«المغاربة» رواية أسالت مدادا وأثارت نقاشا كما لم تفعل رواية من قبل. يعالج فيها كاتبها، عبد الكريم جويطي، قضايا شائكة ومتشعبة عبر ثلاثة مسارات يعتقد أنها صنعت قصة شعب، هو الشعب المغربي، وثلاثة شخوص، هم الراوي الأعمى الذي يعيش القهر ويعيد إنتاجه، وعسكري بلا مجد، ورجل سلطة نهم ومتعطش للمال والجاه والنفوذ. «أخبار اليوم» التقت جويطي، الذي يعكف على كتابة رواية جديدة حول علاقة المغاربة بالجبل، وعلى ضوء روايته، والأفكار التي تضج بها، كان هذا الحوار: 1- تقولون إن الديمقراطية المغربية فتية، لكنها تشكو كل أعراض الشيخوخة، لماذا هذه المفارقة؟ – رغم أن التجربة الديمقراطية تجاوزت بالكاد أربعة عقود، ولأننا نعيش انتقالا ديمقراطيا مزمنا، فإن تجربتنا الفتية جدا تعيش كل أعراض الشيخوخة، وتبدو متآكلة ومنهكة، يكاد لا يثق فيها وفي فاعليها أحد. ومظاهر ذلك واضحة جدا: نسب التصويت المتدنية جدا، عزوف الشباب، عدم الثقة في الفاعل السياسي، بل احتقاره والسخرية منه، غياب النقاش العمومي في قضايا كبرى، والأخطر من كل هذا هو ازدهار شعبوية مقيتة ومنفرة. في أربعة عقود، وهي لا شيء في تاريخ شعب، وصلنا إلى اختمار فكرة قاتلة مفادها أن حياة المغاربة لن تتطور إلى الأفضل عن طريق السياسة والسياسيين، الذين لا أمل فيهم، فهم صمّ بُكم لا يفقهون، ولنا أن نتصور كل الشياطين الغافية في قلب هذه الفكرة التي لا ترى المستقبل الأفضل رهينا بتحقيق ديمقراطية كاملة، وتترك الباب مشرعا لشكل من التوتاليتارية نجد إرهاصاته في الحديث عن الحاجة إلى مرب وطني حازم يرغم الجميع على السير وفق نهج واحد أوحد. 2- هل هذا الواقع، كما وصفته، كاف لنعته بالشيخوخة؟ إحساسنا بشيخوخة واقعنا السياسي له ما يبرره تاريخيا، فنحن لم نبرح بعد دولة الشوكة (القوة) -كما تحدث عنها المؤرخون خصوصا عبد الله العروي- والتي تحتكر كل السلطات والشرعيات كما تم إرساؤها منذ قرون خلت. وبما أن الشرط البديهي لكل ديموقراطية هو تقاسم السلطة وتوازن مراكزها، وحد بعضها من جبروت البعض الآخر، فإن المغرب يعيش واقعا سياسيا ممتدا، حاولت الحركة الوطنية كسره، وعملت على أن تكون شريكة في الحكم، لكنها لم تحقق اختراقات حاسمة، فسرعان ما تعود الأمور إلى سابق عهدها. تتوالى الانتخابات، الدساتير، لكن البنية العميقة لممارسة السياسة في ظل اختلال كبير لموازين القوى تبقي هي هي. 3- وما الذي يفسر كون هذه البنية العميقة عصية على الدمقرطة؟ البنى لا تقرر ولا تقبل أو ترفض التغيير، من يفعل ذلك هم الفاعلون داخلها. عموما، لم يعش المغرب انقطاعا في تاريخه، حتى الاستعمار الذي شكل قطيعة في معظم البلدان كان في بلدنا، وبفعل سياسة المقيم العام الفرنسي ليوطي، أحد بناة استمرارية البنى في المغرب. المغربي، بصفة عامة، محافظ يخاف التغيير، ويميل دوما، وفي مفاصل تاريخية حاسمة، إلى التوافق غير المنتج، الذي يكرس في النهاية انتصار الماضي. ولاستعصاء البنية السياسية على التغيير أسباب تاريخية، سياسية واجتماعية وثقافية وحتى نفسية. لعل أهمها في ما يخصنا من التاريخ القريب هو أن مطلب التغيير الحقيقي، ورغم التضحيات الكبيرة لمن آمنوا به، كان شأنا نخبويا هشا تسهل محاصرته وخيانته والالتفاف عليه لكي لا يتحول إلى قوة اجتماعية كاسحة. لا يخترع من يريدون تأبيد الماضي العجلة في كل مرة. إنهم يغترفون من التراث السياسي الذي جرب سابقا وأثبت نجاعته: إنهاك النخب، شرذمتها، اصطناع خدام داخلها، فصلها تدريجيا عن قواعدها الاجتماعية، إغراؤها بالامتيازات، تخويفها، إنهاء مصداقيتها، وإفراغها ولفظها إلى مزبلة التاريخ في النهاية. 4- يتم كثيرا ترويج فكرة أن المغربي محافظ بطبعه، ويخاف التغيير، أليست غاية هذا الطرح هي تأبيد الاستمرارية، بدليل أن تضحيات المغاربة كانت كبيرة خلال العقود الماضية، ولا تقل جسامة عن تضحيات شعوب أخرى من أجل الديمقراطية؟ أتحدث عن المحافظة بالمعنى الشامل الذي يطال السلوك اليومي والرؤية للعالم. لقد امتلك المجتمع المغربي دوما ميكانيزمات لمحاربة الجديد واستيعابه وتقليم أظافره، سواء بالمذهب الفقهي أو برعاية انقسامية تتوازن فيها العناصر في إطار ثبات يمنع سيطرة عنصر على العناصر الأخرى، وبنمط للأسرة وبشكل تعليم لا يحفز على النقد وإعمال العقل. نخب المغرب صناعة مغربية خالصة، وهي تعكس مستوى وعي الشعب. لقد عجز البلد حتى الآن عن تعميم التعليم والرعاية الصحية، لكنه نجح نجاحا باهرا في تعميم الضحالة، ومظاهر هذا متعددة، يكفي أن نذكر منها خطب «الزعماء» السياسيين، ومستوى النقاش في البرلمان. حتى من نأوا بأنفسهم عن الضحالة تتم جرجرتهم إلى وحلها عن طريق الكذب والافتراء. لا غرابة أن تشهد السنوات الأخيرة إعلاء مدهشا لشأن من لا يملكون من الموهبة إلا القدرة على الشتيمة واختلاق الأكاذيب وإرضاء الغوغاء، بتمريغ أعراض الناس في التراب. كأن البعض يصر على ألا تكون لهذا البلد رموز ومراجع وشخصيات وطنية يثق فيها. كتب أحدهم حين كان الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي يتولى المسؤولية: «علينا أن نعمل جميعا لكي لا يموت اليوسفي كرجل وطني». ويا لها من مهمة! ويتكرر الأمر نفسه، وبصيغ أخرى، مع آخرين. حتى الدفن السياسي اللبق والرحيم لا نتقنه. أذكر بالمناسبة أنني فوجئت حين زرت ضيعة صغيرة جدا لصديق (6 هكتارات رملية تصعب فلاحتها)، ولم أشاهد حصانا واحدا من الخيل التي احترف أحدهم الحديث عنها مهاجما إياه. أحس بدهشتي فقال لي ساخرا: «هذه هي الضيعة التي أسالت من الحبر أكثر من حجمها». لا أميل إلى تقديس الشعوب، فالشعوب ترتكب كوارث في حق نفسها، خصوصا إذا كان الجهل معششا في أوساطها. ليس هناك حس سليم لدى شعب ما مع تعليم سيئ وغير منصف، ومع فقر مزر بالكرامة، والتجارب علمتنا دوما أن الحشود ترتاح إلى الأوهام وإلى من يتلاعب بعواطفها، وتكره الحقائق. 5 – هل تقصد أن المدخل الأساس لإصلاح هذه الأعطاب يكمن في التعليم؟ طبعا، لا يمكن القيام بإصلاح عميق دون الانكباب على مشكل التعليم، إنه الرجل المريض في الدولة، ومرضه معدٍ، وكل مفاصل الوطن تتداعى له بالسهر والحمى. لكن إصلاح التعليم ليس أمرا تقنيا، ولا يجب أن يرتهن بما نرصده له من إمكانيات. الأمر أبعد من ذلك بكثير، وإلا كانت الملايير التي تم تبديدها في برامج فاشلة، قد حققت الغرض منها. ثم إن دولا عدة، وبإمكانيات ضعيفة، بنت تعليما قويا وناجعا. لإصلاح التعليم لا بد من مشروع مجتمعي جديد، تكون غايته بناء إنسان في مستوى تحديات العصر.. إنسان المعرفة والانفتاح والعقل والإنتاجية. هل نريد هذا الإنسان؟ هل نسعى إلى بنائه؟ يبدو لي أن الحقيقة مفجعة، نحن لم نستقر في الإصلاح، ودخلنا منذ عقود في دوامة إصلاح الإصلاح، لأننا لم نتوافق على سمات إنسان الغد الذي تبنيه المدرسة. لو أنك تصفحت الكتب المدرسية، وحاولت أن تجمع القيم التي تدافع عنها المدرسة من خلال هذه الكتب، ستجد أنها متنافرة ملفقة، تعطينا دوما الشخصية المركبة التي وصفها بول باسكون بأنها شخصية تتعايش داخلها النقائض والعصور والمراجع. 6 – وهذا الوضع غالبا ما يربطه البعض بغياب الإرادة السياسية، لكن، كيف يمكنك أن تقنع بأن أزمة المدرسة فيها نفع ومصلحة لماسك القرار والإرادة السياسة؟ خطورة التعليم تكمن في كونه مختبرا لبناء المستقبل، مع تعليم يهدر الطاقات الكل خاسر، لذلك ينبغي أن يكون في منآى عن أي استثمار سياسوي أو هوياتي ضيق، وبلا أفق. أعتقد أن التعليم يجب أن يكون قويا يخدم الجميع، يوفر الأطر المقتدرة والمؤهلة لإدارة دواليب الدولة، ويخلق مواطنا يعرف حقوقه وواجباته، ومن خلال هذا المواطن يخلق مجتمعا قويا منتجا ومتماسكا. لا أعتقد أن هناك من هو مرتاح إلى حالة تعليمنا، لأن الكل قلق، ويعرف خطورة هذا التعليم الضعيف الذي يضيف في كل مرة جيلا جديدا إلى قائمة ضحاياه. 7 – ما الدور الذي يمكن للنخبة المثقفة أن تسهم به للخروج من هذا النفق؟ للمثقف دور كبير خصوصا في البلدان التي لا تملك فيها الشعوب وسائل للتعبير عن نفسها بكيفية واعية وواضحة، في البلدان التي تعمل فيها الأجهزة الإيديولوجية للدولة على صناعة الرأي الواحد والموقف الواحد، في البلدان التي تهوى الإجماعات بما فيها المصطنعة والزائفة، ولا ترتاح إلا حين تسحق الرأي المغاير والمختلف. على المثقف والكاتب والمبدع في هذه البلدان أن يقول ما ينبغي قوله، وأن يكشف ما ينبغي كشفه، وأن يقوض ما ينبغي تقويضه. لا خيار له إن أراد أن يكون في مستوى اللحظة التاريخية. عليه أيضا وهو يرعى انتصار الحقيقة أن يصنع الجمال. صناعة الجمال في الفنون التشكيلية والشعر والقصة والمسرح والرواية، هي أعظم مقاومة يمكن أن يقوم بها فرد في وجه تعميم الضحالة، وفي مدن تصنع القبح يوميا، وتغتال كل الأحاسيس الرقيقة. وبما أننا نعيش سطوة الماضي في كل شيء، فإنني أرى واجب المثقف الأول هو أن ينتصر للحداثة، ولصورة مجتمع متحرر، كل واحد فيه مسؤول عن جسده وحياته الشخصية يفعل بهما ما يشاء. هناك موجة من التدين الاستعراضي النكوصي الذي انزاح عن الإسلام البسيط المتسامح والمتفتح الذي نشأنا فيه، ويريد إلغاء قرون من تطور البشرية، كأنها لا شيء، ولا يمكن لهذه الموجة إلا أن تعمق التخلف والاندحار في كل مرافق الحياة، ومن واجب المثقف التصدي لها. 8 – هل ترى أن نخبتنا تقوم بهذا الدور فعلا؟ ولدت الثقافة المغربية المعاصرة في قلب الحركة الوطنية، وكان الفاعل الثقافي فاعلا سياسيا أيضا، وله موقع تنظيمي، وكان يستفيد من أجهزة الحزب وأذرعه الإعلامية والتنظيمية وتضامن الرفاق لتبليغ مواقفه، لذلك كنا نحس بدور المثقف رغم الأمية المتفشية وضعف نسب القراءة، يمكن أن أعطيك أمثلة هنا بعابد الجابري وعبد الله العروي ومحمد جسوس وعبد الكريم غلاب وبول باسكون وعزيز بلال. بعد تآكل أحزاب الحركة الوطنية وتفتتها، وتحويلها إلى دكاكين لا تملك لنفسها نفعا أو ضرا، ومع انتصار الضحالة، واستواء معظم الأحزاب على فكرة أنها ليست معنية بتقديم رؤية وتصور عميقين للبلد ولمشاكله، التي تحتاج بالضرورة إلى إسهام العارف والباحث والمنظر، ازدادت الفجوة في البلد بين السلطة ومن يدور في فلكها وبين المعرفة. يكفي هنا أن أحيلك على خطب الفاعل السياسي لتتأكد من هذا. البلد معطاء، وفيه طاقات فكرية وإبداعية كبيرة، معظمها ابتعد وترك المجال للمختصين الجدد الذي يتكلمون بسطحية مدهشة في مواضيع اختصاصهم، ورؤساء مراكز البحوث الوهمية الذين يميلون حيث مالت ريح السلطة، ففي أقل تقدير صار هؤلاء يرون البلد كفرن حداد لا يمكن لمن دخله أن يخرج بثياب نظيفة، غير أن كل هذا لا يعفي المثقف من المسؤولية. 9- خلال اللقاء الذي استضافته مؤسسة «بوعبيد»، قلت إن الحل أمام تعميم ما وصفته ب«الضحالة»، يكمن في الاهتمام باللغة، كيف ذلك؟ ينبغي إنقاذ اللغة، نحن شعب يخون اللغة يوميا حتى أتى علينا حين من الدهر صرنا نتكلم اللغة نفسها ونستعمل المفاهيم نفسها. وفي العقد الأخير نظمت غارات على تراث اليسار اللغوي والمفاهيمي، وصار الجميع يغترف منه، أحزاب الإدارة ورجال الدولة وعموم الفاعلين. وقد أسهم اليساريون التائبون بدورهم، وهم يدخلون دواليب الدولة، في نشر لغة محنطة تخفي أكثر مما تفصح. إن أعظم ما يمكن أن يقع لشعب يمكن رؤيته في اللغة. إنها مرآة البلد وحمالة روحه، ويكفي سماع نقاش سياسي لمعرفة خيانة اللغة. قيل قديما تكلم لأعرفك، فكلامك سيفصح عن هويتك، وكل كلمة تقولها تحمل أثرا منك، ولنا أن نتساءل حين نسمع زعيم حزب ولد في قماط السلطة محاط بمنتفعين، يتحدث عن مناضلي الحزب، وعن جماهير، وقواعد، ونضال… ما هذا البهتان الكبير الذي صرنا نعيشه؟ وما لغة الفصام هذه التي لا تقول سوى الهوة التي تفصلها عن الواقع والحقيقة؟ بإمكاننا، وبإنصات كبير إلى اللغة، أن نعرف في مجتمعات أخرى القوى المتدافعة والمشاريع السياسية المتباينة، وأن نعرف بالأساس الأفكار الكبرى المتصارعة. هل بإمكاننا تبين ذلك في بلدنا؟ الجواب واضح. 10- تبدو تحليلاتك متشائمة، لماذا؟ بعد نهاية مقابلة المغرب والكوت ديفوار خرجت إلى الشارع مثلما فعل معظم المغاربة، لتقاسم فرح مستحق. رأيت سيلا من الشباب تقل أعمارهم عن العشرين، كانوا يتقدون حماسا وحيوية، تساءلت بانقباض في القلب: كيف نهدر كل هذه الطاقة الرهيبة ولا نوظفها في بناء دولة قوية عادلة توزع الثروات والمسؤوليات بين جميع مواطنيها بإنصاف؟ شبابنا بلا قضية، وننظر إليه كمشكل، فيما الكنز الحقيقي الذي تملكه الشعوب هو طاقات سكانها. سأبقى متشائما ما بقيت مؤشرات التنمية متدنية وبعضها مهين. في كثير من الأمور ندور في حلقة مفرغة. 11- في رواية «المغاربة»، أيضا، اخترت الراوي أعمى، وعلى لسانه كتبت تاريخ شعب كأنه حلقات متصلة من العنف والعبث والخدعة، أليس هذا قاسيا؟ لماذا لم ننجح في الإصلاح رغم محاولاتنا منذ القرن السادس عشر؟ لماذا ننجح في شحذ الهمم حين يكون الوطن في خطر، ونتراخى حين يتعلق الأمر بتطوير البلد نحو الأفضل؟ لماذا نخاف القطع مع الماضي؟ لماذا لا نرتاح إلا حين نكون وسط بازار تتعايش فيه الحقب؟ هناك عمى ملموس في البلد، يجعلنا نفشل دوما في الإصلاح، ويجعلنا في كثير من الأحيان ندك ما نحرثه كالجمل. ما جرى للأعمى حقيقي، والقصة واقعية، وقد رأيت فيها خير تعبير عن بلد يلتذ فيه المقهورون بقهر بعضهم البعض. 12- لكن، يبدو لي أنك كنت قاسيا مع المغاربة، وقدمت صورة قاتمة عنهم، لا أدري هل هي مطابقة حقا لواقعهم التاريخي، فيما كان الهدف من الرواية محاكمة السلطة وبنياتها العميقة، أليس كذلك؟ قال «ماريو فارغاس يوسا» ذات مقال: على الكاتب أن يرتكب دوما الجريمة العاطفية تجاه الأمكنة التي يحبها، فيسعى إلى قتلها ليولد داخلها مكان آخر أرحم وأجمل. وظيفة الكاتب المثلى هي أن يُقوض ويهدم ويكشف القمامة المخفية في ركن البيت، لذلك، حاولت في ‘‘المغاربة'' أن ألامس ما يُبقي هذا البلد على ما هو عليه. هناك بنية جامدة يتحمل الكل نصيبا في ثباتها. فالمخزن مسؤول طبعا، لكن مواطنا يبيع صوته ب20 درهما مسؤول أيضا. تعرف أن هناك شعوبا أفقر منا، ولمواطنيها حس كرامة وأنفة يمنعهم من بيع أصواتهم. الشعب مسؤول أيضا، وكما تكونوا يولى عنكم. نحتاج أحيانا إلى القسوة لنقدم خدمة للوطن الذي نعيش فيه. كبرنا في ظل التلفزة الواحدة، والصوت الواحد، الذي يتحدث عن رخاء وازدهار لم نكن نرى منه شيئا خارج التلفزة. كبرنا ونحن نرى قطرات مطر لا تبلل شفة عطشان تُوصف بأمطار الخير. كبرنا ونحن نسمع عن جنة نعيش فيها لكننا لا نلمس أي فاكهة من فواكهها، فلا ضير في أن نقسو قليلا على هذا الوطن الذي سترته لعقود بلاغة فصام وإنكار للواقع.