بمجرد ما إن تم الإعلان عبر مختلف وسائل الإعلام الوطنية والمواقع الإلكترونية عن ميلاد النسخة الثانية من حكومة عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، التي استقبل أعضاءها عاهل المغرب محمد السادس يوم الأربعاء 23 أكتوبر 2024 في قاعة العرش بالقصر الملكي بالرباط في غياب ولي العهد سمو الأمير مولاي الحسن "الثالث"، حتى تواترت ردود الفعل المتباينة حول هذا الحدث السياسي الهام الذي طال انتظاره كثيرا، غير أنه جاء للأسف الشديد مستفزا ومحبطا، ودون مستوى طموحات السواد الأعظم من المغاربة إلى الحد الذي يمكن أن ينطبق عليه القول: "تمخض الجبل، فولد فأرا" فعلى بعد سنتين فقط من انصرام عمر ولاية حكومة أخنوش التي رأت النور في 7 أكتوبر 2021، شهدت ذات الحكومة في 23 أكتوبر 2024 تعديلا وزاريا موسعا، حيث عرفت نسختها الثانية دخول ما يوازي عدد أعضاء حكومة أخرى في بعض البلدان الديمقراطية، وهو 14 عضوا جديدا منهم ستة وزراء ووزيرين منتدبين وثمانية كتاب دولة، فيما تم إعفاء ثمانية وزراء واحتفاظ ستة عشرة وزيرا بمناصبهم، لينتقل مجموع الحقائب الوزارية من 24 إلى 30 حقيبة وزارية بما فيها رئاسة الحكومة. ويشار في هذا الصدد إلى أن معظم المغاربة كانوا يعلقون آمالا كبيرة على أن يضخ التعديل الحكومي دماء جديدة في شرايين الحكومة ويساهم في خروج البلاد من النفق المظلم ويبعث الأمل في نفوس العباد، الذين تضررت قدرتهم الشرائية وتفاقمت مشاكلهم منذ مجيء حكومة رجل المال والأعمال عزيز أخنوش، ولاسيما أمام ما باتت تعرفه أسعار المواد الأساسية من ارتفاع قياسي غير مسبوق وتزايد معدلات الفقر والبطالة والهدر المدرسي واتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء وتفشي الفساد بشكل مهول، كما تشهد بذلك الاعتقالات والمحاكمات في أوساط المنتخبين والمسؤولين من برلمانيين ورؤساء المجالس الجماعية والجماعات الترابية، ممن أسندت إليهم مسؤولية تدبير الشأن العام. بيد أنه سرعان ما أصيب المواطنون ومعهم عديد المهتمين بالشأن العام والفاعلين السياسيين من أحزاب المعارضة بخيبة أمل كبرى، بعدما أتيحت لهم فرصة الاطلاع على التشكيلة الحكومية الجديدة. إذ هناك من اعتبروا أن التعديل الحكومي ليس سوى جعجعة بدون طحين ولا يرقى إلى مستوى تطلعاتهم، خاصة أنه جاء صادما ومستفزا لمشاعرهم من خلال الاحتفاظ ببعض الوزراء الذين لا فائدة ترجى منهم وعلى رأسهم الوزير المثير للجدل عبد اللطيف وهبي وزير العدل، الذي لم ينفك يشعل نيران الغضب في صدور العاملين بالقطاع من محامين وكتاب الضبط ومفوضين قضائيين وغيرهم، وكذا بين الشباب المعطلين الذين تم ترسيبهم لفائدة أبناء الأعيان والوزراء في مباراة المحاماة التي أثارت جدلا واسعا، ناهيك عن حرمانه جمعيات المجتمع المدني من التبليغ عن الفساد والمفسدين المنتخبين وكبار المسؤولين. فيما يرى آخرون أنه ليس هناك من كبير الأثر على الهندسة العامة للنسخة الثانية من الحكومة ما دام أن الوزارات الكبرى بقيت على حالها، وأنه لم يحدث من شيء ذي أهمية عدا إحداث كتابات دولة في بعضها من أجل فسح المجال أمام المقربين من أمناء أحزاب التحالف الحكومي الثلاثي لاقتسام "الكعكة"، وليس قصد تطعيم الحكومة بكفاءات عالية تساهم في تجاوز النقائص الحاصلة، لأن الوجوه الجديدة غير ذات كفاءة مهنية في القطاعات التي ألحقت بها. إذ كيف لا يثير التعديل الوزاري غضب الشارع في وقت يتم فيه استبدال الأقل سوءا بمن هو أسوأ، كما هو الشأن بالنسبة لاستبدال وزير الصحة والحماية الاجتماعية البروفيسور خالد آيت الطالب، الطبيب الجراح والأستاذ الجامعي، الذي يعتبر من بين أبرز الطاقات الطبية المغربية ذات الكفاءة العالية، بشخص نكرة في عالم السياسة المسمى "أمين التهراوي" الذي لم يكن عدا مستخدم لدى حرم رئيس الحكومة، المتخصص في مجال التجارة والأعمال؟ وهل بمقدور شخص من هذا "الطراز" تدبير قطاع بحجم قطاع الصحة وتدبير الورش الملكي الهام حول الحماية الاجتماعية؟ ثم كيف لمن يدعون بناء الدولة الاجتماعية إسناد مهام قطاع التعليم الحافل بالمشاكل والاختلالات، والذي أنفقت في سبيل إصلاحه والنهوض بأوضاع العاملين به ميزانيات ضخمة دون جدوى، للسيد محمد سعد برادة المعروف فقط بصداقته لرئيس الحكومة، صاحب مجموعة من الشركات الغذائية والدوائية والحلويات الصناعية وغيرها، العضو في مجلس إدارة شركة "إفريقيا غاز" التابعة لمجموعة "أكوا" المملوكة لصاحبها أخنوش؟ وحتى نترك المجال لأهل الاختصاص من الخبراء والمحللين السياسيين والاقتصاديين في تسليط الضوء على الجوانب المعتمة من هذا التعديل الحكومي المستفز والمحبط، الذي حرص مهندسوه فقط على أن تراعى فيه فقط مصالح أحزاب الأغلبية الثلاثة، يمكن القول بأن بلادنا التي يعيش مواطنوها على إيقاع وضع معيشي متدهور وفقدان الثقة في المنتخبين والمؤسسات الوطنية، أخطأت مرة أخرى موعد التغيير الذي لم يفتأ ملك البلاد محمد السادس يرسم معالمه بعناية فائقة منذ اعتلائه عرش المملكة الشريفة.