يحاول هذا المقال الذي هو عبارة عن خلاصة بحث دام نصف سنة إماطة اللثام عن سبعة أساطير تحيط بمسار الديمقراطية المفترضة بالمغرب.بادئ ذي بدء،يبدو أن المحللين الأجانب غير قادرين أو لا يرغبون الغوص في تموجات الصورة الإصلاحية التي تروج لها النخبة الحاكمة في المغرب على المستوى الخارجي، ويتضح هذا من خلال ما يجول في قصاصات الأخبار وتقارير مراكز التفكير. تنبيه وتحذير: لا تجتاحني رغبة جامحة في توجيه انتقادات لاذعة لدوائر القرار في المغرب ولا للشعب المغلوب على أمره. ولا يستطيع أي أجنبي أن ينتقد المغرب بسخرية حارة ووضوح شفاف كما يفعل المغاربة أنفسهم. علاوة على ذلك، لا أنوي أن أحاضر للمغاربة حول الحرية والديمقراطية. سأترك هذه المهمة إلى الدبلوماسيين الغربيين: الفرنسيين الذي يقدمون دروس الوعظ والإرشاد حول حرية التعبير خارج الحدود، في حين لا يتوانون عن إخراس الأصوات الحرة التي تنتقدهم داخل فرنسا. والأمريكيين الذي يبعثون بالأبرياء إلى المغرب، للخضوع إلى حصص التعذيب والاستنطاق والإهانة، وهم يقدمون دروساً للعالم العربي حول ضرورة احترام حقوق الإنسان. والبريطانيين الذين يحاربون بكل تفان الفساد خارجياً، وفي الآن ذاته يغطون الفساد المستشري الذي تتورط فيه نخبهم. الأسطورة الأولى : المغرب ملكية دستورية ليس المغرب بملكية دستورية. إنه ملكية تتوفر على دستور مكتوب. هناك فصل بين الأدوار وليس السلط، حيث تتركز كل السلط (السياسية والاقتصادية والدينية) في يد المؤسسة الملكية التي تراقب وتتحكم في كل القرارات والمؤسسات: البرلمان، القضاء، قوات الأمن والإعلام وجزء كبير من منظمات المجتمع المدني. وخارج هذا الإطار، توجد دمى وكراكيز بشرية تسمى الحكومة، وكوميديا تسمى البرلمان الذي يشتمل على مزيج غير متجانس من الأحزاب السياسية التي تعمل على حبك سيناريوهات للتهريج والبهرجة. وفي سياق آخر، تجرى انتخابات، كل بضع سنوات، لتسفر عن تعديلات طفيفة مفضوحة في صفوف اللاعبين السياسيين للمحافظة على وهم التغيير. الأسطورة الثانية: تبني القصر للإصلاح الديمقراطيفي الحقيقية، تم التأسيس لبعض الإصلاحات المهمة مذ اعتلاء محمد السادس العرش سنة 1999: تطوير البنيات التحتية وتزويد الأرياف بالكهرباء وهامش حرية التعبير وانخفاض ملموس في نسبة حالات التعذيب في السجون. لكن لا يمكن وصف هذه الإصلاحات كونها ديمقراطية. ونزل المحتجون إلى الشوارع مطلع سنة 2011، متأثرين بموجة الربيع الديمقراطي التي عرفها الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تعهد القصر بإدخال تعديلات ديمقراطية، تشمل توسيع دائرة الحريات السياسية. لكن سرعان ما تبين أن هذا لا يعدو أن يكون مناورة سياسية تشبه إلى حد كبير دستور ألمانيا الشرقية إبان العهد الستاليني. حقيقة، لقد تعهد القصر بالإصلاحات الديمقراطية منذ ما قبل الاستقلال، ولا شيء تغير، وسيتمادى في تقديم مثل هذه الوعود في المستقبل مراراً وتكراراً. الأسطورة الثالثة: هناك عملية دمقرطة إن القمع الشرس الذي تعرض له المحتجون من قبل قوات الأمن بشتى تلاوينها إبان الربيع الديمقراطي، لدليل على أن مسار الدمقرطة يمشي القهقرى. ومما لا شك فيه أن لعملية الدمقرطة في المغرب طريقين اثنين. والحقيقة أن الدولة تخطو إلى الوراء. فعلى سبيل المثال، يضمن الدستور لكل المواطينين الحق في الوصول إلى المعلومة بوصفه أحد الحقوق الأساسية، لكن على ما يبدو أن النسخة الأخيرة من القوانين التنظيمية تضيف التواءات كافكاوية (نسبة إلى كافكا): للمواطنين الحق في الوصول إلى المعلومة، لكن ما إن يقوموا بنشرها حتى يزج بهم في غياهب السجون. ليستمر الرقص السياسي، خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الوراء. الأسطورة الرابعة: اختار المغاربة التقدم بديلاً عن الثورةلم يسبق للمغاربة قط أن أتيحت لهم الفرصة للاختيار، ولا أحد يعرف ما ستستقر عليه إرادتهم حالما يستشارون بخصوص قضاياهم المصيرية. وفي السياق نفسه، يمنع القصر بالبات والمطلق ظهور أو بروز أي بديل عنه ذات مصداقية من شأنه أن يعوضه في العمل السياسي، سواء أكان تنموياً أو ثورياً أو شيء آخر. إضافة إلى هذا، اتسمت مسرحية الانتخابات الأخيرة بنسبة مشاركة ضئيلة من فئة الشباب. وعليه، فالمغاربة انبروا بشكل جماعي عازفين عن السياسة والثورة والتقدم. الأسطورة الخامسة: التحدي الكبير هو خلق فرص العمل لا تتماشى كفاءة خريجي الجامعات و المنقطعين عن الدراسة في المغرب على حد السواء، مع متطلبات سوق الشغل العالمية، جراء المنظومة التعليمية المهترئة المنخورة بالإصلاحات المتكررة التي أحبطت الفاعلين التربويين والطلبة في الآن ذاته. ولا يتمثل التحدي الكبير اليوم في خلق مليون منصب شغل الذي يبدو من المستحيل على المدى القصير والمتوسط. لكن التحدي يكمن في كبح جماح غضب الشباب، لكي لا يفكر في الثورة كخيار على النظام الذي همشهم، وأقصاهم في حين عبد الطريق أمام أبناء النخبة التي تلقت تعليمها في المدارس الخصوصية لتحوز مناصب شغل هامة في قطاعات حيوية. الأسطورة السادسة: المغرب جزيرة تنعم بالاستقرار من الممكن أن يكون المغرب يتمتع باستقرار بالمقارنة مع الجزائر وليبيا ومصر وموريتانيا، لكن لا توجد معايير محددة من شأنها أن تصنفه كدولة مستقرة. في هذا الصدد، يعيش المغرب على إيقاع تناقضات جمة: الفقير / الغني و الحضري/القروي و العربي / الأمازيغي والتقليداني/ الحداثي، ناهيك عن تباينات عميقة في الهويات الجهوية. ومن شأن هذه التقسيمات الموجودة بشكل مسبق أن تتعمق وان تستغل من قبل فاعلين سياسيين عديمي الضمير إن حدث وسمحت الفرصة بذلك لإذكاء لهيب النعرات المؤسسة على هذه التناقضات. انتهت الاحتجاجات التي خرج فيها المواطنين على امتداد جغرافية البلاد بالقمع والعنف في عدة مدن. سيتأثر الاستقرار الاجتماعي الهش، في المستقبل القريب، بالضغط الذي سيمارسه جيش المعطلين الشباب وبالعوامل المؤثرة للتغير المناخي. ووفق تقارير البنك الدولي يسجل أنه " من المحتمل أن يتحول جزء كبير من الأراضي البورية الصالحة للزراعة إلى أراضي رعوية، التي بدورها يحتمل أن تتحول إلى أراضي غير صالحة لأي نشاط فلاحي". لنفترض جدلا أن جفاف وقحط سيضربان المغرب ليسفرا عن انهيار اقتصادي الذي ستنجم عنه اندلاع مظاهرات حاشدة وكبيرة في كل ربوع البلاد، عن أي استقرار سنتحدث إذن؟ الأسطورة السابعة: مزيد من الديمقراطية خطوة إيجابية أكد رئيس الحكومة مرات عديدة ومتوالية أن دور الحكومة يقتصر فقط على تطبيق التعليمات والتوجيهات الملكية. إذ أن الأحزاب السياسية لا تعدو أن تكون مجرد دكاكين ضيقة لا تجيد حتى ممارسة الديمقراطية الداخلية. ولا يهتم رجال الأعمال التابعين للدوائر العليا بتحقيق نمو اقتصادي إيجابي على المدى البعيد. ولا يتفق أغلب المواطنين المغاربة مع مايقوم به النظام ومع ذلك لا يستطيعون الاحتجاج ضده. ماذا يريد المغاربة؟ لماذا يخشى المغرب من الديمقراطية مادام الملك يدعي "الإصلاح" الذي بموجبه يتدهور الاقتصاد ويخرس صوت الإسلاميين وتحرس حشود المهاجرين غير الشرعيين لإبقائهم خارج أوروبا؟ خلاصة القول، بالرغم من الإصلاحات التي عرفها المغرب في عدة مجالات، إلا أنه لا يخطو تجاه الديمقراطية ولا يبدو أنه سيفعل ذلك في المستقبل القريب. الاستقرار الهش سيتأثر لا محالة بالحشود الغفيرة للمعطلين وبتأثيرات التغير المناخي. والأمر الوحيد المتأكد منه هو أن النظر عبر عدسة الهدف من مسار الدمقرطة في المغرب لن يساعد أي أحد لاستكناه وفهم المغرب في الحاضر ولا التنبؤ بالمستقبل. ترجمة موقع "لكم" مصدر المقال