اعتقل الصحافي والناشط المدني هشام منصوري بالمغرب يوم 17 مارس الجاري من لدن حوالي عشرة من عناصر الشرطة بلباس مدني بعد أن كسروا باب شقته بحي أكدال بالرباط. لقد جرده البوليس من ثيابه في منزله وأخرجوه شبه عاري إلى الشارع لا يستر عورته الا بمنشفة صغيرة رغم برودة ذلك اليوم. لقد كانت دهشة عائلته وزملائه كبيرة لما نشرت ولاية أمن الرباط بيانا وهذا شيء نادر جدا يقول أن من بين التهم الموجهة للسيد منصوري "إعداد بيت للدعارة", يبدو أن هذه التهمة ما هي إلا إحدى وسائل النظام المغربي الجديدة للانتقام من معارضيه ومراقبتهم. فيما يلي مقالا تحليليا حول الطرق الجديدة للتضييق على المعارضين والتشهير بهم. مع انطلاق شرارة الربيع العربي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكذا التطور النسبي في مجال مراقبة المجتمع للدولة، خاصة بفضل دور وسائل الإعلام الجديدة والصحافة الإلكترونية، بدأت مجموعات اقتصادية و/أو سياسية (مستقلة عن الدولة، لكنها مؤيدة للنظام السياسي القائم) تلجأ، أكثر فأكثر، إلى طرق ملتوية لخنق المعارضة، ساعية إلى تقويض مصداقيتها وشعبيتها داخل المجتمع. هكذا في المغرب، تتخصص "مواقع إخبارية"، تملك وسائل مالية ضخمة، لكن يبقى مصدرها مجهولا، في شن الهجمات ضد الجمعيات، أو الشخصيات، أو المجموعات السياسية التي تعتبر منشقة. إذ توظف عدة "تيمات تشهيرية"، للإضرار بسمعة معارضين وشرفهم، سواء كان هؤلاء ينشطون على الصعيد السياسي، أو يعملون في المجالات المدنية، مثل مجال حقوق الإنسان أو الحقل الفني الاحتجاجي سنقتصر في هذا المجال على معالجة ثلاث تيمات تشهيرية أساسية: الجنس خارج الزواج، واستعمال المخدرات أو التهريب، والمال الآتي من الخارج. الجنس لملاحقة الإسلاميين •يعتبر الإسلاميون المنتقدين للنظام أولَ ضحايا تيمة "الجنس المحرم". ففي الواقع، يجد تيار الرأي هذا سنده الأساس في القطاعات الاجتماعية المحافظة التي تعطي عادة أهمية قصوى للأخلاقيات الدينية. ومن هنا، ليس هناك من وسيلة أفضل لتلطيخ صورته في المجتمع وكشف نفاقه المزعوم أكثر من عرض صور أو فيديوهات تكشف أعضاء معروفين في منظمة معارضة، وهم في وضعيات مخلّة بالحشمة والوقار. إذ تضاعفت حالات الهجوم على جماعة العدل والإحسان، على سبيل المثال، خلال السنوات الأخيرة. هكذا، راحت نادية ياسين، المرأة الأكثر تأثير داخل العدل والإحسان، ضحية هذه التيمة التشهيرية في عزّ الربيع العربي. على العموم، ينشر المنتوج الفوتوغرافي أو السمعي-البصري، في البداية، في "المواقع الإخبارية"- المذكورة أعلاه - أو في اليوتيوب مباشرة. ثم بالنظر إلى الاهتمام الذي تثيره حتما في الجمهور العريض، يعاد نشرها في المواقع الإلكترونية العادية، أو تحرر فيها الصحافة المهنية مقالات على الأقل. فتنتشر القضية بسرعة قبل أن يتمكن الضحايا من إصدار رد فعل إزاءها. وتصبح قضية نقاش على المواقع الاجتماعية ومقاهي الدارالبيضاءوالرباط، بل والقرى النائية. وهكذا قد يقوض هذا الأمر مسار المعارض، مثلما هي حالة مناضلة العدل والإحسان، التي انسحبت من المشهد السياسي منذ هذا الاعتداء ضدها وعائلتها. أما الحالة الأحدث، فقد جرت خلال غشت/ أغسطس 2014 في مدينة الخميسات، الواقعة على بعد 60 كلم شرق الرباط، ضد عضو في الجماعة ذاتها وخليلته المزعومة. إذ يتعلق الأمر بشخصية محلية معروفة بالتزاماتها الدينية والسياسية. إنها حالة خطيرة جدا، لأن الفيديو المنشور لا يكشف الضحيتين شبه عاريتين فحسب، بل يكشف وجوه من قُدِّموا على أنهم "ضبطوهم" متلبسين بجنحة الزنا. [2] ومن هنا، يتعلق الأمر بدرجة جديدة من الجرأة لم تبلغها من قبل طرق هذه الفرق الخفية والمتخصصة- والتيكان الرأي العام المصدوم لا يعرف لا أصلها ولا دوافعها الحقيقية أو حتى ما إذا كانت مغربية أو أجنبية- . لقد أصبح يبدو بجلاء أكبر أن هاته الفرق تجعل من الحرب الإليكترونية ضد المعارضة علّة وجودها. إن الفيديو الأخير قد يعني فيما يعنيه، أن الأمر بات يتعلق بخطوة أولى،نحو اعتبار مثل هاته الاعتداءات ضد المعارضين بمثابة محاربة،شبه علنية وشبه رسمية، لفساد الأخلاق المزعوم لبعض المعارضين، مثلما يحدث في بلدان معينة كأزيربيدجانوزيمبابويوتونس تحت حكم بنعلي المخذرات.. تهمة النشطاء الشباب • ويعتبر الاتجار في المخدرات وأشكال أخرى من خرق القانون موضوعا تشهيريا مفضلا ضد شباب حركة 20 فبراير، التي أطلقت ضد النظام سنة 2011 احتجاجات الشارع المطالبة بالديمقراطية. هكذا، فقد سخر إدريس بوطاردة،وهو تاجر خضر معدم وفكاهي شعبي وأحد منشطي "المسرح المحكور" رفقة منير رضاويخلالشهر دجنبر 2012 ، في مشهد مسرحي مرتجل في الهواء الطلق أمام البرلمان بالرباط،من شخصيات النظام القوية. وقد اعتقل بوطاردة بعد ثمان وأربعين ساعة، بتهمة استهلاك وتهريب المخدرات. وسرعان ما أدين بالسجن لمدة سنة وهي فعالية نادرة للقضاء المغربي إذا ما استثنينا بعض القضايا السياسية. لقد اقتُرح على بوطاردة، بحسب شهادة أدلى بها للصحافة، منصب عمل يضمن له دخلا قارا، مقابل وقف أنشطته الاحتجاجية وقد رفض العرض لأن الأشخاص المتصلين به امتنعوا عن الإدلاء بهويتهم. وقد دافعت عنه الجمعية الرئيسية لحقوق الإنسان بالمغرب (AMDH) باعتباره معتقل رأي. أما رضاوي، فيملك مقاولة متخصصة في تجارة الهواتف المحمولة والأجهزة الإليكترونية في القنيطرة. وقد اتهم بعد مشاركته في المشهد المسرحي بتهريب البضائع، حيث صودر كل مخزونه من البضاعة، وكذا سيارته، بطريقة غير قانونية. إذ صرّح أن خسائره المباشرة بلغت مائة ألف دولار على الأقل. ثمة أيضا حالة المغني الاحتجاجي الشهير معاذ الحاقد، الذي اعتقل أمام ملعب كرة القدم في الدارالبيضاء في ماي 2014 بتهمة ترويج تذاكر الولوج إلى الملعب. إلا أنه أدين بالسجن النافذ لمدة أربعة أشهر بتهمة السكر العلني وسبّ الشرطة. وكان الحاقد، البالغ من العمر سبع وعشرين سنة، قد أمضى فترات سجنية عديدة تحت ذرائع مختلفة، لمجرد كونه ينتقد رجالات مرموقة في الدولة بطريقة مباشرة في أغانيه. خدمة الأجندات الخارجية • إذا كانت تهمة الجنس شبه موقوفة على الإسلاميين ومناضلي الجماعات المحافظة عموما، وتهمة تهريب المخدرات على الشباب النشطاء في الربيع العربي، فإن المال يبدو وكأنه الحجة الدامغة والسلاح الضارب للفتك بالتنظيمات التي تستلهم إيديولوجيات اليسار. إذ تبدو هذه التيمة التشهيرية تتناسب أكثر مع اليسار، لأنه معروف بدفاعه، على المستوى الخطابي على الأقل، عن قيم المساواة والعدالة الاجتماعية والشفافية المالية. هكذا، تكثف وسائل الإعلام المذكورة في مستهل هذا المقال هجماتها ضد جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان الأكثر انتقادا للنظام. لذلك، فهي تتهمهم بتلقي المال من الخارج بغية خدمة أجندات أجنبية. بل إن هذه التهمة أصبحت رسمية منذ منتصف يوليوز 2014، حيث أعلن وزير الداخلية أن جمعيات المجتمع المدني تتلقى المال من الخارج لخدمة "أجندات خارجية"، وأن أنشطتها تمثل عائقا يحول دون محاربة ناجعة للإرهاب. فمنذ هذه اللحظة، وحتى بداية شهر مارس 2015، منعت وزارة الداخلية عشرات الأنشطة التي نظمتها الجمعيات المستهدفة. كما امتنعت السلطات عن الاعتراف بالفروع الجمعوية المحلية التي تجدد مكاتبها. بل إن موجة المنع لحقت بالمؤسسات الأجنبية أيضا. هكذا، منع وزير الداخلية يوم 24 يناير ندوة دولية نظمتها المؤسسة الألمانية الرائدة 'فريدريش نومان شتيفتونغ'، في الوقت الذي استجاب زميله وزير الاتصال لدعوة المؤسسة بترؤس جلستها الافتتاحية. كما تشير "وسائل الإعلام" ذاتها إلى المال الأجنبي وتبذيره المزعوم من طرف المنظمات الأجنبية التي تتجرأ على التعاون مع المعارضين المغاربة. من هنا، وإذا ما تفحصنا عن كثب هوية ضحايا هذه الحملة الضبطية، ندرك أنهم جميعهم لعبوا دورا أساسيا في دعم حركة 20 فبراير من الناحية اللوجيستيكية والسياسية. فهل يتعلق الأمر بتلطيخ سمعة هؤلاء المعارضين، إسلاميين وعلمانيين، وهذه الجماعات المزعجة التي تنشط الحراك المدني، قبل الانتقال إلى تصفيتهم عبر الإجراءات الإدارية؟ يبدو أن تهديد ولاية الرباط بسحب صفة 'المنفعة العامة' من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان يسير في هذا الاتجاه. أم هل آن أوان إغلاق قوس الربيع العربي في المغرب نهائيا؟ إن هاته الأساليب الملتوية والكيدية تعبر كذالك عن تراجع مشروعية النظام -التي ظهرت جلية للعيان خلال سنة 2011- بحيث لم يبقى متاحا له أن يمارس الضبط "القضائي" المباشر عن طريق المتابعة بالأسباب السياسية الحقيقية. المصدر: موقع (Orient XXI Info)