في هذا المقال الذي تنشره صحيفة "لوموند" في عددها الورقي ليوم غد الاربعاء 7 اكتوبر، ونشرته اليوم على النسخة الخاصة بالمنخرطين في موقعها الالكتروني، تطرقت مراسلة الصحيفة بالرباط، "شارلوت بازوني"، إلى عودة موقع "لكم"، ومحنة مديره علي انوزلا، وعلي المرابط، والمعطي منجب. وسلطت الضوء على المضايقات القضائية والمالية التي تمارسها السلطة المغربية على الصحفيين المستقلين بشكل عام. وقالت انه رغم تعدد الصحف الرقمية والورقية فان الصحافة المستقلة ما تزال قليلة، وان النقد لا يوجه الى المواضيع الحساسة. نورد في ما يلي الترجمة الكاملة لنص المقال: ترجمة سعيد السالمي غرفة كبيرة تصطف فيها بعض الحواسيب ويقعد أمام شاشاتها صحفيون في غاية التركيز.. هذه هي مكاتب موقع "لكم2" الإخباري في مقره وسط المدينة في العاصمة الرباط. قبل أسابيع قليلة، قام المدير علي أنوزلا، وهو رجل متحفظ ومشاكس في ذات الآن، بإطلاق هذا الموقع المستقل الذي يموله من ماله الخاص. وفي الواقع فقد قام بإعادة إطلاقه، لأنه قبل عامين، وبالضبط في سبتمبر 2013، تم اعتقاله وسجن وحوكم بتهمة "التحريض على الإرهاب"، بعد نشره لرابط يحيل على الموقع الإلكتروني لصحيفة البايس الاسبانية، الذي أحال هو الآخر إلى شريط فيديو دعائي لتنظيم "القاعدة" يهدد فيه المملكة المغربية. ومنذ أن أفرج عنه، بعد خمسة أسابيع من التعبئة الوطنية والدولية، لا يزال هذا الصحفي إلى غاية اليوم تحت سيف تلك التهمة. وقال في حديثه إلى "لوموند" : "لدينا هامش من الحرية يختلف وفق السياق الوطني والإقليمي وحتى الدولي. إنها حالات مد وجزر". بعد سنوات الرصاص التي عاشها المغرب تحت حكم الحسن الثاني شهدت الصحافة في المغرب فترة انفتاح جسدتها أسبوعية "لوجورنال"، وهي صحيفة مستقلة جريئة. بعد ذلك تم تسجيل الإهتزازات الأولى غداة هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وهجمات الدارالبيضاء سنة 2003. وفي سنة 2010 أجبرت "لوجورنال" على الإغلاق بعد ان غرقت في الديون وحكم عليها بالتصفية القضائية. وفي سياق احتجاجات الحراك الشعبي في 20 فبراير 2011 هبت نسائم حرية جديدة، علق علي انوزلا على تلك الفترة قائلا "إن الهامش كان أكثر اتساعا تحت ضغط احتجاجات "الربيع العربي" ولكننا، منذ ثلاث سنوات، نلاحظ تراجعا مهما". الرقابة الذاتية في التصنيف العالمي لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، جاء المغرب في المرتبة 130 من أصل 180 دولة. وفي بيان أصدرته المنظمة ذاتها يوم 18 سبتمبر الماضي بعنوان "الصحافة المستقلة تختنق في مملكة الخطوط الحمراء" شددت أن الصحفيين "يتعرضون لضغوط متعددة، وغالبا ما يتهمون بالتشهير ونشر الادعاءَات الكاذبة بمجرد أن ينتقدوا سياسة القصر أو يثيروا قضايا تخص أحد أعضاء الحكومة". وأضافت المنظمة أن "بعضهم ما فتئ يتعرض لتحرشات السلطة منذ عدة سنوات". وفي هذا الصدد ذكرت المنظمة أن الصحفي علي المرابط، الذي حكم عليه سنة 2005 بالمنع من مزاولة مهنته لمدة عشر سنوات بتهمة التشهير، خاض شهر يونيو الماضي إضرابا عن الطعام لمدة 34 يوما أمام مقر الاممالمتحدة في جنيف من أجل تمكينه من وثائق هويته، التي بدونها من المستحيل أن يستأنف نشاطه المهني. وكان قد حكم على هذا المدير السابق لمجلتين ساخرتين، سنة 2003، بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة ""الإساءة لشخص الملك"، و"المس بالوحدة الترابية" و "زعزعة النظام الملكي". ورغم أن الصحافة إلكترونية كانت أم ورقية موجودة بكثرة في المغرب، فإن المواضيع التي تعتبر من الطابوهات لا تزال كثيرة، حيث لا يوجه النقد لا إلى المؤسسة الملكية مثلا، ولا إلى قضية الصحراء الغربية. وبهذا الصدد قال أنوزلا: "سنة 2013، اتهمني أحدهم في البرلمان بخيانة الدولة بسبب مقال حول الصحراء الغربية". وكانت الولاياتالمتحدةالأمريكية وقتها قد تقدمت بمشروع قرار لدى الاممالمتحدة يهدف إلى تمديد أنشطة بعثة الأممالمتحدة في الصحراء الغربية (المينورسو) لتشمل مسألة حقوق الإنسان، وتابع أنوزلا قائلا " كل ما كتبته وقتها أننا، اذا كنا حقا دولة ديمقراطية، فلماذا نخاف من هذا القرار؟". أن تكون صحفيا في مثل هذه الظروف أشبه من ذلك الذي يقوم بمهمة الموازنة ويتحرى اليقظة، ولهذا تبقى الصحف المستقلة حقا تبقى محسوبة على رؤوس الأصابع. وأمام هذه الاكراهات فضل بعض الصحفيين المعروفين بجرأتهم أن يغادروا البلاد للعيش في الخارج، فيما قرر آخرون ان يتواروا إلى ما يشبه الإعتزال. وفي هذا الصدد قال الصحفي عمر بروكسي في حديثه ل"لوموند": "لم يعد يغريني ان أكون صحفيا في المغرب". هكذا أعلنها صراحة هذا الاستاذ الجامعي الذي اشتغل مع وكالة الانباء الفرنسية في الرباط، وسحب اعتماده سنة 2013 بسبب قصاصة لم تعجب صناع القرار، وهو أيضا صاحب كتاب بعنوان "محمد السادس وراء الاقنعة" (منشورات العالم الجديد، 2014). وتابع أنه "لم يواجه أية مشاكل لا اثناء اعداد الكتاب ولا اثناء نشره"، غير أنه "يعتبر اليوم أن ظروف ممارسة مهنة الصحافة في المغرب ليست متوفرة"، ومع ذلك فانه لا يلقي باللوم على زملائه الصحفيين حيث أشار إلى أن "الكثيرين يحاولون ممارسة مهنتهم على احسن وجه، وقدر المستطاع، دون تجاوز ما يسمى بالخطوط الحمراء. يمارسون الرقابة الذاتية، بهدف كسب قوت العيش". الضغوط المالية وفضلا عن المضايقات القضائية التي قد يتعرض لها بعض الصحفيين، فإن الضغوط المالية، وعلى وجه الخصوص تلك التي تمارس من خلال الإشهار، باتت السلاح الجديد الذي تستعمله السلطة للتحكم في وسائل الاعلام، كما يؤكد ذلك المؤرخ المعطي منجب، وهو رئيس جمعية "الحرية الآن"، وهي منظمة تندد بالخروقات التي تطال حرية الصحافة، تأسست سنة 2014 ولم تعترف بها السلطات. وكان منجب قد خاض إضرابا عن الطعام لمدة ثلاثة أيام في 16 سبتمبر الماضي احتجاجا على المضايقات التي اعتبر أنها شهد تزايداً ملحوظا خلال الآونة الأخيرة. وقال إنه مُنع من السفر من مطار محمد الخامس الى برشلونة للمشاركة في أحد المؤتمرات. وطبعا، في هذا السياق فإن قضية الصحفيين الفرنسيين "إريك لورون" و"كاثرين غراسييه"، المتهمين بابتزاز الملك، ما كانت لتمر مرور الكرام، وقال أنوزلا "إن التوضيحات التي قدموها صدمتني كصحفي يمارس المهنة منذ 25 سنة، وكصحفي مغربي. أستطيع أن أتفهم ان صحفيا يعيش في دولة مثل المغرب يمكن أن يمر من حالات ضعف، أما انتم الذين تعيشون في دولة حرة وديمقراطية، وليس لديكم ما تخشونه، فهذا ليس من مقبولا منكم". ثمة كثيرون يعقدون الآمال على القانون الجديد للصحافة والنشر، الذي وعدت به السلطات المغربية سنة 2011، ويتمنون أن يرى النور في أقرب الآجال. وقالت منظمة "مراسلون بلا حدود" إنها ثمنت "الخطوات المتقدمة التي تضمنها القانون الجديد على غرار ازالة العقوبات السالبة للحرية في المتابعات المتعلقة بالصحافة، ولكنها لا تزال غير كافية، كما أن الطريق فيما يبدو ما يزال طويلا قبل ان يخضع لتصويت البرلمان".