كشف موقع "أفريكا أنتلجنس" الفرنسي أن الجزائر تراجعت عن فرض عقوبات تجارية غير رسمية ضد فرنسا، مما خفف من ضغوط عمالقة الصناعات الغذائية. نتيجة لذلك، بدأت العديد من الشركات الكبرى في تعديل خططها اللوجستية. وذكر الموقع الفرنسي أن الجزائر اتخذت قرارا بفرض إجراءات تجارية انتقامية ضد فرنسا، رغم النفي الذي نشرته مصالح رئيس الوزراء الجزائري نذير العرباوي في 7 نوفمبر 2024.
وأوضح المصدر ذاته، أن التعليمات بهذا الشأن، التي حرصت السلطات الجزائرية على نقلها شفهيا فقط، كانت قد أعطيت للبنوك الجزائرية من قبل وزير التجارة الطيب زيتوني، قبل أيام قليلة من 5 نونبر، تاريخ دخول القرار حيز التنفيذ. وتابع "أفريكا انتلجنس" قائلا: "وبعد فوضى دامت عدة أيام، لم يتم تطبيق القرار في نهاية المطاف"، مشيرا إلى أن الأبناك العمومية والخاصة، تراجعت في 9 و10 نونبر، وأبلغت مديري الشركات المعنية شفويا مرة أخرى بأن هذا الإجراء لم يعد ذا صلة. وأفاد المصدر ذاته، أن الوزير الجزائري أصدر في البداية تعليماته بوقف معالجة عمليات توطين الواردات من فرنسا ومنع عمليات التصدير نحوها. بمعنى آخر، كانت الشركات العاملة في الجزائر ستجد نفسها غير قادرة على تمويل عملياتها التجارية مع القوة الاستعمارية السابقة، وهي وضعية كانت ستؤثر بشكل مباشر على سلاسل التوريد الخاصة بالشركات الكبرى في مجال الصناعات الغذائية في كلا البلدين، على حد تعبير "أفريكا أنتلجنس". في سياق متصل، كان السفير الفرنسي في الجزائر، ستيفان روماتيه، قد حذّر منتصف شهر أكتوبر مديري عدة مجموعات فرنسية كبرى من احتمالية اتخاذ إجراءات انتقامية اقتصادية مستقبلا. وقد تم تمرير هذه الرسالة على هامش زيارة الرئيسة الهندية دروبادي مورمو إلى الجزائر، حيث جاءت لتبادل الحديث مع نظيرها عبد المجيد تبون حول علاقاتها التجارية مع أوروبا، وذلك قبل أيام من انضمام الجزائر كشريك في مجموعة "بريكس". وأكد الموقع الفرنسي أن جمعية البنوك والمؤسسات المالية الجزائرية (ABEF)، قامت في أواخر أكتوبر بدعوة المديرين العامين لأكبر البنوك في البلاد لتحذيرهم من الإجراء المتخذ. وفي 7 نونبر، وبسرية تامة ودون إصدار أي بيان، عقدت الكونفدرالية الجزائرية لأرباب العمل المواطنين (CAPC)، برئاسة رحمون زرقون، اجتماعا طارئا حول الموضوع. وفي المقابل، أبلغت المديرية العامة للصرف في بنك الجزائر، في 6 نوفمبر، إدارات البنوك الجزائرية بضرورة تنفيذ "عمليات توطين المصارف لعمليات التجارة الخارجية من وإلى إسبانيا… وفقا لقوانين الصرف المعمول بها"، مما رفع فعليا القيود المفروضة منذ عام 2022 على التجارة بين البلدين، حسب "أفريكا أنتلجنس"، مؤكدا أن هذا القرار لم يغِب عن الشركات الجزائرية التي تستورد من فرنسا، حيث بدأت في إعادة التواصل مع مورديها السابقين في إسبانيا. وذكر الموقع الفرنسي المجموعات الكبرى في قطاع الصناعات الغذائية، على وجه الخصوص، شعرت بضغط القرار، حيث كان لهذا الإجراء تأثير على شركة "سيفيتال" وشركات الألبان مثل "دانون جرجرة الجزائر" (DDA) و"سومام" و"لاكتاليس"، التي تعتمد بشكل كبير على مورديها الفرنسيين. وأضاف أن العديد من هذه الشركات قامت بتفعيل خلايا أزمة لتقييم المخزونات المتاحة، والبحث عن حلول للحصول على قطع غيار آلاتها الفرنسية، والتواصل مع موردين آخرين، بعدما تقلو مسبقا بلاغا من قبل بنوكهم. وخلص المصدر إلى أن المجموعات الفرنسية العاملة في الجزائر بدأت تلمس تغير الأجواء منذ عدة أسابيع، خاصةً مع تزايد زيارات السلطات المعنية بالتفتيش الصحي، وفي ظل تدهور العلاقات بين باريسوالجزائر، بدأت الشركات المعنية في تخزين كميات كبيرة من مواد التعبئة ومسحوق الحليب وسلع أساسية أخرى ضرورية لاستمرار نشاطها. أكد موقع "أفريكا إنتلجنس" أنه حتى في حال إلغاء الإجراءات التجارية الانتقامية ضد فرنسا، فإن العلاقة بين البلدين ستظل فاترة. وعلى الرغم من زيارة إزالة التوتر التي قامت بها آن كلير ليجيندر، مستشارة الرئيس إيمانويل ماكرون لشؤون شمال أفريقيا والشرق الأوسط، في سبتمبر 2024، للقاء الرئيس عبد المجيد تبون ورئيس ديوانه بوعلام بوعلام، إلا أن الجزائر، التي استدعت سفيرها سعيد موسي من باريس في 17 شتنبر، لم تتجاوز استياءها من تغيير باريس موقفها بشأن الصحراء في 24 غشت الماضي، وفقا للمصدر ذاته. وأفاد الموقع أنه رغم آمال الرئيس الفرنسي في تحقيق مصالحة، فإنه من المتوقع أن يتخذ الإليزيه إجراءات انتقامية بعد الانتخابات الرئاسية الجزائرية وزيارة ماكرون الرسمية للمغرب في نهاية أكتوبر. ويشهد التعاون بين البلدين جموداً شبه تام، حيث لم يستقبل أي وزير جزائري السفير ستيفان روماتيه في الأسابيع الأخيرة، فيما لا تفكر الجزائر حاليا في تعيين سفير جديد لها في باريس. فيما يتعلق بمسألة الهجرة، تستمر المناقشات بقدر المستطاع، خاصة حول التصاريح القنصلية المطلوبة لترحيل الأشخاص الخاضعين لالتزام مغادرة الأراضي الفرنسية. وقد قامت الجزائر بتعليق إصدار هذه الوثائق منذ اندلاع قضية أميرة بوراوي في فبراير 2023.