حسب معلومات من مصادر متطابقة فقد رفض محمد الصبار، الكاتب العام ل"المجلس الوطني لحقوق الإنسان"، السماح لعناصر الشرطة الدخول إلى مقر المجلس لإخلائه من المحتجين حاملي الشهادات المعطلين اللذين احتلوه مساء يوم الثلاثاء 12 أبريل. وأتصور أن قناعات هذا المناضل هي التي أملت عليه مثل هذا الموقف الذي سيحسب له. لأنه أنقد البلاد من الانعكاسات السلبية التي كانت ستخلفها صورة عناصر الأمن وهي تتدخل لإخلاء مقر المجلس بالقوة. وقبل ذلك أخلص لمواقف المناضل التي لم ترحمها طعنات الرفاق قبل الخصوم. فمنذ تعيينه في هذا المنصب والصبار يتلقى الضربات، وأحيانا من اقرب الناس إليه. من المناضلين اللذين قضى معهم سنوات طويلة وهو يناضل حاملا شعاره الذي ابتدعه "مامفاكينش". منتقدو الصبار يؤاخذون عليه قبوله منصبا شكليا في مؤسسة شكلية وفي توقيت غير مناسب. ففي الوقت الذي ما زالت فيه الأصوات ترتفع للمطالبة بإصلاحات سياسية ديمقراطية، على رأسها إقامة نظام "ملكية برلمانية"، قبل الصبار تعيينه بالطريقة التي تمت والتي تؤكد استمرار "الملكية التنفيذية". وهناك من رآى في هذا التعيين رد "ذكي" من المؤسسة الملكية على الأصوات التي تطالب بالحد من سلطاتها الواسعة. وهناك من رآى فيه محاولة للالتفاف على مطالب الأصوات المنادية بالتغيير، للفت انتباههم عما هو جوهري إلى ما هو جزئي رغم اهميته. لقد كان الصبار أحد المناضلين اللذين اختاروا أن يأخذوا مسافة مع "المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان" حتى عندما على رأسه مناضل كبير مثل الراحل إدريس بنزكري، فقط لأن هذا الأخير قبل إدارة "اللعبة" حسب القواعد التي فرضتها السلطة وليس تلك التي كان يطالب المناضلون بفرضها عليها، ومن بينهم مناضلو "منتدى الحقيقة والإنصاف" الذي رفض عندما كان الصبار يرأسه قبول عضوية المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. ومع ذلك فقد نجح بنزكري، رغم الانتقادات التي وجهت إليه، بسبب بعض المواقف التي اتخذها في آخر حياته وكانت محابية للسلطة (الدفاع عن المعتقل السري بتمارة، وصمته عن التعذيب والاختطافات التي تعرض لها معتقلو السلفية الجهادية، وتهجمه على بعض الصحف المستقلة...)، أن يخرج منتصرا بتوصيات الهيئة التي أشرف على رآستها. فمن يتأمل اليوم تلك التوصيات يكتشف إلى أي حد كبير كانت تشبه صاحبها، "هادئة في شكلها ثورية في عمقها". اليوم يضع الصبار نفسه أمام امتحان كبير، هو امتحان مصداقيته، وهو عندما قبل بالمنصب الذي يحتله اليوم يكون قد راهن بماضيه النضالي الذي يضعه فوق كل شبهة. وهو ماض صنعه بصمود المناضل الصلد، وبثبات المؤمن بالمبادئ مثل القابض على الجمر. أكتب اليوم هذا الكلام، لا لأزايد على المناضل الذي أزعم أني تتبعت جزءا غير يسير من مسيرته النضالية التي تشهد لها مواقفه المبدئية، ولكن فقط لأتساءل مع نفسي ما الذي يمكن أن يفعله مناضل وجد نفسه في الموقع الذي يوجد هو فيه اليوم، وهو موقع اختاره هو بنفسه، عندما يسمع إلى شكوى مثل تلك الصادرة عن المعتقل بوشتى الشارف، الذي رفع الحياء عن محياه ووصف التعذيب البشع والمهين الذي أخضعه له جلادوه بمعتقل تمارة السري. لا أتصور أن مناضلا صادقا مثل الصبار سوف يسكت عن مثل هذا الانتهاك الفظيع لكرامة مواطن يصرخ بحرقة من داخل زنزانته وهو يروي سادية جلاديه. فما يطالب به هذا المعتقل الذي صدمت شهادته الآلاف من رواد الشبكة العنكبوتية، هو فقط فتح تحقيق حول ما تعرض له، وإخضاعه لخبرة طبية للتأكد من مزاعمه، ووضعه أمام جلاديه ومقابلته مع"الطبيب"، الذي قام برتق موضع اغتصابه، لمعرفة مدى صدقية شهادته. أعرف أن هذه مهمة القضاء، لكن الكل يعرف إلى أي حد القضاء في المغرب نزيه ومستقل، لذلك فالمسؤولية المعنوية لإنصاف أو على الأقل للإنصات إلى هذا الرجل وأمثاله ممن ذاقوا من نفس الكأس، تقع على مدافعي حقوق الإنسان، والصبار أحد هؤلاء. ومنصبه داخل هيئة رسمية المفروض أنها وجدت للدفاع عن حقوق الإنسان، تضعه اليوم أمام امتحان مزدوج، التزام المناضل وواجب المسؤولية.