عرف المغرب - والريف خاصة - في العقود الأخيرة توالي مجموعة من الكوارث الطبيعية (زلازل, فيضانات, حرائق...) نتج عنها خسائر بشرية و مادية جسيمة, وما يقال عن المغرب يقال عن الأقطار الأخرى, فالكوارث الطبيعية غير ثابتة زمكانيا بل في تغيرمستمرشأنها شأن التفسيرات التي أعطيت لها من قبل الإنسان الذي عايش هذه الكوارث منذ القدم. يعتبر الزلزال من أقوى المخاطر الطبيعية التي شهدتها البشرية حيث حصد في القرن العشرين حوالي 200 مليون نسمة (1), و الزلزال ظاهرة كونية فيزيائية نتيجة عوامل في الغالب تكتونية و بركانية, حيث يكون في بعض الأحيان نتيجة لكارثة طبيعية (البركان) و في أحيان أخرى مصدرا لكارثة أخرى(تسونامي) , وقد اهتم الإنسان البدائي بتفسيرها رغم التخلف المعرفي والعلمي آنذاك لإرضاء غريزة الخوف, فتولدت عن هذه التفسيرات نظريات خرافية لا أساس لها من الصحة, ومن أشهر هذه النظريات تلك الأسطورة التي حكتها لي جدتي إبان زلزال الحسيمة 2004 والتي تسمى " أسطورة الثور", اعتقدت في البداية أن الأسطورة من التراث اللامادي بالريف خاصة و بالمغرب عامة لأكتشف بعدها أن الأسطورة كانت منتشرة في بلاد الشرق الأوسط مثل تركيا و إيران, ومفادها أن اهتزاز الكوكب هو نتيجة تغيير الثور لأحد قرنيه بسبب الإجهاد الذي أصاب القرن الآخر (2). رغم التقدم العلمي و التكنولوجي الذي عرفته البسيطة في القرنين الأخيرين, إلا أن هذا التقدم لم يشمل جميع بلدان الكوكب الأزرق, حيث تكدس العلم عند دول الشمال بينما الجهل عند دول الجنوب, الأولى تعيش في القرن الواحد و العشرين و الثانية تعيش في قرن "أسطورة الثور", ويعود سبب التخلف العلمي وانتشار الجهل عند ساكنة الدول النامية إلى عدة أسباب منها الفقر, انتشار الأمية, تدني جودة التعليم وانعدام الثقافة العلمية مما نتج عنه بروز مجتمعات تميل إلى الإيمان بالخرافات و تفسر الظواهر الكونية بالمقدسات, فلم تسلم الكوارث الطبيعية و من بينها الزلازل من هذه التفاسير... التفسير النقلي : الزلزال عقاب و ابتلاء من الله عند حدوث الزلازل في البلدان الإسلامية و غير الإسلامية يتسارع الفقهاء و الشيوخ إلى إصدار أحكام في حق سكان المناطق المنكوبة, وتتفاوت هذه الأحكام بين العقاب للعصاة و الكفار و الإبتلاء للمومنين و الأبرار. إيران مثلا شهدت عدة زلازل مدمرة ذهب ضحيتها الآلاف من الإيرانيين وكان الحكم الذي أصدر في حقهم أنه عقاب لهم لكونهم شيعة كفرة, نفس الحكم على الزلازل التي ضربت المناطق الساحلية لليابان و أمريكا و باقي الدول غير الإسلامية بحجة انتشار الرذيلة و الفسوق في هذه الدول, أما زلزالي منطقة الأصنام بالجزائر (1980) و أكادير بالمغرب (1960) فيتذبذب الحكم بين العقاب لكون هذه المناطق السياحية تشهد توافد السياح العراة على شواطئها و الإبتلاء لكونها مدن إسلامية تعج بالمسلمين, أما زلزال الحسيمة (2004) فأكيد أنه عقاب من الله لكون المنطقة بؤرة القنب الهندي...فمن خرج عن هذه الأحكام و رفض الربط بين الزلزال و وقوع الذنوب و المعاصي فهو حسب الدكتور زغلول النجار إما كافر ملحد, جاهل بعلم الزلازل أو واهم لم يدرس سنن الله التي مضت (3)... وهكذا يتم إصدار الأحكام العابرة للدول و القارات. سنعرض الآن الأدلة و الحجج التي يعتمد عليها مناصري التفسير النقلي للزلزال : أولا : الآيات المكتوبة ( القرآنية) " فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ" سورة العنكبوت الآية 40. " وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ " سورة هود الآية 102. " أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ " سورة النحل 45. " أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِّنَ السَّمَاءِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ " سبأ الآية 9. " أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ " سورة الملك الآية 16. " فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ " الأعراف الآية 78. ( الرجفة يقصد بها الزلزلة الشديدة) سنكتفي بهذا القدر من الآيات الكريمة التي لا تدع شكا بأن الزلزال جند من جنود الله و آية يسخرها تخويفا لعباده و عقابا للظالمين, كما توضح الآيات أيضا أن الله يرسل الكوارث الطبيعية على قرى بأكملها فيدمرها عن آخرها بشكل مباغت و فجائي دون سابق إنذار. ثانيا : الآيات المنظورة من الأدلة الحسية التي توظف أيضا في تعزيز التفسير النقلي تلك المباني الدينية التي تقف شامخة في وجه الكوارث الطبيعية و لا تتأثر بها على عكس البنايات الأخرى المحيطة بها (الفنادق, المطاعم, المنازل...الخ), مثال ذلك الصورة التي تنشر للزلزال الذي ضرب تركيا فلم يتأثر المسجد و المجمع التعليمي الملحق به على عكس البنايات التي تحيط به (4), وكذلك الزلزال الذي ضرب أندونيسيا (سومطرة) فنتج عنه تسونامي دمر قرية بأكملها باستثناء مسجد "رحمة الله", حيث يعتقد السكان المحليين أن العناية الإلهية هي من أنقذت المسجد من الدمار (5). ثالثا : زلزلة الأرض في عهد الفاروق من علامات الساعة التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرة الزلازل, لكن هذه العلامة ليست دليلا على عقاب أو ابتلاء للبشر بقدر ما هي تنذر بدنو الأجل المسمى فقط, مثلها مثل باقي العلامات الأخرى كتطاول البنيان مثلا, في حين أن الزلزلة التي وقعت في عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه و طريقة تفسيره لها نستشف منها بالفعل أن الزلزال يحدث لإرتكاب المعاصي و اقتراف الذنوب, وإليكم الواقعة " تزلزلت الأرض بالناس على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : أيها الناس, ما كانت هذه الزلزلة إلا على شيء أحدثتموه, والذي نفسي بيده لئن عادت لا أساكنكم فيه أبدا" (6) التفسير العقلي في نقد التفسير النقلي و تحليله : الزلزال ظاهرة طبيعية بداية إن القول بأن الزلزال ظاهرة طبيعية محضة دون رعاية إلهية هي الأخرى من خرافات القرن الواحد و العشرين تشبه إلى حد ما " أسطورة الثور ", لقد خلق الله كل شيء بقدر و حكمة, وتقتضي الحكمة الإلهية من خلق الزلزال الحفاظ على توازن الحياة على كوكب الأرض من جهة, ومن جهة أخرى تسخيره كجند من جنوده لتخويف وعقاب من خرج عن الطريق المستقيم و زاغ عنه, ومخطئ من يقول بأنه مجرد خرافات من يعتقد بأن الزلازل و البراكين هي نتيجة لغضب الله على أهل الرجس و الشيطان حال قول الدكتور حسين علي (7). انتقادنا موجه للأصوليين المتعلقين ببعض الأفكار التي تنافي العقل و العلم مع إلباسها الطابع الديني لإظفاء الشرعنة عليها, متناسين أن ديننا الإسلامي يحثنا على إعمال العقل و التفكير و التقدم المعرفي, بدل التعلق بأفكار تورث الجهل و الإتكالية وعدم الأخذ بالأسباب... يعتقد معظم المسلمين الذين يتبنون التفسير النقلي للكوارث الطبيعية أن الزلزال وليد لحظة خلق الإنسان, أي الغاية من خلق الزلازل تخويف الناس و عقابهم, وهذا اعتقاد خاطئ لأنه من المسلمات و البديهيات العلمية كون الزلازل معاصرة للمراحل الأولى لتشكل الكرة الأرضية, بل لولاها لما وجدت الحياة على الأرض, فبفضلها تشكلت المحيطات و القارات و السلاسل الجبلية التي تحافظ على التوازن الأرضي ("والجبال أوتادا",سورة سبأ 7), وما يقال عن الزلازل يقال عن الكوارث أو بعبارة أصح الظواهر الطبيعية الأخرى, فيا ترى من كان يعذب الله قبل خلق الإنسان على الأرض بهذه الزلازل ؟؟ الديناصورات مثلا !!. إن تسخير الله لجنوده (الظواهر الطبيعية) لتخويف عباده و عقابهم أمر لا ننكره, لكننا نعتبره أمرا خاصا و لا يمكن تعميمه على باقي الأقوام و الشعوب, كما لا يحق لأحد تعميم مسألة خاصة أخبرنا الله بها في القرآن الكريم و إصدار أحكام جزافية في حق الآخرين, فالإسلام دين دعوة أولا لقوله تعالى " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " (الإسراء آية 15), لذلك حق على الشيوخ و الفقهاء و عامة الناس أن يصيروا دعاة قبل أن يكونوا قضاة, وأتمنى صادقا أن يتعرف غير المسلمين على الإسلام من خلال مصادره قبل التعرف على (لمسلمين)... سؤال قد يتبادر إلى ذهن العامة: لماذا تحدث "معظم" الزلازل - الكوارث الطبيعية - في البلدان غير الإسلامية, بل وتحدث بالخصوص في المناطق الساحلية التي تنشط فيها الدعارة و العري ؟؟ لقد سبق و أشرنا إلى أن الزلازل سابقة الإنسان إلى الوجود بمليارات السنين, والشكل الذي توجد عليه القارات الآن سابقة الوجود الإنساني أيضا, أي إن حدوث معظم الزلازل بالبلدان غير الإسلامية وخاصة بالمناطق الساحلية ليس وليد اللحظة, وبالتالي يجب إعادة صياغة السؤال بشكل علمي على النحو التالي : لماذا يهاجر البشر إلى المناطق الساحلية الزلزالية و يستوطنون بها رغم خطورتها ؟ تعرف هذه الظاهرة بالتسحل - من الساحل -La littoralisation وهي ناتجة عن أسباب اجتماعية و اقتصادية لا يهم ذكرها الآن. أما أسباب حدوث الزلازل بهذه المناطق فهي راجعة إلى حركية صفائح الغلاف الصخري, هذه الأخيرة كانت السبب في زحف القارات و تجمعها وتفتتها بصورة دورية فيما يعرف باسم دورة القارات و المحيطات, وفيها قد تنقسم قارة ببحر طولي إلى كتلتين متباعدتين عن بعضهما البعض باتساع قاع البحر الفاصل بينهما حتى يتحول إلى محيط, حال البحر الأحمر الذي يفصل شبه الجزيرة العربية عن القارة الأفريقية,كما قد يستهلك قاع محيط بالكامل تحت إحدى القارات بدفع كتلة أرضية له تحت القارة حتى يصطدما مكونين أعلى سلاسل جبلية على سطح الأرض كما حدث في اصطدام الهند بالقارة الآسيوية (8). و نجد من خلال تحليل خريطة التوزيع الجغرافي للزلازل عبر العالم للعالم Rothé (9) أن الزلازل تتمركز في المناطق الساحلية الغربية لقارة أمريكاالجنوبية و أمريكا الشمالية بسبب حركة تقاربية بين صفيحة نازكا و صفيحة أمريكاالجنوبية وكذلك حركة تقاربية بين صفيحة أمريكا الشمالية و شمال صفيحة المحيط الهادي, كما تتمركز الزلازل أيضا في الساحل الشرقي لقارة آسيا و في حوض البحر الأبيض المتوسط بسبب التقارب بين صفيحة أوروبا-آسيا و صفيحة المحيط الهادي و التقارب بين صفيحة أفريقيا و صفيحة آسيا, و يشهد جنوب قارة آسيا أيضا تمركزا لبؤر الزلازل بسبب التقارب بين صفيحة أوروبا-آسيا و صفيحة أستراليا-الهند, سواء أسلم سكان هذه المناطق التي تنشط فيها الزلازل أو لم يسلموا فالنشاط الزلزالي مستمر بها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فيما يخص دليل حادثة زلزلة الأرض في عهد الفاروق فهو دليل ضعيف جدا, كلنا نعلم بأن الدولة الإسلامية وصلت أوج عدالتها الإجتماعية و الإقتصادية و تطبيق الشريعة الإسلامية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فلماذا سيزلزل الله الأرض يا ترى ؟؟ هل بسبب ارتكاب أحدهم ذنبا أو معصية في السر؟ !! أم أن الظاهرة طبيعية في شبه الجزيرة العربية ؟؟ إن منطقة الخليج العربي ليست بمنأى عن الزلازل هذا ما يؤكده د. عبد الله العنزي المشرف العام في الشبكة الوطنية الكويتية لرصد الزلازل (10), لأن شبه الجزيرة العربية محاطة بالصفائح التكتونية و تعرف المنطقة ولادة محيط جديد (توسع البحر الأحمر), أي إن المنطقة نشيطة تكتونيا لذلك من البديهي جدا حدوث زلازل بها. أما موضوع الشواهد الحسية (الآيات المنظورة) فسنرد عليها بشواهد حسية مناقضة, و الغرض من ذلك إثبات أن عدم تعرض البنايات للهدم و السقوط كيف ما كان نوعها (مسجد, مدرسة, كازينو...) رهين بطبيعة التربة الموجودة عليها تلك البنايات وجودة المواد المستعلة في البناء و احترام معايير البناء المضاد للزلازل...الخ و ليس ما يعتقده أنصار التفسير النقلي, وإلا فكيف تفسرون بقاء سينما السلام صامدة في وجه الزلزال المدمر بأكادير ؟ في حين جميع البنايات المحيطة به قد انهارت, لا تذهبوا بعيدا ففي ليلة الزلزال لم يكن يعرض على شاشة السينما فيلم الرسالة أو رابعة العدوية بل عرض فيلم ينتمي إلى فئة " الكوبوي " حسب الشاهد عيان الحاج سلام (11). و نفس الأمر يقال عن الفيضانات و التساقطات المطرية التي أصابت كلا من إقليم الدريوش و الناضور مؤخرا, حيث سقطت و تهدمت عدة بنايات منها المساجد.