وفاة الفنان المصري مصطفى فهمي    الإعلان عن تنظيم جائزة طنجة الكبرى للشعراء الشباب ضمن فعاليات الدورة ال12 لمهرجان طنجة الدولي للشعر    الملك يقيم مأدبة عشاء رسمية على شرف الرئيس الفرنسي وحرمه    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء و بريجيت ماكرون تزوران حديقة التجارب النباتية بالرباط    المغرب-فرنسا.. التوقيع على بروتوكول اتفاق يتعلق بإحداث شراكة استراتيجية في مجال تحلية مياه البحر    بأمر من جلالة الملك، صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء، مرفوقة بالسيدة بريجيت ماكرون، تدشن المسرح الملكي الرباط    الاستثمارات العمومية الفرنسية ستستمر بالمغرب بما يشمل الصحراء (الرئيس ماكرون)    بوصوف: الذاكرة المشتركة تمنح أرضية صلبة للعلاقات المغربية الفرنسية    وفاة شخص بسبب التساقطات الثلجية بجبال تنكارف بإقليم بني ملال    تفكيك شبكة لقرصنة المكالمات بطنجة    الملك محمد السادس يقيم مأدبة عشاء رسمية على شرف الرئيس ماكرون    الأهلي يهزم العين في كأس القارات    المعتقل محمد جلول يعلن انهاء اضرابه عن الطعام    ماكرون ممازحا المغاربة: إذا كان هناك مجال مازلنا نتنافس فيه فهو فقط كرة القدم لأنه يعتبر شغفا مشتركا    استكشاف الفرص المهنية والتقنية.. منتدى مهندسي الشمال 2024 يفتح آفاق التحول الرقمي    مهرجان طنجة الدولي للشعر يحتفي بالأقلام الشابة والإبداع الشعري في دورته الثانية عشرة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها        رغم التنازل.. متابعة "اليوتوبر" إلياس المالكي في حالة اعتقال وإيداعه سجن الجديدة    العصبة الجهوية لأ لعاب القوى بجهة طنجة تطوان الحسيمة تعقدجمعها العام السنوي    وزير يعلنها: المغرب أجرى 70 عملية استمطار صناعي خلال السنة الجارية    بأمر من الملك.. الأميرة للالة حسناء وزوجة ماكرون تدشنان المسرح الملكي بالرباط    تنديد بخطاب ماكرون في البرلمان بعد وصفه هجوم 7 أكتوبر ب"الهمجي"    بسبب الجفاف والتغيرات المناخية.. تراجع إنتاج الزيتون في المغرب بنسبة 11 في المائة    حقيقة الضجة المرافقة لنشر صفحة من "المختار في اللغة العربية" للسنة الثالثة إعدادي    الأخضر يوشّح تداولات بورصة الدار البيضاء    إصابة 8 جنود نمساويين من قوات اليونيفيل في هجوم صاروخي على الناقورة بلبنان    الإعلام الفرنسي يشيد بالشراكة المتجددة بين المغرب وفرنسا    مشاريع مينائية جديدة بعد توقيع اتفاق بين طنجة المتوسط مجموعة فرنسية    ماكرون وحرمه يزوران ضريح محمد الخامس    اقتناص رودري للكرة الذهبية من فنيسيوس يثير ضوضاء في الوسط الكروي وزيدان يشكك في مصداقية الجائزة    هؤلاء هم المتوجون بالجائزة الوطنية الكبرى "الدراجة الخضراء"    أمطار رعدية غزيرة بإقليمي الحسيمة والدريوش    القضاء يوزع 45 سنة سجنا على 9 متهمين بسرقة باخرة بولونية قرب الدار البيضاء    إسرائيل تتحدى العالم باغتيالها لمنظمة "الأونروا"    أولمبيك آسفي يستنكر الأخطاء المتكررة للتحكيم ويطالب الجهات المسؤولة بوقف النزيف    الركراكي يكشف مصير زياش مع الأسود    المنتخب المغربي يحرز لقب بطولة إفريقيا للملاكمة (كنشاسا 2024) في فئتي الذكور والإناث    وفاة الفنان المصري حسن يوسف    وثائقي "جزيرة موغادور": إحياء لتاريخ عريق وإنتاج أكاديمي رصين        وفاة الفنان حسن يوسف عن عمر 90 سنة    الذهب يلامس مستوى قياسيا في انتظار صدور بيانات للبنك المركزي الأمريكي    في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية: جلسة أدبية مع الشاعر والناقد أحمد زنيبر    مجزرة إسرائيلية جديدة تسقط 55 شهيدا في شمال غزة    طائرة مسيّرة من اليمن تعبر عسقلان    الولايات المتحدة.. السباق نحو الحسم الانتخابي يشتد    اختلالات تقلق مربي الدجاج .. ومجلس المنافسة يستعد للدخول على الخط    الصين تكشف عن اجراءات جديدة لتشجيع الانجاب    ماذا سيحدث لجسمك إذا مارست تمرين القرفصاء 100 مرة يومياً؟    إطلاق حملة لاستدراك تلقيح الأطفال    الكوليرا تودي بحياة أكثر من 100 شخص في تنزانيا خلال 10 أشهر    الصحة العالمية تحذر: أعراض ارتجاج المخ قد تتأخر في الظهور        مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الرحيم التوراني يكتب من بيروت: الموت ضحكا.. للنجاة من القتل في الحرب
نشر في لكم يوم 26 - 10 - 2024

"حاصرت" الحرب وأهوالها الصحفي المغربي عبد الرحيم التوراني في بيروت الجريحة، وهو الذي تعود التردد عليها والإقامة بين أهلها كلما زار أهله هناك، لكن الحرب التي باغتت اللبنانيين وحاصرت بلدهم من الجو والبر والبحر، فرضت عليه المكوث هناك في انتظار ساعة الفرج والنجاة.
ومع مرور الوقت وجد التوراني نفسه في قلب تجربة صعبة، وهو الانسان المبدع والمبدئي الذي لم يٌخف هواه يوما لبيروت وللبنان بكل يقاعه ولأهله بمختلف أطيافهم، فخط َّ مجموعة الخواطر التي ننشرها هنا، وهي عبارة عن لحظات ولقطات مسروقة من وقت مستقطع ما بين غارة وأخرى، تحكي لنا عن اليومي والإنساني والوجداني والذاتي والموضوعي.

*** *** ***
كل يوم أتلقى مزيدا من الاتصالات، سواء عبر الهاتف أو على الانترنيت، من الأهل والأصدقاء في المغرب والخارج.
الجميع يرغب في الاطمئنان علي، يسأل بعضهم هل لديكم ما يكفي من الطعام والشرب؟ كيف تعملون للاتقاء من ضربات العدو؟ هل أنت موجود في مكان آمن..؟
أحيانا كثيرة أجدني لا أعرف كيف أرد، والعدو لا يفرق بين منطقة وأخرى، لبنان بالنسبة إليه بجميع مناطقه ومدنه وبلداته وقراه وبكامل طوائفه.. هو الآن في مرمى نيران الإجرام الصهيوني.. لبنان حقيقة اليوم تنفذ على شعبه وأرضه بروفة جديدة من سيناريو مأساة غزة…
طبعا، لا يسعني هنا إلا أن أقدم شكري وامتناني ومحبتي البالغة لكل واحد من الأهل والأصدقاء الأعزاء الذين تواصلوا معي، وبينهم من يتلفن لي كل يوم.. يعبر عن تضامنه ويحثني على الصمود، ويهمس في أذني بأن الفرج قريب وسنجتمع وسنلتقي من جديد..
يحدث مرات أخسر فيها الحفاظ على تفاؤلي، لينفلت مني مثل هذا التعبير المدثر بيأس مفضوح:
– سنلتقي إن كان في العمر بقية.
لأتلقى مباشرة التأكيد واليقين:
– لا تقل مثل هذا الكلام يا عبد الرحيم… تسلَّحْ بالإيمان… لا بد سنجتمع من جديد.. سوف نرى بعضنا البعض مرة أخرى…
في غمرة هذا الموج المنعش من التضامن الصادق والنبيل، سأتلقى مكالمة من صديق عزيز، بعد أن سأل عن وضعي والأوضاع في بلد الأرز في ظل العدوان، عاد ليقوي من عزيمتي، لكن هذا الصديق وقد تحول بعد تجربة عبثية إلى درجة من الإيمان الديني المفرط، يدعو لي أن "أن يجعلها الله مغفرة للذنوب"، يتلو علي الآية الكريمة: "قُلْ يَا عِبادِي الَّذين أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِم لا تَقْنَطوا مِنْ رَحْمَة اللَّه إِنَّ اللَّه يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّه هو الْغفُور الرحيم".
أشكره، لكنه ينتقل إلى نصحي:
– عليك أن تكون مؤمنا، وأن تعتبر نفسك ميتا…
كان ردي صمتا مبللا بصدى أنفاسي المتقطعة، دلالة على أن المكالمة لم تنقطع..
قبل التوديع سيختم الصديق نصيحته بالقول:
– إن هذا وحده ما سوف ينجيك.
عليك التفكير إذن في الموت واعتبار نفسك ميتا بين الأموات كي ننجو وتبقى على قيد الحياة…
***
بعد هذه المكالمة لم أعرف كيف أتصرف، هل علي أن أحزن أم أضحك؟!
أحيانا يحدث ما يجعلك تضحك..
مهما حصل، يُنصَحُ بأنه لا يجب عليك أن نتوقف عن الضحك أبدا، خصوصا في الأوقات الصعبة..
أن تضحك يعني أنك تضع حاجزا ومسافة بينك وبين "الأوقات الصعبة" التي أنت عالق في شباكها..
وإذا كان من غير الممكن لك أن تتجاهل أو تلغي الوقت الحرج والصعب، على الأقل عليك تحويله إلى لحظات عادية قابلة للتجاوز.
كما يعرفني أصدقائي الحميميون، أعتبرني كائنا ضاحكا، نعم أحب الضحك وأضحك.. وأخاف من الناس الذين لا يضحكون.. وأي شخص يفتقر إلى حس الفكاهة وروح الدعابة لا شك أنه يفتقد شيئًا بالغ الأهمية…
هكذا يواجه اللبنانيون قدرهم المأساوي ويتوحدون بجميع طوائفهم وسائر الطبقات الاجتماعية، ليضحكوا من الحرب ومن ويلاتها ومن فظائع الجحيم الذي تم الإيقاع بهم في سعيرها.. كأنهم بصدد صلوات موحدة، سأسميها "صلوات تفريغ التوترات"…
***
وأنا في لُجَّةٍ اضطراب نفسي رهيب.. مثل من يحاول إعادة التاريخ إلى مساره الطبيعي، يحدث لي أحيانا أن أهرب من الشرق الأوسط الملتهب، متسللا كما يفعل مغامرو الهجرة غير الشرعية في البحر المتوسط عبر قوارب الموت في المضيق، لأصل إلى مدينتي الدار البيضاء في أقصى رقعة هذه الجغرافيا المسماة بالوطن العربي. أنتقل من بيروت ومن جبل لبنان إلى شوارع وأزقة درب غلف والمعاريف وبوسيجور والوزيس ومرس السلطان والمدينة القديمة وشواطئ عين الدياب.. وسيدي عبد الرحمان…
هو فرار من حرائق الحرب إلى جدائل السلام وضفاف الأمن والأمان..
في إحدى مكالمتي الأخيرة مع صديقي الوجدي الشاعر محمد علي الرباوي تحدثنا مرة بشكل عابر عن فضائل العيش في ظل السلام، الفضائل التي لا يشعر بها الواحد وهو ينعم بنعمها الوفيرة..
أتذكر من يعتقدون أن الهجوم الفيسبوكي على الجزائر وقادتها مقياس لوطنيتهم الزائفة، إنهم يبالغون في نشر المزيد من الهراء والأكاذيب في العلن، وهم يحرضون على نشوب حرب مع جارتنا الشرقية، وكأن الحرب نزهة تحت الشمس، لا تحتاج منَّا سوى متطلبات التنزه، مثل انتعال لباس وحذاء رياضي، مع قبعة ونظارات شمسية، وإن أمكن سماعة في الأذنين للاستمتاع بما نحبه من الموسيقى ..
لا يعرف أهوال الحرب إلا من يكتوون بلظاها ولهيبها وجحيمها..
شخصيا لا يمكنني أن أصف لكم الأمر؟… كيف يمكن وصف أهوال تتعلق بعملية إبادة البشر… على أي حال، مهما بالغت في الوصف تبقى الحقيقة دون كل وصف وكل مبالغة..
***
بالرغم من وطأة الحرب، يتابع اللبنانيون حياتهم الطبيعية ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، لكن الحياة في زمن الحرب لا تشبه الحياة في زمن السلم، وليست كما ذهب إليه صحفي أردني كتب أن لبنان بخير .. متجاهلا باستخفاف الكارثة العظمى التي حلت بالبلد وبالناس…
لا خلاف أن الحرب والحياة الطبيعية يسيران بالتوازي.. تسمع دوي تفجير مرعب، تسارع إلى هاتفك وتفتح تطبيق "الوكالة المركزية" لتخبرك على التو أنه مجرد خرق لجدار الصوت.. فتكمل طريقك لجلب الأكل الخاص لقطتك، وتمر على أصدقاء اجتمعوا للعب الورق في بهو خارجي لمنزل أحدهم.. تحييهم من بعيد فيدعونك مرحبين:
– " مَيِّلْ.."، أي تفضل.. تعتذر لهم، تقفز إلى رأسك أغنية اللبنانية نجاح سلام: "مَيِّلْ يا غْزَيِّلْ.." وتضحك وحدك… ناسيا الغارات والصواريخ وتقارير الفضائيات المتضاربة…
ساعتها تؤمن بأن ما نحتاجه الإنسان في هذه الحرب للبقاء على قيد الحياة وعدم فقدان عقولنا هو روح الدعابة والإرادة في الحياة…
***
"أيام الحساب" الاسم الذي اختارته تل أبيب لعملية الرد على إيران، حيث وجهت إسرائيل فجر اليوم 26 أكتوبر أول ضربة واسعة ضد النظام الإيراني، استهدفت صناعة الصواريخ والدفاع الجوي والقواعد العسكرية في طهران والأهواز وإيلام. وكشفت تل أبيب أن 140 طائرة حربية ضربت 20 هدفاً، بشنها 3 موجات من الهجمات. تركزت الثانية والثالثة على قواعد الصواريخ والمسيرات ومواقع الإنتاج، وعادت الطائرات سالمة إلى قواعدها وفق الناطق الإسرائيلي. واللافت أن تل أبيب أعلنت بعد إنتهاء الهجمات أن لدى إسرائيل الآن "حرية عمل أوسع" في أجواء إيران!
وطهران تؤكد بدورها أن الهجوم الإسرائيلي إستهدف مواقع في المحافظات الثلاث المشار إليها أعلاه، وتصف الأضرار بأنها محدودة وقعت في بعض المناطق، وأن الدفاعات الجوية الإيرانية واجهت الهجمات.
***
مقتطفات فيسبوكية، حول الرد الإسرائيلي على إيران، من تدوينات لبنانيين في الحرب الحالية:
- "الكبار" يتبادلون الرسائل الردعية "الدقيقة"، أما الحرائق والموت والدمار فعلى أرض "الصغار"،
– "الغارة ع بيتنا بكفررمان كانت أقوى من الرد ع إيران!
– "قصف الحبيب زبيب"،
– لا تستخفّوا بالضرر النفسي!،
– بيبي بعد الضربة: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا. (تدوينة للشاعر والإعلامي اللبناني جوزيف عيساوي)،
– "مين ما ربح الحرب نحن ماكلين خرا"،
صاحب سيارة تاكسي عم ينادي: "من شتورة للجورة"، (بعدما كان في السابق ينادي من شتورة للشام أي سوريا، و"الجورة" هي الحفرة الكبيرة التي خلفها القصف الإسرائيلي على معبر "المصنع" الحدودي بالبقاع)،
-"وصلني من صديق على قد ما صرنا نشتهي نسمع خبر حلو هالفترة، اليوم سمعت الجيران عم يقولوا ابنهن الصغير بطل يعمل تحتو.. دمعوا عيوني من الفرح"…
***
كما تنتشر الصور النمطية السطحية والكليشيهات الخرقاء التي لا يزال الناس يتعاملون معها من غير تمحيص.. تنتشر أيضا تعبيرات نمطية تكتسب يوما بعد يوم نصيبها من السطحية ومن التقعر واللامعنى. مثل عبارة "هدوء حذر، وتفاؤل حذر"، التي يكثر ترديدها هذه الأيام على لسان الإعلام المواكب للحرب..
بعض هذه الكليشهات والقوالب النمطية، مع الأسف، مشحونة بروح عالية من التحيز يحتويها خطاب الكراهية والعنف وتأييد الإبادة الجماعية.
(بيروت، السبت 26 أكتوبر 2024 )


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.