تتجاوز لحظة الاستفتاء المقررة غدا أن تكون مجرد بداية لمرحلة من التطور السياسي لبلادنا، إلى أن تكون محطة امتحان ل» قدرة النموذج المغربي» على التجدد وتجسيد مقتضيات التحول الديموقراطي، خاصة بعد مخاض دام أزيد من أربعة أشهر تمكن فيها المغرب من تجنب السقوط في دوامة تجارب الاحتراب الداخلي الذي شهدته عدد من الدول العربية التي رفض حكامها التفاعل مع مطالب التغيير السياسي الجدي. غدا سيتوجه المغرب نحو الحسم في مصيره السياسي للمرحلة، وهو حسم قد يبدو بالنسبة للبعض جزئيا وغير كاف، إلا أن المؤكد هو أن الحراك الديموقراطي المغربي من جهة أولى، والإرادة الملكية للدفع بالإصلاحات السياسية من جهة ثانية، وفعالية القوى الحزبية والإسلامية والاجتماعية ذات المصداقية من جهة ثالثة، تفرض أن مغرب ما بعد فاتح يوليوز لن يكون هو مغرب ما قبله، وأن كل محاولة للإلتفاف على ما تحقق وإفراغه من أثاره، ستجعل المغرب مهددا بالفشل في كسب رهان « النموذج المغربي» كنموذج للإصلاح السياسي دون تهديد مكتسبات الوحدة والاستقرار والهوية. تتوجه غدا مجموع مكونات نداء الإصلاح الديموقراطي حركة وحزبا ونقابة وجمعيات ومنظمات شبابية وطلابية من أجل التصويت بنعم على الدستور، تحملا للمسؤولية في بناء وتجديد مسار النموذج المغربي التاريخي، وانخراطا في كسب استحقاقات ما بعد الدستور، وتعبيرا عن أهمية اللحظة التاريخية في بدأ مسلسل انتقال ديموقراطي يصون المكتسبات، ويعمل على معالجة الاختلالات والتحديات سواء منها الدستورية أو المؤسساتية أو الانتخابية، ويعزز مساره الداعي إلى دمج إيجابي بين الإسلام والديموقراطية، ويضع أسس الدولة المدنية دون دوغمائية أو عدمية، ويساهم في الحيلولة دون افتعال التناقض بين الهوية والديموقراطية، بل يفتح طريقا ثالثا سيكون المحدد في الولادة الجديدة للنموذج المغربي. من الجلي، أن الجميع مدعو لتحمل مسؤوليته والارتقاء إلى مواجهة الأسئلة الصعبة للمرحلة، والتوقف لتقييم مسار بلادنا منذ نجاح الثورة التونسية واستخلاص الدروس والعبر، والأهم هو القبول بالاختلاف في خيارات التعاطي مع الاستحقاقات القادمة، وتجنب كل سقوط في الاستنزاف والصراع الهامشي، الذي لن يخدم في نهاية المطاف سوى القوى المضادة للإصلاح. في المقابل سيذكر التاريخ والشعب المغربي بتقدير كبير، كل جهود من وقفوا دفاعا عن الإصلاح وعملوا لمصلحة الاستقرار والتكامل مع قوى الإصلاح رغم كل اختلاف معها، وتحملوا مسؤولية الدفاع عن اختيارات المستقبل، ولم يترددوا في تقديم الثمن والتضحية لمصلحة مستقبل البلد، وهو مسار ينبغي مواصلته بعد أن أكدت تطورات الأحداث الحاجة الملحة له في الحراك الديموقراطي لبلادنا. كما أن المتابع للسجال الخارجي حول مصداقية الإصلاح الدستوري وتحدياته يقف على خطورة الموقع الجديد للمغرب وحساسيته في المرحلة القادمة، ويزيد من المسؤولية لمقاومة كل محاولة لإرباك مسار الإصلاح أو إجهاضه، فالمغرب شق طريقه، والمراجعة الدستورية خطوة في طريق الانتقال الديموقراطي الواجب إنجازه قبل فوات الأوان.