فاجعة سيدي رحال التي راح ضحيتها شباب في مقتبل العمر من إقليمسيدي سليمان ليست هي الفاجعة الانسانية الأولى التي وقعت في عرض البحر ولن تكون بكل تأكيد الفاجعة الأخيرة مادام أن أسباب الفواجع البنيوية لازالت قائمة ولن يكون بمقدور أي جهة وضع حد لها خلال سنة أو سنتين أو ثلاثة سنوات! نحن أمام إشكالية حقيقية تتجاوز بكثير مسؤولية الفاعل الأمني الذي تريد بعض الجهات تعليق شماعة الفشل عليه بغض النظر عن الأدوار الاستباقية المهمة التي يمكن القيام بها من طرف الأجهزة الأمنية في التصدي لكل النشاطات غير المشروعة التي تتم خارج نطاق القانون من قبيل تجارة المخدرات والهجرة السرية والاتجار في البشر وتهريب العملة وتبييض الأموال وغيرها من الأنشطة التي تدخل في إطار الجريمة المنظمة. فاجعة سيدي رحال هي نتيجة حتمية لواقع البؤس الذي أفرزته لنا السياسات العمومية للحكومات المتعاقبة مند عقد الستينيات، وهي تمظهر أيضا من تمظهرات الفساد الذي اخترق بنيات الدولة الأساسية، وأصبح يشكل تحدي حقيقي للدولة نفسها التي لم تعد قادرة على وقف النزيف، وإلا ما الذي يفسر استمرار الفواجع التي تودي بأرواح الكثير من المواطنين في البحر والبر؟ من هذا المنطلق، فإن أي محاولة لاختزال فاجعة سيدي رحال، في ممارسات أشخاص معينين، فهي في المحصلة ذر للرماد في العيون، لأن الأمر أكبر بذلك بكثير، وأن السماسرة والوسطاء، هم أنفسهم ضحايا لوضع بئيس، باستثناء الاشخاص الذين تربطهم علاقات وظيفية مع السلطة، التي يتعين عليها إجراء المتعين بدون رأفة بكل ما تبث تورطه في الفاجعة! إقليمسيدي سليمان من الأقاليم التي أخد منها الفساد أكثر مما أخدته التنمية، وهناك مسؤولية مباشرة لأكثر من طرف في هذا الوضع، الذي بسببه تعرض شباب الاقليم لاستغلال كبير وخطير خلال السنوات الماضية، حيث أن جزء كبير منهم تم التغرير بهم من طرف الجماعات المتطرفة ووجدوا أنفسهم في حضن التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، ومنهم من بشروا بالهجرة وسلبت منهم أموالهم وجوازات سفرهم دون تحقيق أي نتيجة، ومنهم من وجدوا أنفسهم ضحايا شركة النجاة الاماراتية في عهد حكومة عباس الفاسي! إقليمسيدي سليمان أصبح بيئة مناسبة لكل اشكال الاستغلال، وهو من الأقاليم الهشة وفق تقارير المندوبية السامية للتخطيط، وهذه مسؤولية أكثر من فاعل ( الادارة الترابية، الاحزاب السياسية، المجتمع المدني، الاعيان الانتخابية، الجماعات المحلية، المواطنين) ولا يمكن بأي حال من الأحوال رمي الكرة في ملعب الأجهزة الأمنية، بغض النظر عن المسؤوليات التقصيربة التي يمكن أن تحدث على هذا المستوى، ولاسيما في الشق المتعلق بما هو استخباراتي، مادام أن عمل شرطة القضائية يبقى مرتبطا بعمل النيابة العامة المختصة! الحل في تقديري الشخصي المتواضع يكمن في ضرورة تقييم حصيلة العمل التنموي في إقليمسيدي سليمان وتحديد مسؤولية كل طرف في الوضع البئيس الذي وصل إليه الاقليم الذي بات أبناؤه عرضة للنصب والاحتيال والتطرف والفواجع المؤلمة التي تمس بحق الإنسان في الحياة! ثقتنا في القضاء كبيرة ونحن واثقون من أن العدالة ستأخد مجراها وثقتنا في الأجهزة الأمنية موجودة أيضا في ظل يقظة عناصر الشرطة التي تشتغل في ظروف صعبة وبامكانيات محدودة بغض النظر على بعض الأخطاء التي ترتكب هنا وهناك مادام أن عمل الإنسان غير منزه عن الخطأ! ولكن المهم خلال هذا المرحلة في تقديري الشخصي المتواضع هو أخد الدروس اللازمة من فاجعة سيدي رحال والعمل في المستقبل على تنمية هذا الاقليم الذي نخره الفساد لعقود من الزمن دون أي رأفة بساكنته التي أصبحت عرضة للاستغلال من طرف العصابات الاجرامية المنظمة. تعازي الحارة لأسر الضحايا وإنا لله وإنا إليه راجعون