إن الدول العربية وشعوبها تميزت بمرورها بمراحل وتطورات سياسية تراكمت لديها تجارب المقاومة ، مقاومة المستعمر بمختلف أشكاله، ومقومة الأوبئة والجوع والكوارث الطبيعية ،وما يميزها أكثر أنها تطورات ترتفع منحنياتها البيانية نحو أكبر قمة/ن الصمود إلا أنها فيما يجري اليوم في غزة كان قمة في السكون والخنوع رسميا بالدرجة الأولى وتأتي ثانيا على المستوى الشعبي ، وإن كان القمع مصير كل تحرك شعبي أو احتجاج أو غضب كيفما كان التعبير عنه ،لذا صار الصمت العربي الرسمي مؤسسا منذ أمد طويل على طغيان نزعة البقاء على الكرسي بالنسبة لجل الأنظمة السياسية القائمة، لأنها وقعت على صكوك الخضوع مقابل الحماية التي تقدمها الدول الغربية وامريكا ، الدول الراعية للأنظمة من شعوبها لما تثور عليها، وظلت تلك العلاقة تتوطد وتزيد الى أن وصلت أوجها حيث قام بين العدو الإسرائيلي المحتل لأرض فلسطين والجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية. صمت زادته السنون تراجعا للوعي السياسي لدى لجماهير العربية بفعل سياسات التجهيل والقمع وتكميم الأفواه والتضييق على الصحافة الحرة التي خطها التحريري يوقظ الهمم ويحرك مشاعر واحاسيس المطالبة بالحرية، وكل ما من شأنه أن يزيد في تعميق وشائج الانتماء للوطن العربي ولكل أماكن التي يستبد فيها الإنسان والأقليات، وحيث يكون الاختلاف مصدر التمييز وإصدار الأحكام المسبقة على تلك الأسس التي لا مصداقية لها موضوعيا وعلميا وأخلاقيا . . . إن هذا الصمت قد غطى أرجاء الوطن العربي، لذا لم نر أية بندقية يحرك زنادها ، ولم نسمع مدافع تطلق طلقة واحدة في اتجاه العدو الا أيام رمضان والأعياد. طبعا لا يشمل هذا الحديث رجال المقاومة في جنوبلبنان والعراق وسوريا واليمن الحوثية ، وطبعا الصامدون بغزة العزة ، بل الإشارة هنا للأنظمة العربية الرسمية التي لها من القدرات المادية والعسكرية التي من شأنها أن تغير مجرى العدوان على فلسطين بوسائل مدججة من السلاح وعتاد مقدم بسخاء من معظم الدول الأوروبية وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية ، والحال أن الأمر كله يختزل في أن الشعب الفلسطيني يريد التحرر من الاحتلال الذي استمر لأكثر من 70 سنة ، صراع غير متكافئ بين فصائل مقاومة تريد التحرر وإقامة دولة مستقلة على أرضها التي نهبت بشكل علني أمام العالم من قبل الاحتلال الصهيوني ، هذا الكيان الذي خلق من شتات أفراد وجماعات يهودية ونخب عانقت أفكار ومبادئ عنصرية لأنها عاشت الاضطهاد في كل اروبا شرقا وغربا وجمعت على عجل دون روابط فعلية سوى "دين " تدخلت فيه يد التزوير "عرق " أثبت التاريخ البشري أنه لن يقاوم لقيام دولة على أساسه ، وليت الأمر توقف عنج هذا بل إن الصهاينة غيروا كل ما في الدين اليهودي من أسس أخلاقية وبنيت على أساسه ما سمي بالكيان الصهيوني اليهودي، الذي يعتبر كل البشرية مصيرها أن تصبح من العبيد لديهم . وهكذا ولدت دولة إسرائيل ""ولدت بكل المقومات والبنيات متكاملة من لدن غرب اوروبي وامريكا الشمالية لتكون كلب الحراسة لمنع كل تغيير في الشرق الأوسط الذي جعلت منه الدول الغربية مصدر طاقتها وكل احتياجاتها لتستمر قوتها الاقتصادية والعسكرية قائمة، أجل أن هذه الدولة بالأساس قامت تكون أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط هدفها ردع كل تطور سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي في المنطقة . . لذا فالكيان الإسرائيلي فهو لكي يستمر في مواجهة المقاومة وصد كل مطالب بالتحرر، فقد أخذ على نفسه العيش في يقظة دائمة ، لذا كل السكان فلسطينالمحتلة من اليهود المستوردين من كل البقاع وجدوا انفسهم مرغمين على أن يلبسوا خوذة عسكرية ويحملوا بندقية لأنهم يعلمون أنهم محتلون وأن الأرض التي سكنوها انتزعوها بالقوة من شعب أصيل كان هناك ألا وهو شعب فلسطين، واليوم ومنذ 1948 تكون "شعب يهودي" الذي لم يكن شعبا قبل الاحتلال لفلسطين بالمفهوم القانوني للشعب ،بل جماعات وأفراد منتشرة في بقاع العالم ، فأقام الدولة على أساس ديني وعرقي كله ينتمي للعسكر ولا يستطيع العيش بأمان لأنه محتل ، وما يزيد في رعبه هو ما يفعله من تقتيل واغتيال دون تمييز بين الأطفال والنساء والمدنيين ، شعب وجد الدعم المادي واللوجستيكي من لدن اروبا الغربية وامريكا الشمالية لأنها هي أيضا نشأت على النزعة الاستعمارية وهي أيضا لها تاريخ دموي وانها أبادت شعوبا بأكملها في مناطق عدة من العالم ، وما التاريخ الاستعماري للدول الأوروبية الغربية وأمريكا الشمالية لشعوب العالم في آسيا وافريقيا والشرق الأوسط إلا صفحات من الإبادة والتنكيل والاستغلال لسكان تلك القارات التي عوملت بعقلية عنصرية مقيتة وتمييز عنصري مشين .طبعا كل ذلك يتم في مرأى ومسمع المجتمع الدولي وكل منظماته التي حولتها الدول الغربية لملحقاتها التي تعيد انتاج نفس المواقف الغربية لصالح هذا الكيان والدفاع عنه بكل الوسائل وعلى جميع الجبهات . . ومما زاد في وطيد هذه المواقف الغربية والأمريكية هو وجود أنظمة محيطة بفلسطين قابلة للخضوع لأنها ليست لها بنيات فعلية وقواعد منسجمة لتصير مؤسسات وكيانات لها أسسها ، ولذا جاء هذا والذي الصمت العربي يعني فيما يعنيه أن جل الأنظمة العربية تدعم حرب الإبادة على غزة عمليا وإن لم تقدم السلاح للعدو، فأمريكا لم تقصر في هذا الدعم حيث فتحت أبواب مخازنها لسكان "الولاية 51" الأمريكية ذاك الدركي الذي يحرس أغلب أنظمة منطقة الشرق الأوسط، ، كما سبقت الإشارة ، مقابل الثروات الطاقية والمعدنية وصفقات السلاح التي تبرم مع الغرب الأوروبي وامريكا ،والتي لا تستعمل إلا لمواجهة شعوب المنطقة – أن هي انتفضت أو ثارت ضدها – ، كما أن الصمت العربي يعني أيضا أن تلك الأنظمة غير مبالية بما يجري من قتل للأطفال والنساء وإبادة جماعية وتهجير لسكان غزة ، فلا مصر حركت جيوشها ولا الأردن فعلتها ، ولا لوحتا بفسخ اتفاقية "كامب دايفيد "واتفاقية "واد العربة" ،ولا أحد حرك سبابته ليقول اللهم أن هذا منكر بكل اللغات وفي كل الديانات و حتى في القوانين الدولية والقوانين الإنسانية ، لا أحد من مسؤولي الوطن العربي يتجرأ على رفع صوته أمام "القوة القاهرة "والتي وحدها المقاومة الفلسطينية أزاحت عن هذا العدو تلك الهالة المصنوعة في هوليوود، والتي ظلت لأكثر من سبعين سنة كفزاعة للأنظمة التي استسلمت خلال حرب ستة أيام سنة 1967، وحدها المقاومة رغم الأسلحة المصنوعة محليا بوسائل تكاد تكون بدائية مقابل ما تمتلكه إسرائيل من ترسانة متطورة وتكنولوجيا عالية ناهيك عن الجسور الجوية التي تقدمها الولاياتالمتحدةالأمريكية بسخاء قل نظيره ، بل إن أمريكا أصبحت عمليا شريكا مباشرا في حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني ، وتلك هي مرحلة أولى فقط، فالمراحل التالية في هذه الحرب ستكون موقعها منطقة الشرق الأوسط بكاملها يوم تستفيق الشعوب وتستعيد سيادتها على موارد الطاقة وخيرات البلاد ،إذاك سنرى القوى الغربية كلها في حرب شاملة على الشرق الأوسط وشعوبها ، ولا يمكن التنبؤ عن مآل تلك الحرب وكيف ستنتهي . إن لازمة الصمت العربي قابلها القصف الصهيوني والتدمير الشامل لقطاع غزة والإقدام على إبادة جماعية لسكانها (حوالي 1.4 مليون) ، كما أن هذا الموقف الذي لا يمكن وصفه إلا بالجبان وغياب الأنفة العربية مهما كانت الأسباب والمبررات والخطط الاستراتيجية، مثل التحجج بالتأني لتفادي الكارثة العامة على المنطقة كلها ، بالنظر للتحالف الاستراتيجي بين الغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية مع حليفتها المدللة إسرائيل ، لو تحركت تلك الأنظمة التي ركنت للصمت القاتل ،ومعلوم مسبقا أنها لن تتحرك بحكم التمسك بالكراسي وامتيازاتها المادية والمعنوية وتطبعها العيش في البذخ وو .. الذل الذي شكل شخصية كيانات بعضهم المتلهفة على البقاء مهما كانت الظروف وما يحيط بها من هوان وإذلال لشخص الإنسان وكرامته لدرجة تولد لديهم اليقين ان الحياة لا توجد خارج ذاك الإطار الذي وجدوا فيه . وحدها المقاومة في غزة واليمن والعراق ولبنان عبرت بالسلاح عن رفضها إبادة الشعب الفلسطيني بل في الواقع أنها دافعت عنا كلنا بمن فيهم الصامتون. إن المواقف العربية الرسمية كانت بعضها محتشمة لحد كبير نقرأ فيها التخلي عن المقاومة في أحلك الظروف والبعض الأخر كان كمن يعبر عن مواقف تعطي الضوء ألأخضر للعدو لمواصلة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني من طول الصمت الذي طغى على كل واجهات الإعلام الرسمي لبعض الأنظمة التي هي عضوة في الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامية والاتحاد الإفريقي. وهذا كثيرا وغير مقبول كل ما نشاهده بحرقة على شاشات التلفزيونات التي لها مصداقية إعلامية، طبعا، ليست من إعلام غربي أوروبي وأمريكي الذي تعود على تلهيتنا كما لو كنا نرضع أصبعنا ب "حقوق أنسان وقوانين دولية "غير موجودة سوى في كراسات مواثيق أممية خطت بإتقان بأيادي "مختصين في القانون الدولي " وضعوا لها حيثيات وقت تطبيقها ومن يكون موضوع تطبيقها ومكانه على هذه البسيطة ولا نجدها لها وجود في الواقع. لإن تلك المواقف العربية تعبر عن تفكك كل المبادئ التي تتحدث عن الأمة العربية والإسلامية والوطن العربي والمنظمات العربية والإسلامية والجهوية التي أنشئت بإيعاز من الغرب ذاته ، ولا داعي للحديث عن الأممالمتحدة ولا عن محكمة العدل الدولية وغيرها . إن الصراع العربي الذي دام 75 سنة لم يعد كذلك بل تقلص هذا الصراع بحكم التنازلات التي منحتها بعض الأنظمة العربية وقبلت ضم إسرائيل بكل ما تحمله هذه الدولة المصنوعة في تفاصيلها من قبل الإنجليز واتباعهم في التكوين الفكري والاستعماري والتواق للمجالات الشاسعة لاحتواء الثروات الباطية والسطحية للأراضي التي يستولون عليها بالقوة، والتاريخ الاستعماري للدول الأوروبية وامريكا الشمالية مليء بهذه الغزوات التي حسمت بالإبادة الجماعية للشعوب في أمريكا وافريقيا وأسيا ، والدور الأن جاء على شعوب الشرق لأوسط . فالتحول السياسي الذي استطاعت الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تقوم به من خلال التأثير على نخب الأنظمة العربية التي تشبعت بالفكر الأمريكي الذي هو بدوره متشبع بالفكر الصهيوني ويعمل تحت إمرة الرأسمال اليهودي لكبريات الهولدينغ والشركات ذات الرأسمال الذي يفوق كثيرا من الدول العربية، فأصبح التواصل بين الأجهزة الرسمية العربية مسألة عادية ، بل جاء التطبع ليضع حدا فاصلا بين مرحلة وأخرى ، مرحلة القطيعة التامة بين الدول العربية والكيان الصهيوني ، الى مرحلة ربط العلاقات الثنائية مع إسرائيل وتبادل السفراء والوفود الاقتصادية الثقافية والعسكرية ،وهكذا ولى زمن اللاءات الثلاثة التي كان مؤتمر الخرطون شاهدا عليها ، وهي لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض ، لكن تلك الثوابت التي كانت قائمة منذ 1967 اثر النكسة لم يعد لها وجود ،وبالتالي تبين صدقية من كان يقول أن القضية الفلسطينية كانت عبارة عن مركبة تركبها الأنظمة العربية لتستمر في الحكم نظرا لأنها تعرف مدى ارتباط الشعوب العربية والإسلامية بالقضية الفلسطينية وايمانها بعدالتها وضرورة إقامة الدولة الفلسطينية لشعب اغتصبت أرضه واضطهد ، بل تعرض لعدة مجازر ومذابح لألاف من الأطفال والنساء والمدنيين وتهجيرهم من ديارهم ونزع أملاكم واراضيهم . فلم تنفع لا الجامعة العربية ولا الأممالمتحدة ولا أي جهة من رفع الظلم الذي استمر طويلا، ووضع حد لأبشع استعمار في هذا العصر ولربما في كل العصور، والمفارقة أنه لما تقوم المقاومة بالعمل المشروع الذي تنص عليه مواثيق الأممالمتحدة وكل العهود التي تحث على الحق في الوجود وفي محاربة الاستعمار، تقوم الألة الصهيونية بطمس الحقائق وتغيير المفاهيم فيصبح فعل المقاومة فعلا إرهابيا ويصبح التقتيل، تقتيل الفلسطينيين من قبل الآلة الهمجية الصهيونية دفاعا عن النفس. هل ستظل الآلة الحربية الهمجية تحصد أرواح الأبرياء من الفلسطينيين لأنهم أرادوا قيام دولة مستقلة لهم؟ وستظل الدول العربية تتفرج على أكبر إبادة جماعية للبشر بإمرة مباشرة من قبل القوى العظمى: أوروبا الغربية والولاياتالمتحدةالأمريكية؟ الا تكون تلك الهجمة مجرد مناورة سياسية وعسكرية ونفسية لمعرفة مدى استعداد الأنظمة العربية المحيطة بفلسطين على رد فعل مقاوم، لتجهز على ما تبقى لها من شبه سيادة وتمحو أثر كل الحدود بين دويلات صنعتها مسطرة المستعمر عبر التاريخ الاستعماري الكولونيالي، واتفاقية "ايكس ليبان" لنشهد ميلاد "إسرائيل الكبرى" وضم كل الأراضي العربية تحت هذا الاسم ، وترك فقط منطقة مكة لعبادة المسلمين تحت سيادة تشبه البابوية المسيحية بإيطاليا ، طبعا لن نستبعد كل السناريوهات في منطقة تجمع أنظمة سياسة قطعت على نفسها أن تتقوقع ضمن رقعة سياسية هلامية لا شكل لها، تتلقى كل الضربات والممارسات المشينة ولا رد فعل لها سوى الصمت القاتل للضمير والإرادات والمكبل لكل تواق للحريات والتحرر، لذا لا غرابة إن رأينا أن الصمت العربي يواجه بالقصف الإسرائيلي .