لسنا في حاجة إلا لتشغيل عقولنا وترتيب أولوياتنا وضرورياتنا، وبناء دولة على أسس متينة بحيث نكون في أمان ونوزع مهامنا وفق طاقاتنا وكفاءتنا وبالمساواة حتى لا نظلم أحدا، دولة تقوم على العدل وتوزيع الخيرات، نتعامل فيها فرادى وجماعات وفق القانون الذي لا يعرف تأويلا غير تأويل الحق ولا يميز بين هذا وذاك تحت أية ذريعة ، كانت لونا أو دينا أو عرقا، وبلادنا في أمس الحاجة الى التشبع بالديموقراطية ، تلك الديموقراطية التي ليست شعارا ولا واجهة توهم بما ليس موجود، رغم كل ما قد يقال فالمغاربة قادرون ، نعم، لهم القدرة والإرادة، القدرة على الاختراع والخلق والإرادة للعمل وبصدق ، فكم حاجة كانت سببا للاختراع وأنقذت البشرية وكانت انطلاقة لعهد جديد ، لم لا تكون هذه الكارثة الزلزالية بداية لمغرب جديد –وإن كان وقعها شديد علينا؟ وهكذا وبعد ما عشناه من ألم وحزن عميق واستفقنا على أمل وقوة بتضامننا المغربي الأصيل والخارق، لنا اليوم وغدا أن نرسم خريطة مغرب جديد بأبعاد جديدة، عمقها الإنسان وحدودها الحقوق جميعها موزعة بالتساوي على كل المغاربة، في سائر الأيام والأعوام مهما كانت الظروف والأحوال، طبيعة أو استثنائية، سواء كانت الفيضانات او الحرائق أو الزلازل، بعدها نعمل بكل جدية وطمأنينة على أنفسنا وأولادنا وبلادنا، لأننا لن نجد من يسيئ لصورة الوطن بوجود متسول على قارعة الطريق يزعج المارة ولا أرملة تحزننا بفقدان معيلها وواجب التضامن معها قائم ولا يتيما متشردا يبكينا، لماذا ؟ لأننا وضعنا أسس بنيات ومؤسسات لها أنظمتها القانونية وأسس تسييرها ومراقبتها وتطويرها لكل المجالات والميادين، بحيث يصبح الكل في مغرب الغد في خانته الخاصة يتلقى الرعاية والشغل وتفتح في وجهه المدارس والمعاهد والمستشفيات ويستقبل كمواطن له كل الحقوق وتقدم له الخدمة الإدارية ببساطة وبالسرعة المطلوبة ولم مع ابتسامة تربط علاقة فيها التضامن الذي جبل عليه المغاربة وما رأيناه من أمثلة خلال الكارثة إلا عينة والكثير مازال في رصيدنا الإنساني. من هنا نبدأ في رحلة محفوفة بالحوافز التي تدفعنا للنظر الى الأمام، لا للماضي، عدا ما فيه من درر وأفكار وأصول بدونها لن تستقيم هويتنا المغربية. ننظر للغد ونحن مؤمنين كل الإيمان باننا نشكل شعبا موحدا لا فرق بيننا، والقانون هو الفيصل في نزاعاتنا وخلافاتنا لا أحد فوق القانون. من هنا نبدأ، لن ننظر للماضي إلا في جانبه المحفز للأمام والجميل فيه ليظل معنا، لنعلمه لأبنائنا، ونقدمه لهم كباقة ورد يوم عيد ميلادهم، ومن ثمة نفرش لهم الطريق بالأمل ونرصفه بالعمل والإصرار كما فعلنا يوم الزلزال، بحيث نهضنا كيد واحدة ووضعناها على مكامن الضعف، ونزعنا ركائزه ومن وراءه من مسؤول ليبقى دون دعامة وتتفكك أجزاؤه كلما قدمنا على إقامة مشروع مهما كان المهم أن يكون المواطن هدفه. لنشرع من الآن في بناء هذا المشروع، مشروع خال من التسويف، مشروع يعمل بأيادي مغربية يسعى للاكتفاء الذاتي في كل المجالات الأساسية، اولا نعمل على واجهة محاربة الجهل، نبني المدارس والمعاهد والجامعات في كل الجهات والقرى، نكون المؤطرين والمدربين والمعلمين والأساتذة باللغات المختلفة خاصة لغات البحث العلمي، في كل التخصصات، نبني المستشفيات الكبرى في كل المناطق والمصحات بحيث لا يبقى مريضا على مساحة الوطن إلا ويجد العلاج المناسب له وكل ما يريح جسده ونفسيته واهله لن يقلقوا بعد الأن عن مصيرهم الصحي والعقلي والنفسي ومستقبلهم المهني من الشغل وبناء حياتهم الاجتماعية من سكن ورعاية طبية لهم ولأبنائهم. ثانيا نعمل على واجهة الصحة العمومية، لا نترك لأي مرض فرصة ليسكن ذواتنا ونفسيتنا وعقولنا، عبر التوعية الصحية والتلقيح والفحص والتشخيص المستمر لكل الأمراض ومسبباتها، وأول ما نهتم به هي التغذية لأن سوء التغذية هي السبب في العديد من الأمراض والعلل، لنحاصر الأمراض في منبعها: مراقبة المياه وصلاحيتها البيئة المحيطة بالساكنة، محاربة الحشرات التي تنقل الأمراض، مراقبة المواد الغذائية وتتبعها في مراحل إعدادها وتوزيعها للمستهلك ثالثا وسائل التواص والاتصالات المختلفة: الطرق السكك الحديدية، المطارات، عبر كل الجهات والمناطق المغربية وعلى كل التضاريس السهول والجبال والهضاب، حتى لا تظل منطقة أو جهة واي نقطة من بلادنا الحبيبة معزولة وغير معروفة ولا نكتشفها إلا بعد أن تصير ركاما أو رمادا أو مغمورة بالمياه، وحينها ننطر بأسف وحسرة لأننا قصرنا وتغافلنا ولم نحاسب المسؤولين ولا أنفسنا عن اختيارنا لهم وكذا لاختياراتهم. لا نجعل الطبيعة تخيفنا بل نطوعها مع احترامنا لقواعد ازدهارها والتعامل معها وفق ما يجعلها ويجعلنا في تناغم وانسجام مع الطبيعة ونعطيها لتمنحنا أجمل ما عندها وهي الحياة في بيئة سليمة من التلوث الذي يسبب فيه الإنسان، لذا وجب التركيزعلى التربية البيئية لدى الأجيال المقبلة لنحصل على محيط بيئي يساعد على النمو الفيزيولوجي والذهني لأطفالنا وحيواناتنا وكل الكائنات التي تلعب دورا في استمرار الحياة فوق هذه الأرض. رابعا البنيات السياسية والاقتصادية والمجتمعية، تلك هي الأسس التي وجب الارتكاز عليها وجعلها تساير التطور وتواكب العصر بكل عقلانية مع الإبقاء على الهوية والاختلافات في تركيبة المجتمع وعدم محو أو تغليب مكون على آخر، لأن تلك عملية لن تصل بنا لما هو منشود لبناء دولة الحق والقانون دول اقتصادها يعتمد على تغذية شعبه في اساسيته عبر المجه والداتي والاكتفاء الذاتي، فبلدنا يعتمد على الفلاحة، لدا وجب التركيز على الفلاحة التي تغذي الشعب وليس فلاحة التصدير التي غالبا ما هي في يد الملاك الكبار الدين لا يعودون بالعملة الصعبة للوطن، ليس كما هو حال عمالنا بالخارج الدين قاموا بتحويلات حوالي 89 مليار درهم برسم الأشهر العشرة الأولى من سنة 2021، وهذا مبلغ مهم يمكنه أن يساهم في انطلاقة اقتصادية واجتماعية لو تم عقلنة صرفها وفق قنوات استثمارية يستفيد بها المواطنين عبر إقامة مشاريع تستوعب اليد العاملة الوطنية ودر مداخيل لكثير من الأسر التي تعاني من التهميش. إن ظاهرة الزلزال إن هي كشفت مغرب أخر بعيد عن عيون الكاميرات، فإنها فتحت عيوننا وعقولنا على واقع وجب تغييره، ليس بالكلام ولا بالتسويف بل بمثل الهبة التي قام بها كل أحرار هذا البلد من تضامن قل نظيره، وسخاء مبهر لكن غير غريب عن المغاربة وكرمهم، خاصة في مثل هذه الظروف العصيبة. لنشرع في إقامة مشروع القرن، مشروع يجد أسسه فينا نحن المغاربة، نضع فيه كل مقوماتنا العقلية والفكرية وننمي فيه كل تجاربنا وإضاءات تاريخنا، ونبصم بهوياتنا العربية والأمازيغية وبكل مكوناتنا الاجتماعية والثقافية والسياسية، مشروع بدايته الإنسان ونهايته ذات الإنسان، مشروع يهدف لسعادة ذاك الإنسان المغربي الذي يعطي أكثر مما يأخذ عبر زمن طويل، إنسان تحمل أكثر، ليس لأنه خنوع أو يخضع خوفا من قوة ما أو ضغط ما، بل إنه صبور ومتأن وينتظر عبر نوافذ المستقبل بآمال عريضة للمستقبل، يعرف أن الحكمة والتبصر التي جبل عليهما يرديان في النهاية للإقامة هذا المشروع الذي يضم كل المشاريع، إنه مشروع الإنسان المغربي، الذي يجسد الإمكانات البشرية وقدراتها ، مشروع المغربي الحر الواعي القادر على التحديات كلها، وما شاهدناه وعشناه خلال الزلازل والفيضانات ووباء كورونا وكل الكوارث الطبيعية وغيرها لم تشكل لنا لحظات الاستعداد لتجاوز المحن ولملمة ما تفكك منا لنكون وحدة متراصة رغم كل الهفوات هنا وهناك، ولكن المشروع القادم سيقضي على كل الثغرات وستلتحم اللحمة لتصبح جسدا واحدا، وما جرى لحد الان، من تضامن قل نظيره وتلاحم كالجسد الواحد وتسارع في العطاء وتفان في الإنقاذ والمساعدة. كان كل ذلك مجرد مقدمة مشروع وتفاصيله ستكون تحقيقا لآمال الشعب وطموحاته بحيث تقر عيون كل المواطنين ونطمئن كل النفوس عن غد أبنائها في وطن جمع القلوب في المآسي وما بلك لما يتم البناء والحماية لكل أم وابنها وأب وضمان الشغل له وتأسيس مسار حياته ضمن دائرة الرعاية الشاملة في اطاردولة لها العمق الديموقراطي الذي لا يسمح بأي تجاوز أو تغاض عن أي مكان يضم حياة دون تتبع أحواله ومتطلباته وحاجياته الأنية والمستقبلية.