يجد "البام" نفسه اليوم في موقف دفاعي قد يكون قاتلا بالنسبة إليه. فبعد ردود مشتتة على ما تعرض له من هجوم وانتقادات من قبيل " بام ديكاج"... خلال مسيرات 20 فبراير، يحاول حزب الأصالة والمعاصرة رص صفوفه وتنظيم رده على تلك الهجمات. وقد جاء رد فعله منظما على مرحلتين: الأولى عبر بلاغ مشترك لهيئتين أساسيتن هما الأمانة العامة، أعلى هيئة مقررة وللجنته الانتخابية التي يرأسها عراب الحزب فؤاد عالي الهمة. أما المرحلة الثانية في الرد، فجسدها اجتماع استثنائي لمجلسه الوطني الذي هو بمثابة برلمان الحزب. بلاغ الأمانة العامة الصادر في 27 فبراير، أي بعد أسبوع على المسيرات، هو من البلاغات النادرة لهذه الهيئة التي تضم ثلاثة أشخاص هم الأمين العام ونائباه. لكن المثير والدال هو أن البلاغ جاء ليوضح موقف الحزب مما يقع في المغرب اليوم، وليؤكد، في نفس الوقت، أن اللجنة الانتخابية تشتغل بجد ونشاط على عدة ملفات. مما يعني أن الهدف الأساسي وغير المعلن هو التضامن مع فؤاد عالي الهمة الذي تعرض لهجمات شخصية مباشرة يوم 20 فبراير. في المرحلة الثانية إذن، جاء اجتماع المجلس الوطني يوم 6 مارس ليحمل عدة رسائل قوية. وقد كانت هناك الدلالة الرمزية لمكان الاجتماع. حيث تم اختيار فندق وسط الرباط بعد أن كان الحزب يختار غالبا عقد لقاءاته بعيدا عن وسط المدن الكبرى، وهو ما يؤشر على رغبة في التواصل بشكل أفضل، وفي إيصال الرسائل إلى أكبر عدد ممكن. وعلى المستوى الرمزي أيضا، تم افتتاح الجلسة بتلاوة سورتين من القرآن الكريم، إحداهما سورة الفلق التي تعني الالتجاء إلى الله لاتقاء "ْ شَرِّ مَا خَلَقَ .. وشَرِّ الحاسدين". ويلاحظ، في نفس السياق، أن الحزب وصف الانتقادات التي تعرض لها ب"هستيريا أصحاب الفكر الشمولي" و"الإستئصاليين الجدد"، وهي مصطلحات مستوحاة من معجم اليسار ومعجم حزب العدالة والتنمية الخصم اللدود للأصالة. كما شدد الحزب على أن "مرجعيته السياسية غير مستقاة من أي نموذج خارجي"، وذلك للرد على اتهامه بكونه حزبا للدولة مثل الحزبين المطاح بهما في تونس ومصر. حضر فؤاد عالي الهمة الاجتماع وهو يرتدي لباسا غير رسمي، وهو عبارة عن سترة بدون ربطة عنق، وجلس في الصف الأمامي. وكان الجميع في الكواليس يتساءل قبل وصوله: هل سيحضر "الزعيم" أم لا؟ وقد أكدت عدة مصادر أن الهمة لم يأخذ الكلمة خلال اجتماع المجلس الوطني. ويروج أنه قال لمقربين منه، حسب ما نقلته أخبار اليوم، إنه يفضل أن يرعى الغنم في بن جرير، مسقط رأسه، على أن يعين سفيرا في السعودية كما راج في بعض الأخبار. وعلى العموم، فإن مؤسس "البام" يختار دائما التواصل بشكل محدود ومحسوب مفضلا العمل الميداني أكثر. ويبقى التساؤل إلى أي حد يمكن لهذه الإستراتيجية التواصلية السياسية أن تكون فاعلة. كما لوحظ، وبشكل لافت، حضور وزير التربية أحمد أخشيشن الذي سبق أن جمد عضويته في الحزب. حيث حضر، وهو يلبس جلابيته الغامقة اللون التي لم تعد تفارقه من فترة. حضر وهو يحمل، عاليا وواضحا، "بادج" الانتماء إلى الحزب، بل ويقدم نفسه مبتسما في صورة فوتوغرافية لأحدى وكالات التصوير الصحافي التي لها عقدة رسمية مع الحزب. هو حضور بمثابة رسالة سياسية قوية: هل هي رسالة إلى الخصوم في حكومة عباس الفاسي للتشويش عليهم؟ أم هي رسالة إلى مناضلي الحزب لإبلاغهم أن الحزب قوي بأطره الوزارية؟ وقد تكون الرسالتان منسجمتان معا. عموما فإن الحزب أراد أن يتموقع من خلال القضايا الأساسية التالية: 1 - الملكية البرلمانية: بخصوص هذا المطلب الأساسي لحركة 20 فبراير، اتضح أن "البام" كان حذر جدا قبل أن يأتي الخطاب الملكي ل 9 مارس ليعلن عن دعمه التام لما دشنه هذا الخطاب من "تحول جذري في بناء الدولة المغربية الحديثة ". أحد قياديي الحزب كان يقول في الكواليس " إننا لا نخاف من الحديث عن الملكية البرلمانية". وقد اتضح أن حزب الأصالة لم يكن يرغب في تناول هذا الملف رغم قوله إنه كان يولي دائما "الأولوية للإصلاح السياسي والدستوري". ذلك أنه لم يقدم عمليا حتى الآن إلا مذكرتين: الأولى عن الجهوية، والثانية عن القضاء، وهما ورشان تبناهما الملك وركز عليهما في خطابه. وقد يكون "البام"، عن وعي أو لا وعي، لم ينخرط في خطط المؤسسة الملكية التي أبانت عن رغبة في التفاعل مع الواقع المتغير منذ 20فبراير. 2- الموقف من حزب الإستقلال ومن حكومة عباس الفاسي: في الخطاب الرسمي لحزب الأصالة خلال اجتماع المجلس الوطني، لم تكن حكومة الاستقلال مستهدفة. لكنها كانت في الكواليس موضوع انتقادات قوية. انتقادات لأدائها ولما يعتبره "البام" استغلالها الواسع للنفوذ. أحد برلمانيي الأصالة والمعاصرة كان يقول إن حزب الإستقلال متورط في توظيف أنصاره في مناصب السلطة، وأعطى كمثال على ذلك رشيد الفيلالي الوزير السابق ووالي أكادير حاليا، وهو ابن الهاشمي الفيلالي أحد مؤسسي حزب الاستقلال. وبهذه التهمة يرد "البام" على الإستقلال الذي يتهمه دائما بالتحكم في الولاة والعمال. أما أحد مسؤولي حزب التجمع الوطني للأحرار، الحليف الإستراتيجي للبام، فكان يقول، من جهته، إن الملكية البرلمانية غير صالحة للمغرب اليوم لأنها ستؤدي إلى تولي أشخاص مثل عباس الفاسي السلطة، وهو الذي أبان، يضيف المسؤول، عن عدم كفاءته في التدبير. 3- في ظل هذه الظرفية ما مصير "البام"؟ وما هي إستراتيجيته المستقبلية؟ إذا كان لمشروع "البام" الرامي إلى زعزعة الأحزاب الكلاسيكية وتشكيل أقطاب حزبية، وجاهته الحداثية، فإن ما يؤاخذ على هذا المشروع هو الرغبة في إعادة هيكلة الحقل الحزبي بشكل فوقي. وبالنظر إلى التطورات الكاسحة التي يعرفها العالم العربي والتي وصل صداها إلى المغرب، تبقى جل تحليلات المتتبعين متشائمة بخصوص حصيلة استراتيجية "البام" ومستقبله. فؤاد عبد المومني، مثلا، يدعو إلى ضرورة "منع حزب البام من مواصلة إفساد الحياة السياسي"، بينما يرى حميد برادة، أن "البام" خدم حزب العدالة والتنمية أكثر مما حاصره طبقا لما كان يستهدفه ويخطط له منذ البداية. كما يمكن التساؤل إلى أي حد كان من النجاعة أن يفتح حزب الأصالة جبهتين متوازيتين مع حزبي العدالة والتنمية والاستقلال. هذا التهديد الذي يتعرض الحزب، بدأ يصل صداه وأثره حتى إلى حلفاءه الإستراتيجيين مثل التجمع الوطني للأحرار الذي صارت إحدى مكوناته تطالب بفك الارتباط والتنسيق مع "البام". وهو ما يطرح على الطاولة مصير كل التحالفات التي بناها الحزب حتى الآن سواء داخل الأغلبية أو داخل المعارضة استعدادا لانتخابات 2012. "أنا متفائل، أنا متفائل، أنا متفائل.." هذه الجملة رددها، عدة مرات، أحد أعضاء المكتب الوطني، الجهاز التنفيذي للحزب، وذلك كجواب على أسئلة حول الهجمات التي يتعرض لها الحزب وحول وضعيته الحالية. وأضاف وهو يلخص هذا الوضع بقولة مستعارة من حلبة رياضة الملاكمة: "إن وضعية الحزب الآن تشبه وضعية الملاكم. وعلى الملاكم أن يجيد تلقي الضربات".