أعادت لي فاجعة عمارات بوركون الثلاث، التي سقطت فوق ساكناتها، فجر يوم الجمعة11 يوليوز الجاري، عددا عديدا من المواقف والفواجع، التي تلتقي جميعها في التأكيد، على أن ليس لدى المسؤولين أية نية في وضع أو اعتماد، استراتيجية واضحة لمواجهة الكوارث والفواجع، التي ذهب ويذهب ضحيتها، المواطنون إما بضياع أرواحهم وإما بتشريدهم وحرمانهم من مساكنهم وإما بفقدانهم لعملهم فلا نجد لدى المسؤولين إزاء ذلك، إلا ردود أفعال عشوائية مزاجية تفتقد لأية رؤيا تستحضر الماضي، وتستشرف الآتي .. فقد نجد المسؤولين في هذه المدينة يعملون ما في وسعهم، للتخفيف من هول الكارثة، بالوقوف الى جانب المفجوعين ومشاركتهم أحزانهم، في حالة فقدانهم لذويهم، أو يسارعون الى العمل على إيجاد بعض الحلول الممكنة والواقعية، في حالة فقدان العمل أو المسكن وغالبا ما لا يكون هذا التحرك الايجابي، إلا إذا أعطى ملك البلاد تعليماته، أو زار مسرح الفاجعة بنفسه، وغير هذا، فالمسؤولون في الجهات التي لم تحظ بهذه العناية ، يجندون كل طاقاتهم للإعلاء من شأن سياسة التعتيم والاستصغار فلا هم يبادرون الى بعض الممكنات للحد من هول الكارثة، والتخفيف من وقع الصدمة ولا هم يتركون فرصة للمفجوعين حتى للاحتجاج والتنفيس . شعارهم في ذلك : كولو العام زين .. وللي دوا يرعف» ! وقد نجد مسؤولين في جهات أخرى «ما مسوقينش كاع »! من مات فقد مات ومن عاش فقد عاش .. وعلى حين غرة ، يصبح القضاء لدى هؤلاء المسؤولين، سلطة مستقلة، بواسطتها يسدون كل الأبواب في وجه المنكوبين، بالقول : « اللهم لك الحمد ، العدالة موجودة وللي شعر براسو مظلوم يمشي للقضاء » ثم يغلقون الأبواب على أنفسهم لتستمر « الحياة « والى اللقاء في فاجعة أخرى ! الأمثلة على ذلك كثيرة ومتنوعة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر فاجعة حريق روزامور، فاجعة انهيار عمارة القنيطرة، فاجعة انهيار المنازل بفاس ومراكش والبيضاء، هذه الأخيرة التي صرح بشأنها المناضل نبيل بنعبد الله وزير السكنى وسياسة المدينة وقتها ، بأنه سيقدم استقالته في حال ما سقط مستقبلا، منزل واحد فوق رؤوس ساكنته ولست أدري متى سيفعل ؟ ربما بعد نهاية الولاية الحالية .. ومن يدري ؟ مدينتي مكناس، لا تختلف في شيء عن هذا حيث تعرض المواطنون للاحتراق والاختناق، في حاويات الزيوت وفي معامل صنع الأفرشة الاسفنجية وفي أوراش البناء وفي المنازل تحت الهدم والردم وفي المساجد وحتى في الطرقات فمنهم من فقد حياته ومنهم من عاش بقية حياته بعاهة مستديمة، لا يقوى على شيء ومنهم من فقد عمله، وصار معطلا وعالة على الغير ومنهم من فقد مسكنه، وصار مشردا يطلب بيتا للاستقرار، يحفظ كرامته وذويه، فلا يجد . وتبقى الحلقة المفقودة في كل ما ذكر، هو غياب أية إرادة لدى المسؤولين في حماية المواطنين، باعتماد الخطط والاستراتيجيات، التي تجنبهم مستقبلا، الذهاب ضحية مثل هذه الكوارث ولعل أولى هذه الخطط والاستراتيجيات، هي تفعيل مبدأ عدم الإفلات من العقاب ذلك أن أغلب التحقيقات التي فتحت عقب الكوارث التي روعت المواطنين لم تفض الى شيء لأن الهدف من فتح تلك التحقيقات أصلا، كان هو ألا تفضي الى شيء ؟ وحتى إذا ما أفضت الى شيء، فلا يكون هذا الشيء شيئا آخر غير تبرئة المسؤولين عن الكارثة، من تهمة التقصير، أو التواطؤ أو الارتشاء وإلصاقها بالقضاء والقدر كما فعل وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، يا حسرة ثلاثة أيام بعد فاجعة انهيار صومعة باب بردعيين ، فوق المصلين مع أذان ظهر يوم الجمعة 19 فبراير 2010 حين استضافه القناة الأولى على عجل ليقول للمغاربة بدم بارد ، ودم الضحايا لم يجف بعد في القبور : إن ما وقع هو قضاء وقدر، وأن ما حدث، كان بفعل الرياح القوية التي عصفت ليلة الواقعة! ولم يقل سيادة الوزير ليلتها ، بأن مراسلة صحفية صدرت في شهر أبريل 2009 ، أي قرابة سنة قبل وقوع الكارثة، تشير الى أن اعوجاجا وميلانا واضحين، أصابا الصومعة جهة اليسار، ما يشكل خطرا حقيقيا على المصلين، والسكان المجاورين، ولم يقل سيادته ساعتها ، بأن هناك عرائض عديدة ، كان السكان قد رفعوها الى مندوبية المساجد بنظارة الأوقاف، يحذرونها من الخطر الذي تشكله الصومعة ، ويطالبون بالإصلاح قبل فوات الأوان.. ولم يقل سيادته ساعتها ، بأن أحجارا وأتربة ، سقطت من الصومعة فوق رجل المؤذن يوم الأربعاء 17فبراير 2010، يومين فقط قبل وقوع الحادثة ؟؟ فأصابته ، ومع أنه أخبر بذلك المسؤولين في الأوقاف ، فإن أيا منهم لم يعر للأمر اهتماما ؟؟ ليكون هذا الإمام ، أول من سقطت عليه الصومعة رحمة الله عليه .. وضمادات جرح الأربعاء تلف جرحه .. ولم يقل وزيرنا يومها للمغاربة ، بأن المرحوم الزروالي القيم على المسجد ، أرسل ابنه يعبئ الهاتف المحمول ، ساعتين قبل وقوع الكارثة ، ليخبر المسؤولين ، بأن خطر الصومعة صار محدقا ، و قاب قوسين أو أدنى .. بالنظر لتزايد استرسال تساقط الأحجار والأتربة .. لكن ..، وبشهادة الشهود الذين كانوا حاضرين ، فإن الجواب كان صادما ؟ أسره المرحوم في نفسه ، ونابت حركات وجهه في التعبير عن امتعاضه وقلة ذات يده ... مع كل هذه القرائن والدلائل على ثبوت المسؤولية التقصيرية .. فإن وزيرنا في الأوقاف كان صارما في إلصاق التهمة بالقدر ؟؟ وما عدا التعزية الملكية التي حددت في عشرة ملايين سنتيم لعائلة كل فقيد ، والتكفل بمصاريف الدفن ومأتم العزاء فلا شيء للمسؤولين يذكر ، في التخفيف من هول الفاجعة على النفوس بل حتى الالتزام بالتكفل بمصاريف العلاج للمصابين ، تم الإخلال به ؟ وترك المصابون لحالهم والى اليوم .. ثم صار المسؤولون يطلقون الوعود ، بإعادة إسكان المواطنين الذين يقطنون بالدور الآيلة للسقوط ..وما إن انطلقت هذه العملية ، وأعيد إسكان بعض المواطنين ، في دور اقتصادية .. بأثمنة رمزية وإعانات من الدولة .. حتى تقاضات سبع ايام د الباكور .. وما إن بدأ المواطنون يتناسون فاجعة باب بردعيين ، حتى وجد أغلبهم نفسه ، قابعا في نفس المنازل الآيلة للسقوط وأن الانهيار يتهدد منزله في أي وقت وحين .. كما حدث بروامزين ، والنجارين ، وتيزيمي وهنا وجد المواطن نفسه تحت رحمة الأيادي التي تنتقي من المستفيدين من ... ؟ في مقارنة بين ما تم التعامل به مع السكان المنكوبين بعمارات بوركون الثلاث، وسكان عمارة بيرنار بمكناس .. أقول : هل كان ضروريا، أن يكون من بين الضحايا، شهداء وموتى، لتتم إعادة إسكان الأسر المنهارة منازلها ؟ هذا ما أعتقده بالنظر لما أوحى لي به التعامل، الذي عومل به سكان عمارة بيرنار ، من مصادرة حقهم ، حتى في قول الله،** اللهم إن هذا لمنكر لأن ما وقع، وقع بفعل فاعل ؟ وبالنظر أيضا لما تم من ضرب لوحدة السكان .. وتكسير مفعول أي احتجاج .. ليظل السكان ، ومن يوم انهيار العمارة قبل حوالي ثمانية أشهر.. بدون سكن ، وعالة على الغير محرومين من العودة الى منازلهم ، بدعوى أنها آيلة للسقوط ؟ رغم انصرام الآجال التي حددها المسؤولون في ستة أشهر.. كآخر موعد لإصلاح العمارة وإعادة أهلها الى شققهم ؟!. وختاما أقول، بأن ما قام به المسؤولون، من إسراع بإعادة إسكان الأسر المكلومة، داخل شقق مفروشة مما خفف من هول الصدمة نسبيا هو التعامل الأمثل في حال وقوع كارثة من الكوارث يليها في الحين فتح تحقيق جدي لتحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات .. لأننا إزاء معاملة دولة لمواطنيها .. أينما كانوا ، وكيفما كانوا .