هل ما زال للسياسة معنى في المغرب؟ وهل ما زالت السياسية مُغرية بالنسبة للمغاربة، وخاصة الشباب؟ وما العمل لإخراج الفعل السياسي في المغرب من الأزمة التي يتخبط فيها منذ سنوات؟ أسئلة ضمن أخرى حاول فاعلون من مختلف المشارب الإجابة عنها في مائدة مستديرة نظمتها مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد بسلا. القاسم المشترك بين المتدخلين في المائدة المستديرة هو أنّ السياسة في المغرب تشهد أزمة حقيقية لعدة أسباب، من بينها افتقار السياسة في المغرب إلى بنْية مفتوحة تجعلها مُستقطبا للراغبين في الانخراط في العمل السياسي، حسب عبد الكريم جويطي، الروائي والكاتب المغربي، مُعتبرا أنّ سبب انغلاق السياسة في المغرب يعود إلى كون الدولة بُنيت على قاعدة القوّة والسيطرة. وعاد جويطي إلى عهد السلطان مولاي إسماعيل الذي استعان بالقوة لمواجهة الشيخ اليوسي، وإلى عهد محمد بن عبد الله الذي عمد إلى تدمير وإحراق الزاوية الشرقاوية، بعدما لم تكن السلطة في السابق تتجرأ على الاقتراب من دائرة العلماء وكانت تبني معهم علاقة توازن، معتبرا أن إحراق زاوية كان رسالة إلى المجتمع مفادها ألا أحد يمكن أن يكون في مستوى السلطة وأن الجميع يجب أن يخضع لسيطرتها. واعتبر جويطي أنّ من أسباب أزمة السياسة في المغرب، حاليا، غياب رموز سياسية يُقتدى بها، ومالكة لخطاب سياسي قوي وجذاب، قائلا: "الدولة نجحت في تعليم الضحالة والرداءة للناشئة، حتى لا يكون هناك رمز يُقتدى به، ويكفي أن يتابع المرء جلسات البرلمان ليقتنع بأنه ليس هناك قادة سياسيون وليست هناك سياسة، فكيف يمكن أن ينخرط الشباب في السياسة وهم يَرَوْن أن الكل مُبهدل؟". في الإطار ذاته، قال عبد الرحمان العمراني، ناشط سياسي، إنّ من أسباب أزمة السياسة في المغرب انفصالها عن أي مرجعية ثقافية أو إيديولوجية؛ وذلك بسبب تنامي السياسة التكنوقراطية، إضافة إلى غياب استقلالية المجال السياسي، وغياب رؤية واضحة لدى الفاعلين السياسيين، وغياب مشروع مجتمعي واضح، مضيفا: "المجتمع لم يعُد يُنتج الحلم". المشاركون في المائدة المستديرة حمّلوا مسؤولية أزمة السياسة في المغرب إلى الفاعلين السياسيين، لعدم قدرتهم على ملء الفراغ الذي خلفه القادة السابقون. وقال زكرياء كرطي، وهو فاعل جمعوي، في هذا الإطار، إن السياسة "تتطلب رجالا شجعانا"، مضيفا: "في الماضي كان هناك قادة سياسيون يحترمهم الجميع، بمن في ذلك الملك، بينما هؤلاء السياسيون اليوم ضعفاء، لم يعد أحد يحترمهم، حتى إن الملك خاطب البرلمانيين بالصُم البكم العُمي الذين لا يعقلون". وحاول المشاركون في المائدة المستديرة البحث عن جواب لسؤال كيف يمكن دفع الشباب المغربي إلى أن يثق في العمل السياسي. واعتبرت نجاة الزاوي، عضو الائتلاف المدني للمرافعة من أجل قضايا الجبل، أن الجواب عن هذا السؤال صعب في ظل عدم وجود مؤشرات دالة على وجود رغبة في جعل العمل السياسي مغريا بالنسبة للشباب، واستدلت بالوثيقة الدستورية التي قالت إنها أعطت أمَلا سرعان ما خاب، بسبب عدم تفعيل كثير من مقتضياتها، متسائلة: "ما الغاية، إذن، من تحيين الدستور سنة 2011 إذا لم تكن هناك رغبة في تطبيقه؟". وجوابا على سؤل حول السبيل إلى إخراج السياسة المغربية من أزمتها، قال عبد الكريم جويطي، إنّ الحلّ يكمن في إنقاذ اللغة المستعملة في الساحة السياسية؛ ذلك أن الجميع بات، بحسبه، يتبنى خطابا واحدا، "بل إن الدولة بنفسها أصبحت تتبنّى الخطاب الذي يرفعه الشعب المحتج، وأصبحت الأحزاب الإدارية تتحدث بلغة اليسار"، موضحا: "لم يعد هنالك تمايُز في اللغة، بينما في فرنسا، مثلا، حين يتحدث أي سياسي تعرف، من خطابه، أنه ينتمي إلى اليمين أو اليسار". وذهب صاحب رواية "المغاربة" إلى القول إنّ "خيانة اللغة" هي التي أدت إلى بروز فجوة هائلة بين الواقع والخطاب المتداول، مشيرا، في هذا الإطار، إلى التناقض اللافت في الخطاب الذي واكب مرحلة التعبئة للتصويت على الدستور بعد تعديله سنة 2011، وانخراط أطراف توصف بالمحافظة في الدعاية له، رغم أنه قيل إنه دستور حداثي، "تصوّروا أنّ الزاوية البودشيشيّة خرجت في مسيرات للدفاع عن الدستور الديمقراطي الحداثي"، يقول جويطي مستغربا.