من الواضح جدا لكل ذي عقل و بصيرة ان حزب المصباح قد وصل الى منتهاه و ان مرجعيته التي كانت يوما ما توصف على انها اسلامية معتدلة قد فقدت كل قيمة مضافة في عالم السياسة، في الايام القليلة الماضية توالت احداث عدة لا تفسير لها الا الفشل الذريع للسياسات الارتجالية التي وضعها هذا الحزب لتدبير الشان العام، فما زادت الطين الا بلة و الوضع الا تعقيدا و توترا. ليس هذا فقط، لقد اتبث الحزب خلال اقل من سنتين انه جزء من منظومة الفساد و الاستبداد التي طالما انتقدها و بنى عليها حملته الانتخابية. كانت البداية عندما قرر حزب الاستقلال الانسحاب من الحكومة في ضربة غير مسبوقة في المشهد السياسي المغربي، فجأة و بدون مقدمات صار حزب الاستقلال الشماعة التي تعلق عليها كل الشرور و الموبيقات و فتح انصار حزب المصباح النار في الجرائد و المجلات و المواقع الالكترونية، و شبكات التواصل الاجتماعي على الحزب الفاسد و المفسد الذي قاد المغرب نحو الهاوية مند فجر الاستقلال الى اليوم، هذه هي خلاصة كلامهم ناسين انه كان منذ ايام معدودات حليفهم، مربط الفرس هنا هو ان هذا الانسحاب يعتبر ليس فقط ضربة سياسية من منافس او خصم سياسي بل كان في العمق اسقاط لكل المقومات التي بنى عليها حزب العدالة خطابه السياسي، الم يعتمد الحزب على فكرة الاصلاح من داخل المؤسسات؟؟ اذا كانت سياساته المبدئية عارضها اقرب حلفاءه فمع من سيصلح اذن في القادم من الايام؟؟ او ليس حزب الاستقلال هو الحزب اليميني و المحافظ الوحيد القريب سياسيا و ايديولوجيا لحزب بنكيران واخوانه؟؟ لعل هذه الاسئلة تفسر الى حد ما تعثر المفاوضات لحد الساعة مع حزب التجمع الوطني للاحرار. كانت الضربة الثانية من عند المخزن او الدولة العميقة و التي يحلوا لانصار الحزب و حركته نعتها بذلك، ربما تاثرا بالحالة المصرية. و ان كانوا لا يصارحون الرأي العام بمدى عمق هاته الدولة الحقيقي، على كل حال في احد الايام من عمر هذه الحكومة قررت جهات ما و بموجب قرار ما اغلاق دور القران التي يديرها الفقيه السلفي المغراوي و تلميذه القباج، ربما يتبادر الى الذهن انه حدث هامشي و لكننا نقرأه على انه حدث محوري في فشل السيد رئيس الحكومة في تحقيق ولو النزر اليسير من تعهداته الانتخابية. من المعلوم ان التيار السلفي التقليدي يشكل قاعدة انتخابية هائلة لحزب المصباح لاعتبارات متعددة، منها ان هذا التيار لا يتوفر على خيار سياسي اخر و ايضا لان عددا من رموز حزب العدالة و التنمية مثل الرميد و بها هم اصلا سلفيو المنشأ و الهوى، تعتمد علاقة الحزب بهذا التيار على مبدأ تبدال المنافع و المصالح حيث يوفر الفقهاء الدعم الانتخابي اللازم لانجاح مرشحي المصباح مقابل تقديم الحزب نفسه كمدافع عنهم امام السلطة و حامي نمط التدين التقليدي و مؤسساته الاهلية من دور، جمعيات و انشطة خيرية. من هنا تاتي قراءة هذا الحدث من زواية ان الحزب فشل في اقناع السلطة الحقيقية في الابقاء على هامش النشاط الديني لهذا التيار خارج الحقل الرسمي،و بالتالي حنث بوعده لحلفائه السلفيين. الازمة الاقتصادية المتفاقمة في البلد من جراء الاجراءات اللاشعبية التي نهجها الحزب في توجه واضح نحو اليمينية الاقتصادية و اعتماد الراسمالية المتوحشة كخطة اقتصادية، اظهر جانبا اخر من الفشل الاستراتيجي ليس فقط لسياسة الحكومة، بل لكل المنظومة القيمية التي استندت عليها دعوته من داخل حركة التوحيد و الاصلاح و خارجها، فالحزب الذي حشد له فقهاؤه جماهير من الطبقة الوسطى و الفقراء ، انحاز بشكل سافر للاقوياء من لوبيات الشركات و الابناك وغيرهم. بعد سنتين من وصوله الى رئاسة الحكومة لم ير المواطن الا الزيادات في الاسعار و التراجع عن كل المكتسبات الاجتماعية ، فتم التنصل من اتفاقات 26 ابريل مع النقابات و 20 يوليوز مع الاطر العليا المعطلة، بل حتى المكتسبات الحقوقية التي حققها الشارع بعد هبوب رياح الربيع العربي يقف بنكيران اليوم موقف المتفرج من مجموعة من الخروق السافرة لحقوق الانسان، هذا الرجل الذي وقف ذاث يوم بعنجهية في متؤتمر حزبه عام 2012 ليعلن نهاية حقبة التحكم و الاستبداد في المغرب، يقف اليوم موقفا مخجلا و غير اخلاقي من اعتقال صحفي قام بعمله كما علقت احدى الصحف العالمية عن قضية السيد علي انوزلا. باختصار لقد كان مشهد محاصرة مئات من الاطر العليا المعطلة لسيد الرئيس بمثابة اسدال الستار عن مسرحية تافهة و فاشلة اسمها عبد الالاه بنكيران رئيسا للحكومة. يغض النظر عن احقية هؤلاء الشباب في التوظيف ام لا ، الا ان فشل الحكومة، اي حكومة في استثمار و استغلال طاقة شباب متعلم في ما ينفع البلاد و العباد هو امر غاية في الخطورة، فعندما لا يحل مشكل هؤلاء بطريقة من الطرق، ماذا ستفعل الدولة مع غيرهم من الشباب غير المتعلم؟؟ بل ماذا ستفعل مع الشباب المدمن و المتشرد؟؟ بل ماذا ستفعل مع العاطلين من ذوي الكفاءات المحدودة و ان كان هؤلاء لم يعرفوا بعد طريق الشارع، فهذا ليس وحده ضمانا كافيا لما ينتظر دولة تلثي سكانها من الشباب. وظيفة الدولة في العالم المعاصر هي توفير العيش الكريم للمواطنين، باخنصار توفير المجالات الاساسية في حياة الكائن البشري وهي التعليم ، الصحة و الشغل، قد تختلف الحكومات من حيث المرجعيات و البرامج و الطرق المعتمدة للوصول الى هذه الغاية، لكن في النهاية يجب ان تصل، و الا فان الاستقرار الاجتماعي للبلد سيكون هو الثمن، لقد اتبث السيد بنكيران ان حكومته ربما كانت من اسوأ الحكومات في هذا المضمار. فشل على جميع الاصعدة، بل و اتهام للمخالفين والمعارضين بالتامر و التشويش، حكومة تمنع المواطنين حق الاعتراض، تصادر الكلمة وتعتقل الضمائر، هي حكومة حان أوان رحيلها.