(من مسجد مكناس إلى ملعب تارودانت) لقد صرنا أشلاء أنفسنا وليس هناك من منطقة منزوعة الموت حتى نقيم فيها. في كل مرة نموت تحت اسم حادثة أو كارثة ما، وكلما تعددت مناسباتنا وأفراحنا تعدد وتنوع موتنا الجماعي. لقد فاض علينا الألم وكبرت شاشة الحزن وأصبح الموت يتسكع بين ثنايانا ويطاردنا أينما حللنا وارتحلنا:في عماراتنا، في طرقنا وشوارعنا، في مساجدنا، في مدارسنا، في ملاعبنا، في بحارنا …هكذا أصبحت ذاكرتنا تعج بأحداث مميتة ونحن لسنا إلا ناجين مؤقتا وإلى حين.فسيفساء من الفواجع، على الطرق والممرات، على الساحات على الملاعب وعلى البحار … من المرعب حقا أن تتكرر هذه المآسي، هذا الموت الذي يأتينا متعددا وتحت مسميات مختلفة: تارة حوادث سير وأخرى غرق وثالثة حرائق ورابعة انهيار بنايات أو أسوار وخامسة تدافع وسادسة فيضانات أو انجراف أتربة. من يُدَوّن لمآسينا المتعددة ؟ من يُقَلّب في ألبومنا البئيس والمخجل ؟ هناك تسييل الفواجع والكوارث أصبحت مسترسلة من واحدة لأخرى: من فاجعة احتراق 7 فتيات عشاء تنظيم حفل خيري قصد النقش بالحناء لفائدة فتيات تتراوح أعمارهم بين 7 و12 سنة بمناسبة دينية، سنة 2002 بالدار البيضاء. مرورا بحادث احتراق 6 فتيات أعمارهن بين 9 و13 سنة وهن ضحايا حريق شب ليلا في أحد المخيمات برأس الماء بايفران. مرورا إلى فاجعة احتراق أحد مصانع للأثاث بالدار البيضاء حيث اندلعت فيه النيران في سنة 2008، وكان الضحايا 55 فردا من عمال الشركة وقد تفحمت جثثهم.إلى حادث انهيار عمارة في طور البناء، بمدينة القنيطرة والذي خلف أربعة عشر قتيلا و26 مصابا بجروح متفاوتة الخطورة. إلى حادث انهيار صومعة مسجد "باب البردعاين" بالمدينة العتيقة بمكناس،الذي خلف 40 قتيلا وعددا من الجرحى وذلك سنة 2010. إلى فاجعة الألعاب المدرسية التي راح ضحيتها ما لا يقل عن 33 شخصا من بينهم 14 تلميذا رياضيا في مقتبل العمر.إلى حادثة غرق 11 طفلا في شاطئ غير محروس محاذ لواد الشراط بعمالة الصخيرات. إلى حادثة وفاة 15 امرأة بجماعة سيدي بوالعلام، التابعة لإقليمالصويرة، وإصابة أخريات بجروح خطيرة. إلى حادثة قطار بوقنادل الذي أودى بحياة 7 أشخاص. .إلى حادثة انجراف التربة التي وقعت مؤخرا في منطقة "إجوكاك" بإقليمالحوز، والتي راح ضحيتها 16 مواطنا.إلى فاجعة ملعب كرة القدم ب"تزيرت" إقليمتارودانت التي أودت بحياة 7 أشخاص يوم الأربعاء الماضي. دون أن ننسى حرب الطرق المفتوحة والتي أصبحت ظاهرة مألوفة وأيضا سقوط الأسوار وجدران بعض المنازل العتيقة التي تعودنا هي أيضا عليها، حيث الوفيات الفردية أو الثنائية. من سيحمينا من هذا الكم المفرط من الفواجع والمصائب ؟ علينا أن نتساءل هل الأمر لا يتعلق سوى بهفوات من نتائج العقل الكسول اللامسؤول والمستهتر أم يتخطى ذلك إلى غياب فلسفة للحياة والتحضر وقيمة الإنسان كأثمن رأس المال؟ يبدو أن حكوماتنا المتتالية ليست أكثر من هدر مقصود وعن سابق إصرار وترصد لكل الطاقات الوطنية. كيف لنا أن ننسى ونحن كلما خرجنا من فاجعة يُزَجُّ بنا في فاجعة أخرى ومن نوع آخر؟ هل دولتنا لا تملك برامج يحضر فيها الإنسان كمواطن وكأفق ؟ هل دولتنا لا تملك أدرعا كي تحمي وتحتضن أبنائها خصوصا الضعفاء والفقراء منهم ؟ هناك حكمة قديمة تقول:"الوقاية أفضل من العلاج" يبدو كما لو أننا لا نقي ولا نعالج ! نعم القطار فائق السرعة جميل، لكن ماذا عن الإقصاء والتهميش والبؤس الواسع الانتشار وبسرعة أيضا ربما لا تقل عن سرعة البراق ؟ * أعتذر الأرقام غير دقيقة لأنني لم أجد أي مصدر رسمي في متناولي يحتوي كل هذه الحوادث والكوارث.