمس برجولته، وقال: «لقد أجلسوني على القرعة، وضربوا عضوي التناسلي حتى لم يعد صالحا إلا للبول...»، ثم بكى ونزلت دموعه حارة وهو يروي: «في الوقت الذي كنت أعذب فيه، وأجلس على القرعة في رمضان الماضي في معتقل تمارة السري، كان هناك درس حسني يتحدث عن الأخلاق والكرامة البشرية على بعد كيلومترات من زنزانتي في تمارة»... يا الله، ألا يخاف هؤلاء الذين عذبوا هذا الرجل -مهما كانت التهم الموجهة إليه- من الله ولا من البشر ولا من التاريخ ولا من القانون. لا بد من فتح تحقيق حول هذا المعتقل الرهيب الذي يلوث سمعة البلاد، ولا بد من إقالة كل المسؤولين الأمنيين والقضائيين وجرهم إلى المحاسبة، حتى نفسح المجال لحب المغرب ولفهمه كذلك، ليس فقط بالنسبة إلى السيد فيدرين، ولكن بالنسبة إلى المغاربة أجمعين.