يبدو أن الاتفاقية المشؤومة الذي وقعها المغرب مع الكيان الصهيوني يوم 10 دجنبر 2020، لا زالت تلاحق حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح وبقوة، حيث وقعها من الجانب المغربي رئيس الحكومة أنذاك سعد الدين العثماني والذي كان يشغل أيضا مهمة أمين عام الحزب الإسلامي، في تصادم تام مع وثائقهما ومرتكزاتهما التي تعتبر القضية الفلسطينية قضية مركزية في مشروعهما، حيث أنفقا ولا زالا من المال والوقت والجهد الكثير على مستويات متعددة، يشمل التوعية والتظاهر والاحتجاج والتضامن والإعلام والكتابة والتأليف. ولم يقدم حزب العدالة والتنمية وصديقته حركة التوحيد والإصلاح حتى الآن، على أية خطوة أو تدبير نوعي يسير في تجاه التنصل أو التخلص من هذا العار الذي سيبقى ملتصقا بمشروعهما، خاصة أمام تصاعد العدوان الصهيوني على الفلسطينيين، حيث المعطيات والأرقام والمستجدات الميدانية دالة على همجية هذا الكيان، آخرها المحاولات المتكررة التي انطلقت لاجتياح مدينة رفح ومحيطها، وما قد يصاحبها من جديد من معاناة حقيقية للمدنيين، خاصة وأن المبررات التي قدمت في حينه والمتعلقة بربط الاتفاقية بالصحراء المغربية، لم تعد ذا قيمة مع مرور الشهور والسنين، وإن كان في الأصل وأخلاقيا لا يمكن أن تربط مصير أمر وحق مشروع كالصحراء المغربية بكيان قاتل غاصب محتل لأرض ووطن. وفي الوقت الذي يقوم فيه الحزب والحركة والتنظيمات الموازية لهما نقابيا وشبيبيا وإعلاميا، أداء رائعا على مستوى الاحتجاجات والمظاهرات التضامنية التي تعرفها مختلف المدن المغربية شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، والتي تطالب أيضا بالتراجع عن اتفاقية التطبيع، تتعالى اليوم أصوات نوعية تطالب من الحزب والحركة الذي يعتبر سعد الدين العثماني الذي خط بأصابعه عن الجانب المغربي تلك الاتفاقية العار، أحد قادتهما الكبار، بتقديم اعتذار رسمي للشعب المغربي عن ذلك الخطأ الفضيحة. ومن شأن خطوة الاعتذار أن تخفف نوعا ما من الغضب الذي عبرت عنه فئة واسعة من المغاربة على حزب كان ولا زال أحد أبرز الداعمين للقضية الفلسطينية بالمغرب، كما أن الخطوة من شأنها أيضا أن توقف مقاطعة مجموعة معتبرة من التيارات والتنظيمات التي ترفض التنسيق مع حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح بخصوص القضية الفلسطينية، وهو ما يفسر خروجها من "مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين المغربية"، وتأسيسها لإطار جديد تحت عنوان "الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع". ومن الخطوات في تقديرنا التي يمكن أن تكون مناسبة في الوقت الراهن، لتجاوز ذلك التوقيع المشؤوم، ما دامت الدولة المغربية لا زالت لم تتعامل بشكل إيجابي وجدي مع هذا الموضوع في سياق الاحتجاجات المطالبة بسحب الاتفاقية والتي تعم مختلف جهات المغرب، بالإضافة إلى اعتذار رسمي موقع باسم مؤسسات الحزب والحركة ابراء للذمة، اتخاذ قرار تنظيمي في حق سعد الدين خاصة وأن المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح سبق له وأن جمد عضوية قيادات بارزة داخله، بسب ما اعتبر "ارتكاب مخالفة جسيمة" تصادم مبادئ الحركة وتوجيهاتها وقيمها، قبل أن يتم رفع هذا التجميد بعد تقديم توضيحات واعتذارات، ونعني هنا قضية العلاقة التي جمعت مولاي عمر بن حماد و فاطمة النجار، نائبي رئيس الحركة. الغريب أن المكتب التنفيذي أنذاك (القضية تعود لسنة 2016)، كان قد اجتمع بشكل استثنائي للتداول حول هذا الموضوع، وأصدر بلاغا بالمناسبة أعلن فيه تعليق عضوية القياديين المذكورين في جميع هيآت الحركة تطبيقا للمادة 5-1 من النظام الداخلي للحركة، لكنه لم يجتمع بشكل استثنائي بعد أن أقدم سعد الدين العثماني على تلك الخطوة المشؤومة، للتداول في الموضوع واتخاذ تنظيميا ما يلزم خاصة وأن الأمر أبشع مما فعله بن حماد والنجار، هذا إذا علمنا أن الاسمين المشار إليهما تواريا إلى الخلف ولم يعدا يظهران للرأي العام، في المقابل خرجت ولا تزال وبشكل يثير السخرية، قيادات الحركة والحزب معا لتبرير التوقيع العار بشكل غريب، بل أكثر من هذا استمر بطلنا العثماني في خرجاته الإعلامية لتقديم روايته في ما جرى دون خجل ولا وجل، بل وتقديم محاضرات ومشاركة في ندوات حول القضية الفلسطينية والتنديد بما يفعله الكيان من همجية وهنجعية، دون أن يقدم اعتذارا أو يطلب سماحا من أعضاء حزبه وحركته ومن الشعب المغربي عموما، بل ومن فصائل المقاومة التي تجمعه بها علاقة فكرية ومذهبية. إن الإنصاف يجعلنا نقر ونعترف أن ما تقوم به حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية والتنظيمات الموازية لهما، من أجل القضية الفلسطينية لا يعد ولا يحصى، على مستويات الكتابة والتأليف والإعلام، والتظاهر والندوات والمحاضرات .. وغيرها كثير، إلى جانب مكونات مجتمعية أخرى يسارية وإسلامية، كحزب النهج العمالي، وحزب فدرالية اليسار، والحزب الاشتراكي الموحد، والحركة من أجل الأمة، والعدل والإحسان.. وهو ما يتطلب من مشروع العدالة والتنمية والتوحيد والإصلاح، الإقدام على خطوة تنظيمية في حق سعد الدين العثماني، خاصة إن كان قد تصرف دون الرجوع إلى مؤسسات الحزب، وخطوة أخرى أكثر أهمية موجهة للرأي العام المغربي والإسلامي، تتمثل في تقديم اعتذار علني ومكتوب، حتى تبقى لأي خطوة عملية ونوعية يقوم بها حزب العدالة والتنمية وشركاءه، بخصوص القضية الفلسطينية معنى.