رغم انتشارها في الأقاليم الشمالية على مدى العقود الماضية، ظلت زراعة القنب الهندي ممنوعة منذ اعتماد الظهير الصادر سنة 1954 القاضي بمنع قنب الكيف، والذي حظر زراعة واستخدام القنب الهندي في جميع الأنشطة، باستثناء الزراعة في مؤسسات البحث وبترخيص من وزارة الصحة. لكن هذا المنع، لم يتمكن من محاصرة هذه الزراعة، بل إن الانتشار الواسع لزراعة "الكيف" في أقاليم الحسيمة، وشفشاون، ووزان، وتاونات، والعرائش، وتطوان، جعل المغرب يتربع على عرش إنتاج وتصدير القنب الهندي، حسب "التقرير العالمي للمخدرات 2022″، الصادر عن مكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
وإذا كان الفلاح في مناطق زراعة القنب الهندي، يتحمل المشقة والعناء والمتابعات القضائية والأحكام السجنية، فإن استفادته من هذه الزراعة لا تتجاوز 3 في المئة، حسب تأكيد وزارة الداخلية، في حين تجني شبكات التهريب وتجار المخدرات أرباحا كبيرة، فالمداخيل الفلاحية السنوية لزراعة هذه النبتة تبلغ حوالي 325 مليون أورو، في حين يبلغ رقم المعاملات النهائي في أوروبا حوالي 11 مليار أورو. التقنين وبالنظر إلى حجم الأموال المهدورة، بسبب تجريم زراعة القنب الهندي، واستفادة شبكات التهريب، وبالنظر للاستخدامات المشروعة الكثيرة لهذه النبتة، قرر المغرب الشروع في استغلال هذه الأرباح، حيث صدر في الجريدة الرسمية في يوليوز 2021 القانون 13.21 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، والذي حدد الأنشطة المسموح بها، ورافقته ترسانة قانونية مكونة من مرسومين، و7 قرارات وزارية، وثلاث دوريات، وثلاثة قرارات أخرى، لضمان عدم تسرب النبتة للاتجاهات غير المشروعة. وقد حدد القانون ثلاثة أغراض كبرى للمنتجات المستخلصة من القنب الهندي، وتشمل الغرض الطبي، والغرض الصيدلي، والغرض الصناعي. كما نص القانون المذكور علىإحداث الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي، التي يُشترط الحصول على ترخيص منها لبدء أي نشاط مرتبط بالقنب الهندي، والتي من أهم مهامها تتبع مسار القنب الهندي خلال كل المراحل وضمان عدم استعماله بطريقة غير مشروعة، وقد أصدرت خلال سنة 2024، وإلى غاية 23 أبريل الماضي، 2905 تراخيص في مختلف الأنشطة القانونية، مقابل 609 تراخيص سنة 2023. وأفادت الوكالة أنه تم إلى غاية 23 أبريل إنتاج 42 منتوجا للقنب الهندي بشكل قانوني ووضعه للتسجيل لدى مديرية الأدوية والصيدلة التابعة لوزارة الصحة، ويتعلق الأمر ب11 منتوجا تجميليا وللنظافة الجسدية، و31 مكملا غذائيا، وقد تم منح بعض هذه المنتجات شهادات التسجيل وأخرى قيد الدراسة وستستفيد عما قريب من شهادات التسجيل. الاستعمالات المشروعة ورغم المنع الذي كان يطال القنب الهندي، إلا أن السوق المغربية كانت تعج بمستحضرات تجميلية وغذائية مستخرجة من هذه النبتة، مستوردة في الغالب، تباع في الصيدليات والمحلات التجارية وعبر الأنترنيت. وتحتوي نبتة القنب الهندي على عدد كبير من المركبات الكميائية، أهمها؛ رباعي هيدروكانابينول (THC) وهي المادة المخدرة والمركب الوحيد الذي يخضع للمراقبة الدولية، ثم الكانابينول (CBN) والذي له خصائص ذات تأثير نفسي ضعيف يعادل 10 في المئة من خصائص المركب الأول، ثم الكانابيديول (CBD) الذي ليس له أي تأثير عقلي، بل تشير الدراسات إلى أن له خصائص طبية كثيرة،ويعمل كمعدِّل عن طريق الحد من التأثيرات النفسانية لرباعي هيدروكانابينول، ولا يخضع هذا المركب لأية مراقبة. وتشمل الاستعمالات المشرعة للقنب الهندي، الاستعمال الطبي، حيث تستعمل مشتقاته في علاج أمراض مثل "الزهايمر"، وداء التهاب الأمعاء، كما يعتبر فعالا في علاج عدد من أمراض الجهاز العصبي المركزي، والحد من أوجاع الأمراض السرطانية. كما تستعمل المشتقات خاصة "الكانابيديول" في صناعة مستحضرات العناية بالبشرة وغيرها. فضلا عن الاستعمال الصناعي كما هو الحال في الصناعات الغذائية من عصائر وزيوت وحلويات، وفي مواد البناء وصناعة الورق. الشروع في البيع ومع شروع الصيدليات خلال شهر يونيو الجاري في بيع أول المنتجات المستخرجة من القنب الهندي، تطرح العديد من التساؤلات حول طبيعة هذه المنتجات، ومكوناتها، ومدى احتوائها على مواد مخدرة ذات تأثير نفسي أو مضرة بالصحة، إضافة إلى التساؤل حول ما إذا كان البيع يشمل أيضا منتجات ترفيهية. وفي تصريح لموقع "لكم"، أوضح محمد لحبابي رئيس كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب أن المنتوجات التي تم الشروع في بيعها بصيدليات المغرب، تتعلق بمواد تجميل، ومكملات غذائية، وشاي الأعشاب. وأضاف لحبابي أن نسبة المادة المخدرة في هذه المنتجات (رباعي هيدروكانابينول) تقل عن 0,1%، مؤكدا أن الشخص حتى وإن تناول كمية كبيرة منالمكملات الغذائية المستخرجة من القنب الهندي لن يكون لذلك أي تأثير سلبي، كالتخدير أو الإدمان… وأبرز أن الأدوية المستخرجة من القنب الهندي، لم يتم بعد الشروع في بيعها، إذ لم تمنح وزارة الصحة الترخيص لأي دواء بعد. ونفى لحبابي أن تكون الصيدليات قد شرعت أو ستشرع في بيع المنتجات الترفيهية، مشيرا إلى أن المنتجات الترفيهية غير مشمولة بالتقنين، ولن يكون هناك أي منتوج من هذا النوع في السوق، فتحويل القنب الهندي، سيكون عبر استخراج ما هو إيجابي من النبتة وترك ما هو سلبي.