"حاصرت" الحرب وأهوالها الصحفي المغربي عبد الرحيم التوراني في بيروت الجريحة، وهو الذي تعود التردد عليها والإقامة بين أهلها كلما زار أهله هناك، لكن الحرب التي باغتت اللبنانيين وحاصرت بلدهم من الجو والبر والبحر، فرضت عليه المكوث هناك في انتظار ساعة الفرج والنجاة. ومع مرور الوقت وجد التوراني نفسه في قلب تجربة صعبة، وهو الانسان المبدع والمبدئي الذي لم يٌخف هواه يوما لبيروتوللبنان بكل يقاعه ولأهله بمختلف أطيافهم، فخط َّ مجموعة الخواطر التي ننشرها هنا، وهي عبارة عن لحظات ولقطات مسروقة من وقت مستقطع ما بين غارة وأخرى، تحكي لنا عن اليومي والإنساني والوجداني والذاتي والموضوعي.
*** *** *** لست من اللغويين أو من علماء اللغة.. لكني قد أنضم أحيانا إلى أصحاب اللغو، أي من يخوضون في كلام أو أفعال لا فائدة منها… في صلاة الجمعة، يقول المأموم حاثا المؤمنين على الإنصات لخطبة الإمام: "ومن لغا فلا جمعة له"… وما دام الفقهاء يقولون إن اللغو لا يصل إلى مستوى المعصية.. فقد يخطر لي التسلي باللغو.. إذن اللغو، كما تدل أحرفه هو من اللغة ومن صلبها.. تبقى اللغة العربية وحدها من بين كل لغات العالم تزخر بألفاظ ومفردات ومترادفات من شأن تجميعها إنجاز معجم كامل تفيد كلماته معاني الفقدان والموت. على سبيل المثال، من فقدت زوجها تسمى "أرملة"، ومن فقد زوجته فهو "أرمل"، ومن فقد أمه "لطيم" أو "عِجي"، ومن فقد والده "يتيم".. ون كان الشائع استخدام لفظ "اليتيم" على من فقد أباه أو أمه أو كليهما… وأظن أنه لا توجد في غير اللغة العربية كلمة لوصف فقدان الولد.. ففي لغة الضاد الَّتي فقدت ولدًا، توصف ب"الثَّكْلى". لكن هل من لفظ مفرد يوجز "قتل شعب أعزل"…؟ إذا لم يكن هذا اللفظ متوفرا في أي لغة من لغات البشر، فإني أقترح أن يكون هو "إسرائيل"، الحروف المكونة لهذه الكلمة تفيد وباء القتل والتقتيل والمجازر والمذابح البشرية.. وتلخص سيرة الإرهاب والإبادة الجماعية… يمكن أن نختار مرادفات أخرى: نتنياهو، غالانت، بنغفير، شارون.. ولكم من أسماء قادة الكيان الإجرامي، منذ تسليطه على الأرض العربية، ما لا تحبون وتكرهون… *** "إنّ الله يخرج الحيّ من الميت ويخرج الميت". (قرآن) *** في خمسينيات القرن العشرين، لم ينقطع احتفال المغاربة غداة نيل الاستقلال، سهرات وغناء ورقصات "الصُّومْبا والرُّومْبا في شارع الخامس" (أي محمد الخامس).. في هذه الاحتفالات غالبا ما كانت تقدم تمثيليات قصيرة، إحداها كانت من مشهد وحيد، غير أن مدتها كانت تطول بطلب من الجمهور، تمثيلية تقتصر على ممثلين اثنين، الأول ممدد فوق طاولة، والثاني يقف عند رأس الأول. يفهم الجمهور أن الممدد شخص ميت، غير أنه بين لحظة وأخرى يحرك أو يرفع أحد أطرافه، وكلما أعاد الواقف تسوية أطراف الميت على الطاولة، يعمد الميت تكرار حركته، ما كان يثير موجات عالية وصاخبة من ضحكات الجمهور.. عنوان التمثيلية كان هو "حيّ ميِّت". تمثيلية مغرقة في السذاجة، تقدم لجمهور لا يشعر بالملل من إعادة التفرج على المشهد المتكرر.. جمهور لم يكن يقل سذاجة… وأنا أتابع صور وفيديوهات وأخبار القتل اليومي الإسرائيلي لشعب يموت ثم ينهض من جديد، أشعر كأني أتفرج على تمثيلية "حي ميت"، طبعا مع الفارق.. *** من ألقاب يحيى السنوار التي أطلقتها عليه الصحافة العبرية: "الحي الميت"، وبعد استشهاده صار ضمن الذين قال عنهم القرآن: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون". *** هناك الحكم بعقوبة الموت والإعدام… لكن لماذا لا ننتبه إلى "عقوبة الحياة"…؟! إنه الحكم الذي ينفذ اليوم على الشعبين الفلسطينيواللبناني.. "عقوبة الحياة" هي التنفس تحت نيران القصف وتحت أحدث أسلحة الدمار والفتك، وترَقُب الموت في أي لحظة وفي أي ساعة… إذا كان هناك التعايش مع الموت.. فهل يصح لنا القول "التماوت مع الحياة"؟! هنا لفظ "التماوت" ينطوي على قدر كبير من التصنع والتظاهر بالموت.. وبالتالي يمتلئ بالزيف وبغير الحقيقة… إن إسرائيل تتماوت، وتكذب على جزء من الرأي العام الغربي أساسا، قصد ارتكابها مزيدا من القتل.. وتدمير حياة الإنسان الفلسطينيواللبناني بشكل لا يمكن إصلاحه أو تعويضه.. إسرائيل تكذب على العالم للتمكين من القتل والتستر على جرائم الإبادة. فلا تسل عن متى ستنتهي حلقات هذا المسلسل الطويل لجرائم "القتل المتسلسل" ضد شعب مسلسل بسلاسل القهر والاغتصاب والخيانات.. *** كلّ الذين ماتوا، نجوا من الحياة بأعجوبة !… محمود درويش. *** بدأت إسرائيل بقطع الطرقات وعزل الجنوب عن باقي مناطق لبنان.. قطع الطريق بين النبطية وصيدا بعد سقوط جسر المشاة في الزهراني نتيجة غارة إسرائيلية… *** قبل سنوات، عرضت القناة الثانية المغربية فيلما أمريكيا أحداثه تقطع الأنفاس، عن طفلة أمريكية صغيرة تسقط قطتها في قعر حفرة عميقة، فتتجند كل أمريكا من أجل إنقاذ القطة وإعادتها إلى حضن الطفلة الحزينة البريئة.. لكن عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان خارج أمريكا والغرب عموما، وما يحدث من قتل وإبادة في فلسطينولبنان، فإن هذه الإنسانية سرعان ما تختفي وتغيب، ولن تجد لها صدى.. وفي نهاية المطاف يشهرون سلاح "الفيتو" في محاولة عقيمة للهروب من التاريخ… *** خلال سنوات سجنه أتقن يحيى السنوار لغة العدو (العبرية)، وترجم منها مقالات وكتبا تتناول المجال السياسي والأمني الإسرائيلي.. وكان له في التأليف. حاليا يتداول على الشبكة العنكبوتية كتابه حول سيرته الذاتية بعنوان: "الشوك والقرنفل". كما له كتاب "حماس: التجربة والخطأ"، يتناول تجربة حركة حماس وتطورها.. هنا التجربة، فأين الخطأ وأين مكمن الأخطاء؟ *** ألون مزراحي، كاتب إسرائيلي، كتب على منصة إكس، عن نهاية يحيى السنوار أنه "مات موتا مشرفا، موت محارب مع رجاله، موت واحد مع شعبه، في دفاعه عن أرضه ضد محتل يسعى للإبادة ولم يسقط في عمل غير لائق". مضيفا: "إذا كانت هناك كلمة واحدة يمكن التفكير فيها لوصف هذه النهاية، فهي من همنغواي. كان هذا أشبه بمشهد من رواية همنغواي عن فلسطين". وختم: "ليس لدي أي شك في من سيدعم همنغواي في هذا الصراع". وبحسب الكاتب الإسرائيلي، فإنه عندما رأى مشهد موت السنوار تذكر نهاية فيلم "لمن تقرع الأجراس". *** من طرائف النزوح: فيديو انتشر على مواقع التواصل المحلية، تظهر فيه شابة لبنانية تتحدث عن بعض السلوك غير المستساغ أو غير المقبول الآتي من بعض النازحين، في مثل هذه الظروف الصعة والحرجة التي يمر منها لبنان.. حيث يتكاثف الشعب بكل طوائفه المتعددة، ويقف متضامنا ومؤازرا للمتضررين من الحرب، خصوصا النازحين من الجنوب.. مثل المرأة النازحة التي تواصلت هاتفيا مع مسؤولة بإحدى المؤسسات التعليمية التي حولت إلى مركز إيواء وحدثتها في موضوع إمكانية توفير غرفة خاصة لها ولزوجها من أجل "الخلوة".. تقول المتصلة لمديرة مركز الإيواء: "رجاء لا تؤاخذيني، إن زوجي زاد ضغطه وتوترت أعصابه مع هذا الوضع.. ولن يهدأ إلا إذا اختلينا…"… في نفس الفيديو تنتقد الشابة المتكلمة عن نازحين آخرين يتصرفون كما لو كانوا نزلاء في فندق من فنادق الخمس نجوم.. ومنهم من يطلب الأراجيل والتنبك والمعسل.. وتجد آخرين يعمدون إلى رمي الأكل المقدم إليهم في الزبالة، بحجة أنه أكل "غير حلال"، وبالتالي فهؤلاء الناس لا يتنازلون عن إخضاع الطعام لمعايير الشرعية حسب مذهبهم الديني.. مهما كانت حساسية الأوضاع… ربما بعدما وجدوا أنفسهم في مناطق مسيحية، يصرون على تناول اللحم الحلال، الآتي من طريقة الذبح الحلال.. إسرائيل تذبحكم بالأسلوب الحلال وعلى هدي التوراة وآيات التلمود.. لعلكم تدركون! *** في مدينة جونيه، المتاخمة لبيروت، توجد عمارة لا تبتعد سوى بأربعة أمتار عن مبنى "السرايا"، (أي مقر السلطات المحلية).. لوحظ تردد أشخاص على العمارة، أشخاص مسلحين يخرجون منها ويدخلون، وبينهم نساء.. وسرعان ما انتشر تسجيل صوتي يعرض الخبر، ويرسل تحذيرا للناس: "انتبهو على حالكم.. الله يحميكم…". *** بعد استشهاد أمينه العام حسن نصرالله، في 27 سبتمبر الماضي، يفرض حزب الله مزيدا من التعتيم على مصير أعضاء قياداته العليا، خصوصاً الذين استُهدفوا في الغارة على هاشم صفي الدين في الضاحية الجنوبية بتاريخ 4 أكتوبر الحالي. مواقع إلكترونية محلية نشرت خبرا يقول إن خامنئي قام بتعيين الإيراني محمد رضا فلاح زادة مساعد قائد الفيلق "مشرفاً" على حزب الله، ريثما يتم تعيين الأمين العام الجديد للحزب. واستنادا لمصادر من "فيلق القدس"، أن السبب يعود إلى تخوف حزب الله من أن تغتال إسرائيل أي أمين عام جديد له. *** منشور ورقي منسوب إلى "حزب الله"، يتم توزيعه في ربوع لبنان، يدعو الشباب اللبناني، ابتداء من 16 سنة، للتجنيد والقتال في صفوفه ضد العدو الإسرائيلي.. *** بعثة إيران في الأممالمتحدة تنفي أي صلة لطهران بالهجوم على منزل نتنياهو.. "هذا العمل قام به حزب الله اللبناني"، بحسب ما نقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الرسمية (إرنا). *** نتنياهو يظهر وسط حديقة بيت، قيل إنه بيته الذي جرى استهدافه.. ومما قاله متحديا أمام الكاميرا: "سنحقق كل أهداف الحرب التي وضعناها، وسنغير الواقع الأمني في منطقتنا لأجيال".. حسب ما نشر في وسائط التواصل الإجتماعي فإن البيت المزعوم لنتنياهو هو في الأصل بيت مسروق تعود ملكيته لعائلة فلسطينية مرموقة، وهي عائلة الطبيب الفلسطيني توفيق كنعان التي هُجرت من المنزل بعد القصف الشديد التي شهدته منطقة سكنهم في القدس في فبراير عام 1948. ما أشبه الليلة بالبارحة! *** شرع الأمن اللبناني في استدعاء بعض من وجهت إليهم تهم خطيرة، منها التخابر مع العدو الإسرائيلي. كما تلقى بعض الصحفيين المعارضين لحزب الله تهديدات بالقتل.. في اليومين الأخيرين جرى توقيف واحتجاز بعض الصحافيين والمصوّرين والتحقيق معهم. من بين هؤلاء الذين تم استدعاؤهم الإعلامية والناشطة السياسية السورية – اللبنانية عاليا منصور.. سبق لي أن تعرفتُ عليها وعلى أفراد من عائلتها في السنوات الأخيرة. وقد تم إخلاء سبيلها بعد أن تبين أن التغريدة المحرضة ضد اللبنانيين النازحين إلى سوريا، والمنسوبة إليها، هي من حساب وهمي مختلق باسمها على منصة إكس، (توتير سابقا).. *** ليست هي المرة الأولى التي قيل فيها مثل هذا الكلام.. مسؤول عسكري في الجيش: "العملية البرية في لبنان ستنتهي في غضون أيام أو أسابيع، وهناك مؤشرات إيجابية نحو تسوية"… *** ستنتهي الحرب، لكن متى ينتهي الكيان، لتتحول قصته إلى لعبة فيديو يمارسها الأطفال، لعبة تدور حول القضاء على كائن وحشي مصاص دماء… وبعدها تتلألأ فوق الشاشة عبارة انتهت اللعبة: GAME OVER. متى ستنتهي اللعبة بتحدي الكيان المظلم، ليعم السلام وتعم الحياة على هذه الأرض… (مساء السبت وصباح الأحد 19-20 أكتوبر 2024)