مهنية الصحة يعبرون عن قلقهم من مشروع قانون المالية 2025 ويدعون للحفاظ على حقوقهم المكتسبة        مسلسل تغيير المدربين بالبطولة الوطنية ينطلق مبكرا    توقيف ممرضة متقاعدة بتهمة الإجهاض غير القانوني والتزوير والاتجار بالبشر    حزب الاستقلال بكتامة يجمّد عضوية أمين مكتب الفرع بسبب تجاوزات تنظيمية    تقرير أممي يكشف استمرار التحديات المرتبطة بالفقر في المغرب        نقابيو "سامير" يعتصمون أمام الشركة للمطالبة بإنقاذها من التلاشي وباسترجاع حقوق العمال والمتقاعدين        المغرب يرفع ميزانية دفاعه إلى 133 مليار درهم في 2025 لتعزيز القدرات العسكرية ودعم الصناعة الدفاعية    هيئة سعودية تحقق في الإساءة للمقاومة    87 قتيلا في مجزرة بيت لاهيا شمال غزة    تقسيم الصحراء المغربية ليس حلا للنزاع بل تصعيدا للعسكرة؟ بقلم // عبده حقي    "إنتر ميامي" يشارك في مونديال الأندية    انطلاق النسخة الأولى من المسابقة الوطنية والدولية للصيد السياحي الرياضي    إنتر ميامي بقيادة ميسي يلتحق بركب المتأهلين إلى كأس العالم للأندية بنظامه الجديد    تأكيد دور مجلس الأمن في السلم الدولي    الأمن المغربي يعتقل فرنسياً من أصول جزائرية مبحوثاً عنه دولياً    مكتسبات مهمة يعمل عليها مشروع قانون المالية لسنة 2025    موسم أصيلة: توقيع إصدار الكاتب الصحافي محمد برادة "شغف وإرادة.. رهان في الإعلام والثقافة والسياسة"    الجهوية الموحدة للاستثمار لجهة طنجة تصادق على 618 مشروعا باستثمار يتجاوز 69 مليار درهم    معهد الموسيقى بتمارة يفتتح موسمه الدراسي الحالي باستضافة موسيقيين روس    تنظيم الدورة الثانية للمهرجان الوطني البريجة للمونودراما بالجديدة    تحقيق: المسيرة التي أطلقت تجاه منزل نتنياهو يصعب رصدها واعتراضها    حادث تقني لطائرة من طراز بوينغ دون إصابات    انطلاق دورة التفتح العلمي بإعداديات الريادة بتطوان    النيابة العامة تُتابَع "باعزية" في حالة سراح    ولادة شبل أسد الأطلس بحديقة الرباط    حماة المستهلك يطالبون الحكومة بالإسراع في تنفيذ قرار استيراد اللحوم لحل الأزمة    ميسي يقود إنتر ميامي في كأس العالم للأندية 2025 بأمريكا        النظام الجزائري تحت شبهات اختطاف معارض بارز في ظروف غامضة    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    وكالة حوض أم الربيع تحذر معاصر الزيتون من تلويث مياه الوادي تحت طائلة العقوبات    اختفاء غامض للصحفي والمعارض الجزائري هشام عبود.. وأصابع الاتهام توجه لمخابرات نظام العسكر    بسبب تدوينة.. عشر سنوات سجنا لمعارض بتونس    إسرائيل تقصف عشرات البلدات في لبنان    ارتفاع فرص فوز ترامب على هاريس.. ما تأثير ذلك على صناديق الاقتراع؟    جبور تهتم بالتوحد في "أنين صامت"    اختتام دورة مهرجان شفشاون للضحك    "قصة وفاء".. فيلم سينمائي يحكي مآسي مغاربة محتجزين بمخيمات تندوف    مالية 2025... وزيرة الاقتصاد تؤكد مواصلة الإصلاحات الهيكلية ورفع مخصصات الجماعات الترابية    البطولة: الوداد البيضاوي يعتلي الصدارة عقب انتصاره على شباب المحمدية    غنام أفضل لاعب في مواجهة تنزانيا    الحكومة تتوقع تحقيق نسبة نمو تعادل 4.6% خلال 2025 ومحصول زراعي في حدود 70 مليون قنطار    عمدة طنجة يُعلن إطلاق إسم نور الدين الصايل على أحد شوارع المدينة    افتتاح الدورة ال 24 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة    تكريم ديفا الأطلس حادة أوعكي يُزين حفل افتتاح مهرجان "أجدير إيزوران" بخنيفرة    المغرب يسجل حالة وفاة ب"كوفيد- 19"        علماء يطورون تقنية جديدة لتجنب الجلطات الدموية وتصلب الشرايين    تسجيل أزيد من 42 ألف إصابة بجدري القردة بإفريقيا منذ مطلع 2024    دراسة تظهر وجود علاقة بين فصيلة الدم وزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد أسدرم تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علاء الدين بنهادي يكتب: جماعة "العدل والإحسان" من "الطوفان" إلى "الزحف" السياسي
نشر في لكم يوم 13 - 03 - 2024


"لا توقف عدوك عندما يرتكب أخطاء"، نابليون بونابارت
مقدمة منهجية للمقالة: اعتدنا في تقديم المقالات والأوراق البحثية حول موضوع أو مسألة ما أن نترك الخلاصات للنهاية، لكن تكرار التجربة، وسياق المرحلة التي تعيشها البشرية اليوم ويواجهها المغرب ضمن هذا السياق التاريخي الإقليمي والدولي المتسم بصراع وجودي بين قوى عظمى تقليدية آيلة للأفول والضعف والتفكك والتراجع على مستوى القوة والثروة والنفوذ الجيوسياسي، أمريكا وأوروبا، وقوى عظمى صاعدة تثبت من أزمة لأخرى ومن حرب لأخرى بأنها مصممة على النصر والتحول للعهد الإمبراطوري مكان هذه القوى التقليدية، وتدور حول كلاهما قوى إقليمية لها هي كذلك طموحات وأطماع وتعمل لتضمن لنفسها مركزا متقدما ومحوريا في النظم العالمي القادم أو تبحث عن وكيل جديد، وأمام هذه الأحداث المفصلية والمؤسسة لعالم البشرية في المستقبل المنظور، فإننا نرى بأن الخلاصات التي نقدمها بشأن مبادرة جماعة العدل والإحسان بإعلان "الوثيقة السياسية" يوم السادس من فبراير 2024أمام حضور متنوع، كان من بينهم شخصية قريبة من السلطة، حسب مصدر مطلع، مفادها أن الجماعة تحركت في ظرفية زمنية سياسية بطروحاتها انتهت مع الربيع العربي عام 2011، واستنفذتزمانها،ونقصد بذلك ما يسمى ب "حركات الإسلام السياسي"، ثم كانت نهايتها الأخيرة يوم السابع من أكتوبر 2023 مع "طوفان الأقصى"، مبادرة لا تواكب بعمق وبعد نظر ما يجري في العالم من متغيرات سريعة وعميقة للتوجه نحو أسلوب عمل يناسب الظرفية الجيوسياسية، محليا ودوليا، ولا تستخلص العبر مما وقع خلال ثلاثة عقود الماضية في الساحة السياسية المغربية، مبادرة لن تغير شيئا في بنية النظام السياسي أو تعدل في ميزان القوى كما تدعي الجماعة في وثيقتها السياسية وعلى لسان بعض قادتها.
لقد ولدت المبادرة خارج رحم المجتمع، رحم المعاناة والتضحية والانحياز الميداني لقضايا الشعب في محطات اجتماعية ملتهبة دفع أبناء الشعب وحدهم الثمن وحده أمام السلطوية خلال سنوات الرصاص وبعدها، وجاءت جوابا على ضغوط تنظيمية داخلية وخلافات فكرية وبراغماتية بين أبناء الجماعة من مختلف الأجيال، وتجاوبا مع ابتزاز يسار علماني فاقد لأي قوة اجتماعية ووجود مؤسسي، واستجابة لمناورة سلطة تتظاهر بعدم المبالاة بالجماعةمنذ عقود، على الأقل ظاهريا، وتضيق عليها بشكل ممنهج دون الاصطدام معها،سلطة تمر هي الأخرى بأزمات في نخبها الحزبية والسياسية ومركز سلطتها وطبقتها وبنيتها وشرعيتها الواقعية وصورتها أمام جماهير غاضبة وناقمة تتحين الفرصة التاريخية للانفجار، ولأن الجماعة لا تريد أن تظهر بأنها طالبة وليست مطلوبة، كما كانت تراهن على ذلك منذ عقود حتى بلغت "سن العنوسة" الفكرية بعد وفاة مرشدها، فقد وجدت ضالتها في هذه المناورة، "الوثيقة السياسية"، لتمرر أو تبرر من خلالها تنازلات حول مسائل ومواقف كانت، قبل وفاة المرشد المؤسس، تعتبر حصن الجماعة المنيع وصمام أمانها أمام محاولات السلطة والتيارات الإيديولوجية لاختراق جدار الجماعة التنظيمي والفكري، تيارات حاورها المرشد عبر الكتابة وليس في الميدان وصناديق الاقتراع والمواجهة إلا فيما كان في ساحات الجامعة والمسيرات.
علل بعض قادة الجماعة التأخر في إعلان هذه "الوثيقة" ب "طوفان الأقصى" وجرائم الكيان الصهيوني في حق أهلنا في غزة/فلسطين وبأسباب أخرى سنأتي على تفصيلها لاحقا، وهذه قراءة غير موفقة وتوظيف غير مناسب بين حدثين، الأول، "وثيقة سياسية"، لن تحرك بنية واحدة في ثوابت الحكم ولن تغير رقعة صغيرة في خريطة الصراع السياسي بالمغرب ولا بميزان القوة، كما زعم بعض قادة الجماعة، والثاني، "طوفان الأقصى"، الذي حرك أساطيل وبوارج حربية ودول العالم في الغرب والشرق، ومؤسسات حقوقية وفكرية وعلمية دولية، وأربك جميع الخطط والحسابات الصهيوصليبية والعربية المهزومة، وحول الاهتمام الدولي ب (180) درجة من استراتيجية الهجوم للقضاء النهائي على القضية الفلسطينية والمرور لمرحلة التوسع الاستعماري الغربي الصهيوني في عمق العديد من البلاد العربية، إلى استراتيجية الدفاع عن بقاء ومستقبل الكيان الصهيوني والمصالح الحيوية للغرب في المشرق العربي، ثروات وأنظمة حليفة.
إن التعليل الذي قدمته الجماعة بشأن العلاقة بين تأخير إعلان "الوثيقة السياسية" و"طوفان الأقصى" وأحداث غزة المجاهدة، فيه تجني كبير وقفز غير محسوب على حقائق الواقع السياسي المحلي والجيوسياسي الإقليمي والدولي، ومحاولة للعب دور لا تتوفر فيه الجماعة على شروط هذا الدور على الصعيد الوطني، فضلا عن مقارنة مبادرتها بعظمة وقوة "طوفان الأقصى" الذي تقوده حركة حماس وجناحها العسكري وفصائل فلسطينية مجاهدة أخرى، وإذا قبل اليسار العلماني بهذا الدور وركب سفينة الجماعة إحقاقا لحسابات نفعية صرفة، مادام أنه حصل على ما يريد فيما يتعلق بالتنازلات الأساسية التي قدمتها الجماعة، والتي كانت لسنوات محل خلاف ومناظرة بينها وبين هذا اليسار العلماني الضعيف، فإن هذا لن يأتي بجديد وسيكون مجرد مبرر لتحقيق مصالح نفعية ضيقة وقصيرة المدى.
لماذا الوثيقة الآن؟ السياق والمبررات:
لماذا الآن، سؤال تطرق إليه بعض قادة الجماعة خلال الندوة الصحفية لتقديم "الوثيقة السياسية" ومضامينها و"جديدها" للرأي العام المغربي ولباقي الفرقاء والفاعلين في المشهد السياسي وللسلطة خاصة، والمفارقة هو أنهم صرحوا بأن مبرر تأخير إعلان هذه الوثيقة ثلاث أسباب متتالية حالت دون ذلك، الأول غياب الشروط السياسية والدستورية الضامنة لأي عمل سياسي مؤسسي "ديمقراطي" وهيمنة السلطة على مفاصل "اللعبة" السياسية، والثاني زلزال الحوز الذي رافقته حالة اجتماعية شغلت الناس والسلطة بهذه المصيبة البيئية، والثالث طوفان الأقصى والهمجية الصهيونية في حق أهل غزة، وفلسطين عموما.
فماذا تغير اليوم لإعلان "الوثيقة السياسية"؟ لا شيء مما ذكر من مبررات على لسان قادة الجماعة، ونزعم بأن المبرر الحقيقي لتوقيت إعلان "الوثيقة السياسية" ينطلق، من جهة، من قراءة الجماعة للحظة السياسية والتاريخية التي يمر بها المغرب، شعبا وحكما وحكومة، ومن جهة أخرى، من الحالة الداخلية للجماعة، خاصة منذ وفاة مؤسسها قبل أكثر من عقد، وما ظهر من انتقادات داخل وخارج الجماعة لكفية تدبير عمل الجماعة من قبل القيادة الجديدة، خاصة شأنها السياسي، من قبل الدائرة السياسية وأمانتها العامة، وأيضا ما يتعلق بإرث المرشد الفكري والتربوي، خاصة حادثة "لقاء الكتبة" الذي بقي سرا لسنوات، ومسألة قيادة الجماعة بعد وفاة مرشدها وما رافقه من حديث حول "الانحراف" عن المنهاج وثوابته في فكر المرشد واستبداله بنسخة جديدة بترت منها ما شكل حرجا للقيادة الجديدة، الجناح السياسي، في حواراتها ومناظراتها مع بعض الشخصيات اليسارية من أجل تشكيل جبهة وطنية قبل الدخول في اللعبة الانتخابية والرهان على تعديل ما أسمته بميزان القوة لصالح التغيير الذي يراودها ونظرت له في "الوثيقة السياسية".
إن دراسة وتحليل ما جاء في "الوثيقة السياسية" للجماعة يوم الإعلان عنها وفي الخرجات الإعلامية لبعض قادتها بعد الإعلان، يؤكد حقيقة واحدة، هو أن الدائرة السياسية هي المصدر الحقيقي لهذه الوثيقة وصاحبتها بالرغم من القول بأن جميع مؤسسات الجماعة ساهمت في صياغتها ومناقشتها، تركت بعض القضايا، ربما عمدا حتى لا تقيد نفسها في رأي أو عرض يحسب عليها، خاصة الجوانب السياسية وما يتعلق بمسألة الحكم والعلاقة والتعامل مع السلطة الحاكمة، تركتها غير مفصلة لتستدركها فيما بعد وتقدم بشأنها بعض التوضيحات والتعديلات حسب الظرف والتفاعل مع المنابر الإعلامية ومخاطبيها، سواء من اليسار أو من السلطة.
ولأن قضية الحكم وما يلفها من إشكالات فقهية وفكرية واجتهادية، منذ وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما تلاها من خلاف وصراع حول الحكم بين الأنصار والمهاجرين، وبعد ذلك، في ظل الأنظمة السياسية الجبرية اليوم التي يضيق صدرها لأي اختلاف فضلا عن المنافسة أو العزل، تبقى مقاربتها لدى جل الحركات الإسلامية مقيدة بمبالغة شديدة من المحاذير والتأويل التعسفي للنصوص. ولهذا جاءت استدراكات وإضافات بعض قادة الجماعة بعد الإعلان عن الوثيقة لتسد بعض الفراغات السياسية والمفاهيمية والعبارات الأدبية التي حاولت الوثيقة أن تتناول بها واحدة من المسائل الفقهية والشرعية الأكثر تعقيدا وحساسية في التاريخ السياسي الإسلامي، وهي طبيعة نظام الحكم في الإسلام والسياسة الشرعية بين الراعي والرعية والموقف الشرعي، وليس السياسي، من النظام الحاكم.
لماذا "الوثيقة" ولماذا "السياسية"؟ المصطلح والدلالة:
إن اختيار مصطلح "وثيقة" ليس بريئا من حيث الدلالة والمرجعية الإسلامية والوطنية، فهو يوحي ل "وثيقة المدينة" أو "صحيفة المدينة" التي حدد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم معالم الدولة/المدينة التي سيؤسسها وعلاقات مواطنيها من المسلمين واليهود وضوابط هذه الدولة الشرعية وهياكلها العسكرية والمدنية والسياسية وتنظيمها الإداري والاقتصادية وعلاقاتها الخارجية، كما أنها تحيل لوثيقة "عريضة الاستقلال" التي قدمت للسلطان محمد الخامس وللإدارة الاستعمارية الفرنسية عام 1944، والتي تناولت مستقبل المغرب شعبا ونظام حكم وقضية الاستقلال.
ترمي الجماعة من وراء وثيقتها السياسية، في غياب تام لأي قوة سياسية حزبية وحركية تواجه أو تنافس الأحزاب الممثلة للسلطة وتهيمن على مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية والمؤسسات الترابية بشكل غير مسبوق، وفي حالة من التأزم والمراوحة التي تتخبط فيها السلطة التي اعتقدت بأن إغلاق "القوس الإسلامي" في انتخابات الثامن سبتمبر 2021، وهندسة المشهد السياسي والحزبي على مقاصها سيحقق لها السلم الاجتماعي والأمان لفترة طويلة وتأمين الانتقالات القادمة بسلامة، خاصة انتقال السطلة، ترمي الجماعة طرح نفسها "منقذا" من حالة الانسداد العام، وربما "قائدة" للمرحلة القادمة.
لم تنتبه الجماعة بأن التنازلات التي قدمتها في وثيقتها لجميع الأطراف، خاصة السلطة واليسار العلماني، وهي نفس التنازلات التي قدمها حزب العدالة والتنمية عند الاندماج في حزب الخطيب ودخول اللعبة السياسية والانتخابية بدون الحد الأدنى من الضمانات والتوازن في ميزان القوة مع الحكم، ستنتهي بها إلى نفس حالة العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بالرغم من حملة التسويق التي رافقت وترافق إعلان وطرح الوثيقة "إلى من يهمه الأمر". لا أظن بأن الوثيقة موجهة للشعب المغربي حتى ولو جاء ذلك على لسان قادتها في الدائرة السياسية، حيث لم تطرح آلية معرفة رأي الشعب المغربي بشأنها، ويبقى هذا الإعلان مجرد دعاية تسويقية للوثيقة، ويبقى المعني الأساس بالوثيقة هو الحكم، ثم اليسار العلماني وبعض الأوساط الليبرالية، لذلك كان لزاما على الجماعة أن تغازل جميع هذه الأطراف ولو على حساب الثوابت والضوابط الشرعية والمرجعية التي دأبت الجماعة الاعتصام بها لعقود.
إن ترادف كلمة "السياسية" و"الوثيقة" هي رغبة لدى الجماعة في التحلل من صفة رافقتها لعقود ووصمها بها "الفضلاء" من اليسار العلماني خلال سنوات حوارهما، وهي أنها جماعة دعوية تربوية طرقية تحث أبناءها على مجاهدة النفس و"ابتغاء الآخرة" وأبعد ما تكون عن حركة إسلامية بمشروع سياسي، هذا من جهة، وأيضا محاولة الجماعة الإجابة، عبر الوثيقة، على سؤال حال الأحزاب البئيس خاصة، وحالة الحكم المرتبك عامة بعد الثامن من سبتمبر الماضي، حيث تربعت "الترويكا" الحليفة للسلطة على "عرش" المشهد السياسي والمؤسسات الحكومية والبرلمانية والترابية وأدخلت البلاد في أزمات عدة، آخرها الماء والتعليم والتطبيع والحريات، وعلى حالة ركود سياسي ودبلوماسي عزل المغرب عن قضايا الأمة والعالم، خاصة ما يجري في غزة بعد "طوفان الأقصى" والجرائم الصهيونية في حق الشعب الفلسطيني، من جهة أخرى.
لقد قامت الجماعة، من خلال عنوان الوثيقة في هذه المرحلة، وهي تخاطب السلطة من خلالها، بنسخ المبادرات السابقة خلال حياة مرشدها ومؤسسها الراحل، عبد السلام ياسين، حيث عنون رسالته الأولى الموجهة للملك الراحل الحسن الثاني، ب "الإسلام أو الطوفان"، وقد تناول فيها مسألة الشرعية الدينية ونظام الحكم ومسألة الدعوة والدولة، والثانية موجهة للملك محمد السادس، "إلى من يهمه الأمر"، طالب فيها بإعادة ثروة الملك الراحل للشعب وتوزيعها بالعدل، وها هي الجماعة تختار في هذه المرحلة، بعد وفاة مرشدها، عنوانا سياسيا لوثيقتها تعرض فيها برنامجها بمقاربة أخلاقية أكثر منها عملية متخصصة، خاصة ما يتعلق بالقطاعات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والمالية، لإبهار من تهمهم الوثيقة، سلطة ويسار ونخب، وليس عموم الشعب كما زعمت الوثيقة وقادة الجماعة، لأن القاعدة الناخبة من الشعب ليس لها القدرة المعرفية لقراءة مثل هذه الوثيقة، عنوان لا يمت بصلة للعناوين السابقة شكلا ومضمونا، يعبر عن عقلية براغماتية وميركانتيلية تمثل تطلعات القيادة الجديدة، والتي لا تخفيها منذ سنوات، واليوم أكثر، كما جاء في التصريحات الصحفية للعديد من قادتها بعد الإعلان عن الوثيقة في السادس من فبراير 2024، رغبتها وقرارها الحصول على حزب سياسي للالتحاق بالركب كرقم من بين أرقام أخرى بالرغم من مزاعم الجماعة بأن دخولها الحزبي في المشهد السياسي سيكون حدثا مغيرا لقواعد اللعبة السياسية بالبلاد ولميزان القوة.
لقد قالها اليسار قبل الجماعة، وكان في أقوى مراحله من الناحية الإيديولوجية والسياق التاريخي وشرعية النضال، غداة الاستقلال، وكان نصف العالم يساريا تحت قيادة الاتحاد السوفييتي، وكانت الملكية تحسب لقادته ألف حساب وتشعر بالخوف والقلق أمامه، فأين هو اليسار اليوم؟ وكانت حركة الشبيبة الإسلامية منذ أواخر ستينيات القرن الماضي إلى منتصف السبعينيات، بالرغم من قصر عمرها والإجهاز عليها مبكرا قبل أن يشتد عودها ويكبر خطرها على نظام الحكم، كانت تشكل قلقا حقيقيا للملكية بمشروعها الفقهي والفكري والسياسي، فأين هي اليوم؟ وكان حزب العدالة والتنمية قد زعم محاربة الفساد والاستبداد وتغيير ميزان القوة من الداخل، فأين هو الحزب اليوم بعدما لحق به من هوان ومذلة؟ فما الذي تملكه الجماعة من أوراق وقدرات تنظيمية وعقيدة إيديولوجية وقوة اقتصادية وسند اجتماعي وإمكانات عملية لتغير ميزان القوة لصالحها وتحدث تحولا في قواعد اللعبة السياسية وإصلاح النصوص القانونية والدستورية ذات الصلة، وتجبر السلطة على ذلك.
الوثيقة تشيع إرث المرشد المؤسس الدعوي للدخول رسميافي اللعبة السياسية:
إن الإحالة إلى بعض مقولات ومؤلفات المرشد المؤسسة في "الوثيقة السياسية" ليس سوى تسويغ للمرحلة التي نوت الجماعة اقتحامها مع "شركائها" اليساريين والعلمانيين وبتوافق مع السلطة، والتماس "البركة" من إرث الراحل عبد السلام ياسين لإضفاء "الشرعية" على "الزحف السياسي" الذي أعلنته "الوثيقة" بعد أن كان زحفا طوفانيا نحو "الخلافة الجبرية".
لقد بدأت القيادة الجديدة للجماعة تهيئ صفوفها الداخلية منذ فترة، خاصة المتمسكة بالتراث الفكري والسلوكي للمرشد الراحل، وأصدرت "نسخة" معدلة لكتاب "المنهاج النبوي" سنة 2022، الذي كان يعتبر، خلال حياة وقيادة المرشد، أصح الكتب بعد القرآن العظيم، وكان مجرد انتقاد بعض كتابات المرشد وممارسته الطرقية داخل الجماعة، قد كلفت بعض القادة المؤسسين عضويتهم في تنظيمها، لكن في الطبعة الخامسة المعدلة لكتاب المرشد، خاصة ما جاء في تقديم أحمد متوكل، رئيس الدائرة السياسية وعضو مجلس الإرشاد، نجد ما يشكل "قطيعة" بين زمن المرشد وزمن "الوثيقة السياسية"، حيث كتب بأنه "لا يمكن لإنسان عاقل، مهما أوتي من مواهب وقدرات، إن خرج بنظرية أو تصور أو منهاج للعمل أن يقول للناس إن عمله ذاك مبرأ من كل عيب، وخال من الهنات، ولا يقبل تعديلا ولا مراجعة". وأضاف بأن "المنهاج النبوي" "كان حاسما في انبعاث دعوة العدل والإحسان"، وبأنه اليوم، وفي قراءة جديدة، يجب "التمييز بين الثابت والمتغير، والمبادئ والاجتهاد في تنزيلها على أرض الواقع المتحرك، وبين الكليات والتفاصيل، والمواقف المظروفة بظروفها، أو المرتبطة بعلة تدور معها وجودا وعدما".
وبما أن السياق الذي ألف فيه المرشد كتابه "المنهاج النبوي" قد تغير، في رأي أحمد متوكل والقيادة الجديدة، فكان لابد أن تغير الجماعة قراءتها للواقع الجديد وللنص "المتقادم"، وهو برأينا نفس الواقع، بل أكثر تراجعا مما كان في حياة المرشد، على أكثر من مستوى، لكن الغريب في الأمر، وهذا من باب الأمانة العلمية والوفاء لمؤسس الجماعة وصاحب كتاب "المنهاج النبوي"، هو أن القيادة الجديد أعادت طباعة المنهاج لتحدث فيه تعديلات عميقة طالت تصور المرشد وقناعته واجتهاده في فهم الواقع والتراث الإسلامي حول الدعوة والدولة والعلاقة بينهما، وهي، بالمناسبة، علاقة ملتبسة من جهة، ومقتبسة، من جهة أخرى، من حالة التحالف بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومؤسس الدولة السعودية الأولى، الأمير محمد بن سعود عام 1744، بحيث كانت الدعوة، بامتيازاتها واختصاصاتها للإمام عبد الوهاب، والدولة بسلطانها وامتيازاتها لآل سعود، وهو ما جاء في رسالة "الإسلام والطوفان" التي وجهها المرشد للملك الراحل الحسن الثاني، الغريب، كما قلت، أنه لا يحق للقيادة الجديدة أن تعدل في مؤلف ليس لها بحكم قانون الملكية الفكرية، وكان عليها أن تؤلف كتابا لها تضع فيه تصورها للعمل السياسي وتعبر فيه عن موقفها من نظام الحكم، ولكن فعلت ذلك لسبب وجيه، وهو توظيف رمزية الإمام، على الأقل من الناحية الشكلية، عبر مؤلفه، مع الحفاظ على اسم الكتاب الأصلي، لكن غيرت فيه وأدخلت فيه ما يخدم المرحلة التي تقبل عليها الجماعة اليوم، لذلك تأخر الإعلان عن "الوثيقة السياسية" حتى تعطي نسخة "المنهاج النبوي" المعدلة مفعولها الفكري والسياسي داخل وخارج تنظيم الجماعة.
وأعتقد بأن هناك سببا آخرا وراء تأخير خروج الوثيقة للعلن، وقد كان قرارا صعبا ومهددا للتماسك التنظيمي، وهو تجاوز موروث المرشد الفكري واجتهاده النظري وميوله الطرقي النسكي، وكان ذلك عبر مراحل هندستها القيادة الجديدة بعد رحيل المرشد المؤسس، كان أولاها قطع الطريق على ترتيبات المرشد لمسألة وطريقة الاستخلاف بعده، وإنهاء التيار النسائي بقيادة نادية ياسين، كريمة المرشد، واستبعاد أو استقطاب من كانوا محسوبين على مدرسة المرشد خارج التنظيم أو داخل هياكل الجماعة، مكتب الإرشاد والدائرة السياسية، ثم تلى ذلك سلسلة من المواقف التي عبرت عنها القيادة الجديدة للجماعة، من بينها إلغاء منصب المرشد وتجنب مواجهة السلطة في أكثر من أزمة واحتجاج اجتماعي، وقرار "طرد" العديد من الأعضاء المعارضين لتوجهات القيادة الجديدة، وهذا نهج دأب عليه حتى المرشد نفسه مع بعض مخالفيه، مما يدل على أن هذا جزء من ثقافة تنظيمية أحادية متحسسة من الاختلاف، وأيضا إعادة طباعة كتاب "المنهاج النبوي" بعد حذف بعض مما جاء في النسخة الأصلية، كما قامت القيادة الجديدة بمغازلة شخصيات يسارية خلال مناظراتهم ومحاورتهم وتنكرت لبعض المفاهيم والمصطلحات والمواقف السياسية التي كانت قد رافقت الجماعة لعقود، خاصة كتابات المرشد، مثل موضوع الخلافة والحوار "الإسلامي/الوطني" والموقف من نظام الحكم الملكي والتوريث وإمارة المؤمنين والديمقراطية كآلية لتداول وتنظيم الحكم، وقضايا أخرى تتعلق بالحريات والحقوق الفردية والعلمانية والمرجعية الإسلامية عقيدة وشرعية.
جاء في ديباجة "الوثيقة" بأنها ليست "برنامجا انتخابيا مباشرا"، فكيف يمكن تفسير عنوانين ومحاور "الوثيقة" والتي غطت، على الأقل شكليا، كل القطاعات وحاولت أن تجيب على كل الأسئلة وتطرح تصور الجماعة حول الملفات القطاعية، الاجتماعية والاقتصادية والتنموية والمصرفية وقطاع الطاقة والحريات والمؤسسات الدستورية وعلاقات المغرب الدولية. لكن، بالرغم من ذلك، ما جاء من محاور حول كل هذه القطاعات لا يغدو أن يكون مجرد ملامسة أدبية لملفات وقضايا معقدة تتطلب خبرات وكفاءات وتجربة ميدانية، فمن أين للجماعة هذا؟ فهل سيرت الجماعة مؤسسات وأدارت هيئات من قبل؟ ثم الملاحظ أيضا هو أنه فيما يتعلق بالقضايا القطاعية المختلفة التي تناولتها "الوثيقة" كانت أكثر مباشرة وجرأة من ناحية التشخيص، إلا أن الشق السياسية المتعلق بالموقف من الملكية كنظام حكم وتصور الجماعة المقترح لإصلاحه كان فضفاضا وإنشائيا، حيث لم تقدم جوابا حاسما وصريحا حول موقفها من الملكية، هل هي جزء من النظام السياسي التي تزعم الجماعة إقامته أو العمل في إطاره، أم تؤمن بأن الحل للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية يكمن في تجاوز الملكية واعتبارها جزء من الأزمات أو سبب هذه الأزمات؟
لقد اتبعت الجماعة تكتيكا في التعامل مع هذه المسألة الحساسة والمحرجة، بحيث إن ما لم تصرح به في "الوثيقة السياسية" بشأن هذا الموضوع، صرفته على لسان بعض قادتها في تصريحات لاحقة لوسائل الإعلام بعد مؤتمر الإعلان عن "الوثيقة"، خاصة ما جاء على لسان أعضاء الأمانة العامة أو الدائرة السياسية ومجلس الإرشاد، أو معا، فتح الله أرسلان وحسن بناجح وعمر إحرشان ورشيد بويبري ومحمد حمداوي وأحمد متوكل ومحمد منار باسك، على أنه يجب أن يكون الحاكم "منتخبا" وممثلا لإرادة الشعب الاختيارية، وفي نفس الوقت يقرون، وقد ورد ذلك أيضا في الوثيقة، بأنهم في الجماعة تجاوزوا "الشكل" بشأن نظام الحكم الذي يدعون إليه، ويقصدون "نظام الخلافة"، ويؤكدون على "مضامين" الحكم، وهي نفس دعوة حزب العدالة والتنمية، التغيير من الداخل، وهذه فرية وجدت فيها الجماعة ضالتها للخروج من مأزق الموقف من الملكية والانتقال من مرحلة الدعوة إلى مرحلة المشاركة السياسية الحزبية.
هناك تعارض صارخ وقعت فيه الجماعة عبر وثيقتها السياسية وفي تصريحات بعض قادتها بعد الإعلان عن الوثيقة فيما يتعلق بنظام الحكم، وأقصد هنا حسن بناجح، عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية، من ناحية يصرحون بأنه لابد أن يأتي الحاكم عن طريق الانتخاب تعبيرا عن إرادة الأمة، وهذا أمر لم يذكره تاريخ الأنظمة الملكية في الشرق والغرب، إلا إذا كانوا يقصدون بأن يصبح الملك رئيسا للدولة ينتخبه الشعب في اقتراع عام مباشرة أو باستفتاء عام، ولا يكون له الحق في التوريث، وهذا موقف سبق وأن عبر عنه قادة الجماعة في مناسبات عدة، وأحزاب اليسار وآخرون، يسود ولا يحكم، وإذا أراد أن يتمتع بسلطات وصلاحيات الرؤساء في النظام الجمهوري، حينها يجب أن يخضع للمساءلة والمحاسبة، وهذا ضرب من ضروب "أحلام اليقظة" في ظل وضع سياسي وموازين قوة محلية ودولية لصالح النظام، وفي غياب عناصر القوة والحسم لدى الجماعة اليوم.
ومن ناحية أخرى، يعبرون عن رغبتهم في تأسيس حزب سياسي، إذا وافقت "الدولة" وليس النظام كما عهدوا القول من قبل، وبهذا تراجعوا عن النضال من أجل انتزاع هذا الحق، للمشاركة في تدبير الشأن العام، ويدعون بأنه ما لم تتغير ضوابط المشهد السياسي بالبلاد وقواعد اللعبة ويرفع النظام يده عن التدافع بين القوى السياسية وعن تدبير السياسات العمومية ويتخذ موقف الحياد لتكون الإرادة الشعبية هي صاحبة الشرعية في اختيار من يحكمها وينوب عنها في المؤسسات الدستورية، فلن يمروا لمرحلة الحزبية بشروط وقواعد النظام. إذا، كيف للجماعة أن توفق بين هذان التناقضان؟ إنها تهدف من خلال إلقاء "الوثيقة السياسية" بين يدي النظام والقول باستعدادها للعمل الحزبي إذا وافقت الدولة، ثم تستدرك، على لسان قادتها، بأن الدولة لن تقبل وتمنحهم تأسيس حزب بدون أي شرط أو قيد، وبذلك تسعى لإظهار النظام أمام الرأي العام الوطني بأنه لا يقيم اعتبارا حتى للدستور والتشريعات التي سنها وأتى بها، فكيف له أن يحترم إرادة الشعب؟
ليست هذه أول مرة تواجه الحركة الإسلامية هذا الاختبار والتحدي، فقد سبق أن فرض عبد الكريم الخطيب على عبد الإله بنكيران ومجموعته شروطا للدخول في حركته والانتقال من الدعوة إلى العمل السياسية الحزبي، وهي الملكية (إمارة المؤمنين)، ونبذ العنف، وعدم التعامل مع أي جهة أجنبية، وها هي الجماعة تجد نفسها اليوم أمام نفس "الجدار الإسمنتي"، فقررت في "وثيقتها" التضحية بموقفها التاريخي من الملكية و"الخلافة" وبدلت استراتيجيتها من الطوفان، بتعبير مرشدها ووثائقها، إلى "الزحف السياسي" التوافقي، توافق سبقها إليه الاتحاد الاشتراكي عام 1998 وحزب العدالة والتنمية عام 2012، وكانت النهاية، الخروج على عن ما أسماه عبد الرحمن اليوسفي "المنهجية الديمقراطية" حين وجد نفسه خارج الزمن السياسي عام 2002 حتى انتقل إلى ربه، و"البلوكاج الحكومي" وطرد عبد الإله بنكيران من الولاية الحكومية الثانية ومن الحزب عام 2016، ليتحول إلى ظاهرة إعلامية صوتية يلعب دور الإثارة السياسية ضد "البام" و"الأحرار"، ويعيق تجديد قيادة الحزب وتطوره نحو الأفضل.
"ضعف الطالب والمطلوب":
ماذا يمكن أن تضيف جماعة "العدل والإحسان" لمشهد سياسي تصفه منذ سنوات بأنه فاقد لشروط العمل الديمقراطي وللانتخابات النزيهة ولدستور يعبر حقيقة عن انتظارات الشعب المغربي وقواه الاجتماعية والسياسية، وبأن المؤسسة الملكية مهيمنة على كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية، وغياب حياد السلطة أمام الصراع السياسي بين جميع الفرقاء بما فيه المؤسسة الملكية؟ وماذا يمكن أن يقدم الحكم للجماعة بعد إعلان وثيقتها السياسية وتراجعها عما شكل منذ سنوات نقاط الخلاف والتنافر والتوجس بينهما، خاصة الموقف من الملكية كنظام سياسي ومؤسسة إمارة المؤمنين كركيزة أساسية لشرعيتها الدينية والدعوة لإقامة الخلافة والعلاقة بين الدعوة والدولة والتوبة العمرية التي تناولها المرشد المؤسس في رسائله وكتاباته؟ وهل الملكية والجماعة في حاجة لبعضهما البعض اليوم أو غدا في ظل حالة الانسداد السياسي وأزمة المؤسسات الدستورية والاحتقان الاجتماعي والهاجس الأمني والتخبط الدبلوماسي والتهديدات الإقليمية والدولية؟ وما هي مصلحة المغرب والمغاربة من هذا "التحالف" بين طرفين يعانيان كلاهما من مشاكلهما الخاصة؟ وهل سيبقى المغاربة على مر العقود، منذ الاستقلال حتى الثامن من سبتمبر 2021، وغدا، مجرد أصوات وكتلة انتخابية في لعبة الباب الدوار الانتخابية يخرجون منها دائما هم الطرف الخاسر ويتحملون بؤس الحياة الاجتماعية والاقتصادية فيما القوى السياسية، بما في ذلك الجماعة، إذا سحبت غدا للعبة، ينعمون بالمناصب والمكاسب؟
لا تملك الجماعة حلولا سياسية جديدة لأزمات المغرب ولا تتوفر على كفاءات وخبرات لتنفيذ ما جاء في وثيقتها السياسية من وعود وحملة انتخابية سابقة لأوانها وعرض تسويقي لإبهار "الدولة" واليسار، ولا أظن بأن أتباعها، باستثناء القيادة الحالية التي وراء هذه الوثيقة، مقتنعين بهذا العرض، خاصة بعد تجربة حزب العدالة والتنمية في رئاسة الحكومة لعقدين وجماعات ترابية مهمة وأغلبية برلمانية كانت مكافأة لصفقة إجهاض حركة 20 فبراير 2011، كما كانت قبلها حكومة التناوب بقيادة الاتحاد الاشتراكي مكافأة إنقاذ النظام من "السكتة القلبية" عام 1998، فهل منح الحزب للجماعة من قبل الدولة للعبور نحو المشاركة في الانتخابات المقبلة سيكون مكافأة لها لإنقاذ الوضع من حالة المراوحة القاتلة والانسداد والاحتقان وحالة "الحافة نحو الهاوية والمجهول" التي عليها البلاد، خاصة منذ ولادة حكومة الثامن من سبتمبر 2021 الفاشلة، وبذلك تقوم الجماعة ب "تأمين" الفترة التي ستتولى فيها إدارة المرحلة وتدوير الأزمة لفترة.
الدورة الحياتية للنطام:
لقد آن أوان جماعة العدل والإحسان، وإن كانوا ينفون ذلك، وستبين الأيام ما يخفون، فإنه من عادة وطبيعة السلطة أن تجدد تكتيكها وتدخل وافدا "جديدا" في المشهد السياسي والحزبي، لأن السلطة في المغرب لها دورة حياة عشرية، تزيد وتنقص قليلا، تحتاج كل مرة لدماء جديدة تضخها في أوردتها وتغذي بها جسدها لتستمر في الحياة، ولكن لا تختار الوافد الجديد، من صنعها أو من واقع الحال، إلا بعد أن "تفسد تفاحته" ويقدم التنازل تلوى التنازل، وهو ما ورد في "الوثيقة السياسية"، وتخضعه لعامل الوقت حتى يوشك على خريفه وتعييه السنون ويذهب جيل المقاومة المعنوية والتربوية والنفسية، جيل المرشد ورجالاته الأوائل، ليحل محله جيل أعياه الانتظار لعقود.
لقد ولدت الحركة الشعبية بقرار من دار المخزن عام 1957 كغريم لحزب الاستقلال من أجل كسر شوكته، ثم أسست جبهة الدفاع عن المؤسسات الملكية عام 1963 للوقوف في وجه طموحات الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في الحكم، ثم دفع بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لكسر قوة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عام 1974، ثم أسس التجمع الوطني للأحرار لإضعاف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عام 1977، فجندت السلطة أحزابها جميعها لمواجهة الانتفاضات الشعبية أعوام 1981-1984، وكانت فترة عصيبة انتهت بالأحداث الدامية في فاس عام 1990، وأمام تكتل الأحزاب الوطنية الأربعة، الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية وحزب الطليعة عام 1992، بدأت السلطة تعد لاعبا جديدا لإضعاف "الكتلة الديمقراطية"، فحركت، في خطوة استباقية، الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية لتدمج مجموعة من الحركات الإسلامية المتباينة وتشكيل "حزب إسلامي" عام 1996 أطلق عليه اسم حزب العدالة والتنمية فيما بعد، وذلك عشية دخول الملكية في ترتيب انتقال الحكم عقب توصيات البنك الدولي عام 1996، تقرير "السكتة القلبية"، ليعقبها مفاوضات القصر مع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بقيادة عبد الرحمن اليوسفي عام1997، ليتولى ويقود حكومة التوافق أو ما اصطلح عليه بحكومة "الانتقال الديمقراطي" عام 1998.
لكن السلطة سرعان ما تفقد شهيتها السياسية حتى تجاه الأحزاب التي صنعتها بيدها أو بأمر منها، فتبدأ في البحث عن فاعل جديد لتخرج من تكتيك وتدخل في تكتيك آخر، حيث لم يدم العرس مع الاتحاديين طويلا، تحديدا مع اليوسفي، ليغادر الحياة السياسية عام 2002 بعد أن أدى وظيفيته عام 1999، وتخطت الملكية اختبار انتقال الملك وخطر "السكتة القلبية"، لتعود للنخبة التكنوقراطية مع إدريس جطو عام 2002، ثم حكومة حزب الاستقلال بقيادة عباس الفاسي عام 2007، سنة قبل أن تطلق الملكية عبر وزيرها المنتدب في الداخلية وصديق الملك، فؤاد علي الهمة، تكتيكا جديدا، وهو النسخة الثانية من مشروع "الفديك"، "الحركة لكل الديمقراطيين" عام 2007، لتتحول، وفق الهندسة السياسية للمشهد الجديد، إلى حزب الأصالة والمعاصرة عام 2008، استعدادا للدخول التشريعي والحصول على الأغلبية في الحكومة والبرلمان وباقي المؤسسات المنتخبة وتقود ما سمي آنئذ بمجموعة (8) كتكتل في مواجهة "نجم إسلامي" صاعد، حزب العدالة والتنمية، إلا أن زلزال الربيع العربي عام 2011 نسف هذا المخطط وأربك جميع الحسابات، وفي ظل تصدر القوى الإسلامية في جل الأقطار العربية، فاز حزب العدالة والتنمية ومهد له الطريق لرئاسة حكومتين، الأولى بولادة شبه طبيعية، والثانية بولادة قيصرية، 2012-2021، ليغلق قوس الإسلاميين في الانتخابات التشريعية في الثامن من سبتمبر 2021.
عادت الطيور السياسية المتجولة بعد عقدين من الزمن السياسي الضائع إلى الواجهة مع حكومة "الترويكا"، وبسطت يدها على جميع المؤسسات الحكومية والبرلمانية والجهوية والجماعية، ومني حزب العدالة والتنمية بهزيمة نكراء بيده وبيد سعد، ليقود عزيز أخنوش، رجل الأعمال ورئيس التجمع الوطني للأحرار، حكومة التحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، ولكن هذه المرة، وخلافا لما جرى منذ الاستقلال، ولما كان مخططا له عشية الثامن من سبتمبر 2021، يبدو أن المخطط السياسي لهذه التجربة، ووضع الأحزاب المكونة لها الداخلية، واجه تحديات الواقع العنيد، ودخلت مكونات الحكومة نفقا مظلما مع المتابعات القضائية وإلغاء مقاعد برلمانية وجماعية وفضائح أخلاقية وأداء ضعيف وتخبط سياسي وفشل في حل مشاكل المغاربة ومعالجة الملفات القطاعية وتمثيل المغرب دوليا بما يليق به تاريخيا، ولم تعد تواكب وتناسب المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية.
لقد ساهمت السلطة التي هندست هذا المشهد السياسي في فشل هذه التجربة الهجينة، من حيث لا تدري، لأنها حددت للأحزاب الثلاثة في الحكومة مهمة واحدة، وهي إزاحة حزب العدالة والتنمية من رئاسة الحكومة بأي طريقة وثمن وعبر لعبة صناديق الاقتراع، ولكن، للأسف، لم تجب على سؤال مهم، وماذا بعد؟ لقد انشغلت أطراف الحكومة بصراعاتها ومنافعها ومصالحها، وكان أداؤها السياسي وسلوكها في تدبير الشأن العام المحلي ارتجاليا واستعلائيا، وهذا ما جعل الحكم يواجه تبعات الفشل الحكومي ويتدخل لينقذ هذه التجربة بدون جدوى، مما دفعه للتفكير جديا في إعادة رسم مشهد سياسي جديد وخريطة حزبية جديدة واختيار فاعلين سياسيين جدد لإدارة المرحلة الصعبة القادمة، ولعله يجد في جماعة العدل والإحسان أفضل حصان في هذا السباق السياسي المقبل للخروج من هذه الأزمات مرة أخرى بسلامة، ليكون دور الجماعة وظيفيا دون أن يحدث أدنى تغيير في بنية السلطة وطبيعتها كما كان دور الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية من قبل.
هذا هو الواقع السياسي المتأزم الذي كان ولازال، وقال قادة الجماعة بأنه كان سببا في تأخير إعلان "الوثيقة السياسية"، فلماذا إعلان الوثيقة الآن؟ وماذا تغير؟ وما هي الحلول التي تقدمها الجماعة للمغرب والمغاربة لم يفلح فيها من سبقها؟ وما هي الإمكانات البشرية والمادية، وما هي الضمانات الدستورية والقانونية والمؤسسية لتحقيق ذلك؟ وماذا تملك الجماعة من أوراق ضغط قوية لتجبر الحكم على الأخذ بما جاء في الوثيقة ويسلم لها إدارة وإنقاذ البلاد كما فعل مع اليوسفي وبنكيران من قبل في لحظات تاريخية وسياسية واجتماعية حساسة ومهددة لاستقرار المؤسسات والنظام العام؟ هل هذا ما قرأته الجماعة اليوم في أزمة الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي العام وتقترح نفسها "منقذا" من الطوفان القادم قبل وقوعه، أم لن يتجاوز دورها، كسابقاتها من القوى الحزبية، مستوى تهدئة/تخدير الشارع المغربي وبيع الوهم له وتبرير تحولها لرقم سياسي سيكلف بتدبير المرحلة القادمة وإخراج البلاد من حالة الشلل الوظيفي وفقدان البوصلة؟ وهل تملك الجماعة الموارد البشرية الخبيرة الكافية والكفاءات المتخصصة لصياغة سياسيات عمومية قادرة على إنقاذ البلاد؟
هل ستتبع الجماعة لعنة النشأة؟
تعاني الكيانات غير الطبيعية عقدة الاعتراف مهما مر على ولادتها القيصرية وأجرت عمليات تجميل لتغيير ملامحها وتبييض ماضيها غير الطبيعي وكتابة تاريخ لا يمت لحقيقتها بصلة، كما أنها تعاني من عقدة الشرعية التاريخية مثل الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدويلات الوظيفية العربية، وأيضا بعض الأحزاب في تاريخنا السياسي المعاصر، "الحركة الشعبية" و"الفديك" و"الأحرار" و"البيجيدي" و"البام"، كلها أحزاب أسست بقرار خارج عن إرادتها وإرادة من سيتولون قيادتها، وفي سياق سياسي واجهت فيه السلطة معارضة شرسة أو أزمة تهدد وجودها.
والباحث في علم السياسة والمؤرخ يعرفان الظروف التي ولدت فيها أمرا "الحركة الشعبية" عام 1957، على يد ضابط فرنسا ورجل السلطة المحجوبي أحرضان، جوكير السلطة، ويعرف الظروف التي ولدت فيها خلقا "جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية" عام 1963 على يد أحمد رضا اكديرة، مستشار الملك الراحل الحسن الثاني، ويعرف الظروف التي ولد فيها "التجمع الوطني للأحرار"، اللامنتمون سابقا، عام 1977 على يد أحمد عصمان، صهر الملك الراحل الحسن الثاني، ليصبح "بيضة القبان" وضابط الإيقاع السياسي في البلاد كلما دعت الضرورة السياسية لذلك، ويعرف كذلك الظروف التي ولد فيها أمرا حزب العدالة والتنمية عام 1996، الحركة الشعبية الاجتماعية الديمقراطية سابقا، على يد عبد الكريم الخطيب، رجل المخزن وطبيب الولادة القيصرية ل "البيجيدي"، ويعرف الظروف التي ولد فيها خلقا حزب "الأصالة والمعاصرة"، "الحركة لكل الديمقراطيين" سابقا، 2007 و2008 على التوالي، على يد فؤاد علي الهمة، مستشار الملك محمد السادس وزميل الدراسة.
لم تستطع كل هذه الأحزاب أن تتحرر نفسيا من عقدة ولعنة النشأة، وتتراوح علاقتها بالسلطة بين المد والجزر، بين الثقة والتوجس، ولا تتقدم خطوة نحو الأمام أو إلى الوراء إلا بعد أن تلتقط الإشارة من الجهة التي كانت وراء ولادتها وخروجها من العدم إلى الحياة الحزبية والسياسية، ولا تقدر أن تتطور خارج رحم دهاليز السلطة وسياساتها ومخططاتها، لذلك نجد خطاب هذه الأحزاب لا يخلو، بمناسبة أو بغير مناسبة، من الإشارة والاعتصام والتبرك بالسلطة التي أوجدتها، في "المعارضة" كانت أو في الحكومة، ولم تنجح، حتى الآن، في أن يكون لها كيانا مستقلا ومسارا تختاره بإرادتها، كما أنها تبقى دائما مهددة بالزوال بقرار خارج عن إرادتها أو تعرف انشقاقات لتعميق حالة "البلقنة" في المشهد الحزبي، مثلما وقع، من قبل، مع الحركة الشعبية و"الفديك" و"الأحرار" و"البيجيدي"، وربما غدا، مع "البام" بعد قيادة "الترويكا".
فهل ستصبح جماعة العدل والإحسان حزبا سياسيا بولادة طبيعية وبإرادتها، وتنتزع هذا الحق انتزاعا لا طلبا وعطاءا؟ وكيف لها ذلك وهي تطلب من الدولة أن تمنحها "جواز العبور" نحو الحياة الطبيعية كقوة حزبية وهي التي تردد دائما، واليوم أيضا، بأنها "فاعل سياسي موجود وحاضر بقوة في الساحة السياسية"، حسب تعبير فتح الله أرسلان، القيادي والشخص الثاني في الجماعة في حوار أجراه بعد الإعلان عن "الوثيقة السياسية"؟ إن هناك منهجا معكوسا لدى الجماعة اليوم، ففي الوقت الذي كان عليها أن تصدر "وثيقتها السياسية" قبل أن تصبح "قوة في الساحة السياسية"، لكونها الأرضية المذهبية التي تعرف بتصورها وببرنامجها ومرجعيتها بشأن كل قضايا الدولة والمجتمع، بما فيها الموقف السياسي والشرعي من الملكية، كما تفعل الأحزاب عند التأسيس، وضعت الجماعة العربة أمام الحصان، بحيث تطلب اليوم من الدولة منحها حزبا للدخول للمعترك الانتخابي وتحمل مسؤولية الشأن العام، ثم يعود أرسلان ليؤكد بأنه لا يعتقد بأن "الدولة"، وليس "النظام" أو "الملكية" كما كانت الجماعة تقول قبل إعلان "الوثيقة السياسية"، ستمنحهم حزبا سياسيا.
لم تأت الجماعة من خلال هذا العرض الإعلامي لوثيقتها السياسية بجديد عملي من ناحية تصورها لهدفها من الانخراط في اللعبة السياسية كحركة إسلامية ومن ناحية الآلية لتحقيق هذا الهدف، كما أنها لم تطرح جديدا بديلا عن "خلافتها الاستراتيجية"، وبقيت أسيرة لكتابات مرشدها الراحل حول موضوع نظام الحكم بين "النموذج العمري" في ظل "خلافة جبرية" تائبة، من جهة، وبين توهم القيادة الجديدة بأن الحل الذي سيخرجها من مأزقها التاريخي تجاه النظام ومحاوريها من اليسار العلماني والليبرالية المحافظة وينهي الجدل الداخلي بين التيار الدعوي والتيار السياسوي، هي الديمقراطية ولو مرحليا ما دامت الخلافة "غائبة" كغياب الإمام ولا تتوفر شروطها وطنيا وعلى صعيد الأمة، من جهة أخرى.
لم يعد في الساحة السياسية اليوم ما يمكن أن يشكل أدنى تهديد للنظام السياسي، وللملكية تحديدا، وهي على مشارف انتقال على مستوى قيادة الدولة، في غياب قوى معارضة حقيقية، ولا حتى تهديد لامتيازاتها وسلطتها واستفرادها بإدارة شؤون الدولة والمجتمع بدون منازع أو مساءلة، وآخر قوة متبقية يجري ترويضها، في رأيي، واختبارها الآن للدخول للسباق السياسي كما وقع مع الاتحاد الاشتراكي عام 1998 وحزب العدالة والتنمية عام 2012، هي جماعة العدل والإحسان، وقد قدمت "عرضها التسويقي" في "وثيقتها السياسية" للفوز ب "صفقة" تنفيذ مشروع المرحلة السياسية القادمة ومعالجة التهديدات الحقيقية للنظام والبلاد، وهو حدوث انفجار اجتماعي وما سيثيره من فوضى عامة أو اندلاع صراعات مسلحة إقليمية ودولية، لذلك اختارت القيادة الجديدة للجماعة بعناية التوقيت السياسي والاجتماعي والاقتصادي المناسب، وطنيا ودوليا، لإلقاء "عصاها" لإبهار النظام بسحرها، وربما لتخويفه إذا لم يستجب لها، وباقي الفاعلين السياسيين المتأزمين، مع تقديم تنازلات كانت تعتبر حتى صدور الوثيقة حجرة عثرة بينها وبين الملكية والقوى اليسارية العلمانية والليبرالية البورجوازية والأوليجارشية.
إنه نفس التكتيك الذي اعتمده حزبا الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية مع خطر "السكتة القلبية" وزلزال "الربيع العربي"، حيث واجهت الملكية وضعا صعبا واختبارا كاد أن يعصف بأركانها ووجودها كما وقع في العديد من البلاد العربية، فكانت الصفقة مربحة مرحليا للجميع، الحزبان والملكية، فهل ستلعب الجماعة دور صمام الأمان للملكية في أفق انتخابات 2026 وما قد تحمله قبل هذا التاريخ أو بعده بقليل من أحداث متسارعة ومؤثرة جيوسياسيا، وستغلب البراغماتية السياسية على حساب المبدئية الدعوية، فتتحول، بعد قرابة نصف قرن من الانتظار السلبي، إلى رقم من بين أرقام أخرى في معادلة الحكم، وتنتهي أسطورة وفزاعة "جماعة العدل والإحسان"، وذلك بسبب خطأ في فهمهاوتقديرها للمرحلة الحالية ولمآل التغيرات السياسية الوطنية والجيوسياسية الدولية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.