ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    «كوب-29».. الموافقة على «ما لا يقل» عن 300 مليار دولار سنويا من التمويلات المناخية لفائدة البلدان النامية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الدرهم "شبه مستقر" مقابل الأورو    نظام العالم الآخر بين الصدمة والتكرار الخاطئ.. المغرب اليوم يقف أكثر قوة ووحدة من أي وقت مضى    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    حارس اتحاد طنجة الشاب ريان أزواغ يتلقى دعما نفسيا بعد مباراة الديربي    نهيان بن مبارك يفتتح فعاليات المؤتمر السادس لمستجدات الطب الباطني 2024    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    افتتاح 5 مراكز صحية بجهة الداخلة    إقليم الحوز.. استفادة أزيد من 500 شخص بجماعة أنكال من خدمات قافلة طبية    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    الإعلام البريطاني يعتبر قرار الجنائية الدولية في حق نتنياهو وغالانت "غير مسبوق"    موجة نزوح جديدة بعد أوامر إسرائيلية بإخلاء حي في غزة    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    الأمن الإقليمي بالعرائش يحبط محاولة هجرة غير شرعية لخمسة قاصرين مغاربة    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    عمر حجيرة يترأس دورة المجلس الاقليمي لحزب الاستقلال بوجدة    ترامب يستكمل تشكيلة حكومته باختيار بروك رولينز وزيرة للزراعة    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    "طنجة المتوسط" يرفع رقم معاملاته لما يفوق 3 مليارات درهم في 9 أشهر فقط    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باحث: العدالة والتنمية أنيط به دور إعادة الشرعية للملكية
نشر في لكم يوم 30 - 01 - 2012

قال الباحث هاوس سنيجر، المتخصص في سوسيلوجيا الحركات الإسلامية في المغرب، إن حزب العدالة والتنمية قد أنيط به دور إعادة الشرعية للملكية أو القصر. وأضاف أن النظام الملكي يوظف بدهاء جميع التيارات والاتجاهات التي يتم التعبير عنها في المجال الديني، ويلعب على تناقضاتها، بدعمه صنفا من الحركات أو الأشخاص المكونين لهذا المجال.
وجاء في حوار أجراه الباحث الذي ينجز أطروحة حول "الإسلاميين في المغرب"، خص به موقع "أمة" أن "السلفيين والإسلاميين يشتركون في منح الشرعية المطلقة للملك والمؤسسات الملكية". لذلك فالقصر في نظره "ينظر بعين الرضى لهذا التطور الذي يسهل استمرار هيمنته على المجالات السياسية والدينية ويجعل من هذين الحليفين مساعدين لتضييق الخناق على كل من يزعجه بدءاً بجماعة العدل والإحسان التي يكن لها السلفيون خصومة شديدة".
وكشف الباحث أن أفكار السلفيين "تزدهر ويتم الترويج لها بمباركة من أعلى مستويات الدولة، بدءاً ببعض رجال الدين ذوي الشهرة والذين يتلقون الدعم المالي من خزينة الدولة ومن ثم لا يخرجون عن سلطتها". وفيما يلي الترجمة العربية لنص الحدث مع التقديم الذي وضعه له الموقع الذي نشره:
هاوس سنيجر Haoues Seniguer محاضر سابق في الفلسفة والعلوم السياسية في جامعة ليون الثاني كل الأعمار (2010-2011). وهو حاليا ملحق مؤقت للتدريس والبحث (ATER) في معهد العلوم السياسية بمدينة ليون وعضو جريموGREMMO. تكوينه في مادة الفلسفة (الفلسفة العربية في القرون الوسطى، الفلسفة الإسلامية والمسيحية)، وهو بصدد إتمام أطروحة في العلوم السياسية حول "الإسلاميين في المغرب".
حسب رأيكم هل استفاد حزب العدالة و التنمية من أصوات السلفيين؟
نعم، وبكل تأكيد. لقد أجريت مؤخرا تحقيقا في الميدان مكنني من الاطلاع على شهادات وكتابات تصب كلها في هذا الاتجاه (جزء منها لا زال لم ينشر)، وهي تؤكد وجود نفس الظاهرة في العالم العربي بأكمله، حيث يتقدم التيار السلفي بما في ذلك ضمن صفوف الإسلاميين المعترف بهم والمتصالحين مع أنظمة الحكم، مثل حزب العدالة والتنمية تحديداً.
وهذا قد يشكل لنا شيئا جديدا أو نصف مفاجأة لأنه في الماضي، كان السلفيون والإسلاميين في خصام ونزاع مستمرين من حيث الخطاب العلمي، وفي بعض الأحيان بخلفية غير بريئة. ولذلك تنهار فكرة الاصطدام التقليدي بين الإسلاميين والسلفيين التي كانت مهيمنة هنا وهناك في العالم الإسلامي والتي يبدو وكأنها انتهت.
علاوة على ذلك، وقبل الحديث عن هذا الدعم الجديد، هذا "التأثر بالفكر السلفي" (الذي يوجد عند الإخوان المسلمين كما سبق وأوضحه بإتقان المرحوم حسام تمام) أصبح جليا على مستوى قاعدة مناضلي العدالة والتنمية أو "الأصوليون الجدد" وعلى وجه التحديد، حركة التوحيد والإصلاح (ح ت إ). إن هذا التنظيم، بالإضافة إلى وجود سلفيين من بين أعضاءه، قام بشكل غير رسمي بحملة انتخابية لفائدة حزب المصباح الذي هو جزء هام من طاقاته الرئيسية على الرغم من التصريحات المتكررة حول التمييز بين الحزب الإسلامي والحركة وحول الاستقلال المزعوم عن بعضهما، والذي يخالفه الواقع.
إن الحركة ، على حد تعبير أحد الأصدقاء الصحفيين المغاربة، هي "النواة الصلبة للحزب" وأعضاءها ينتجون النصوص ذات الصبغة الدينية لمرافقة وتبرير العمل السياسي، ويقومون علاوة على ذلك، بالتعبئة في الفضاء الاجتماعي لإعادة الربط بين المرجعية الدينية وجميع مناحي الحياة الخاصة والعامة لأن الإسلام في نظرهم هو مبدأ ووسيلة وغاية. وهم يعبرون عن ذلك بصيغة تتكرر في أدبياتهم: "إقامة الدين على مستوى الدولة ". هنا يتجلى التشبث بحلم " الدولة الإسلامية " التي لا يجاهرون بها علنا!
الآن، وللتدليل على هذا التقارب بين الإسلاميين والسلفيين، سأطرح وسأعلق على ثلاثة عناصر على الأقل: أولاً، عندما نتفحص بالتفصيل و حسب الجهات خريطة النتائج التي حصلت عليها الأحزاب في الانتخابات التشريعية الأخيرة، من اللافت أن العدالة والتنمية الذي كان إلى اليوم غائبا تماما في منطقة مراكش تانسيفت الحوز، قد حصل فيها على الصدارة وبشكل مريح جداً، فظفر بثمانية مقاعد انضاف إليها مقعدان آخران في القائمة الوطنية.
أما حزب الأصالة والمعاصرة لصاحبه " فؤاد عالي الهمة " الذي رقي إلى رتبة مستشار الملك، فقد جاء في المرتبة الثانية رغم انتماء هذا الأخير للمنطقة المعنية. إن حزب العدالة والتنمية نجح إلى حد ما، ولو أننا لا ينبغي أن نبالغ في الأمر، في كسر منطق الأعيان التقليدي عن طريق تعزيز خطاب الأخوة "الإسلامية" في خدمة القرب من الناس وتجاوز جميع "الوساطات" كما شرح لنا ذلك أحد أطر الحزب اجتمعنا به مؤخرا في الرباط.
ومراكش هو بالضبط المكان الذي عرف ولادة ونشأة الحركات السلفية المغربية. كما أن خطاب الوعظ السلفي تطور هناك منذ أوائل السبعينات من القرن الماضي، نفس الفترة التي عرفت نشأة الحركة الإسلامية. ومن ثم ليس من الصحيح اعتبار التيار السلفي كنتيجة طبيعية لتطور الإسلام السياسي، ولذلك فالسلفيون لا يحملون بالضرورة خيبة أمل من هذا الأخير. لقد بدأوا في مراكش بالنشاط الدعوي وإنشاء دور القرآن، تحت إشراف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية خلال تلك السنوات. كما أن مراكش هي المدينة التي تحتضن بصفة رسمية جداً المركز السلفي لجمعية الدعوة إلى القرآن والسنة ذات النفوذ و التأثير.
ثانيا، لقد حصل تقارب بين حزب العدالة والتنمية و الشيخ المغراوي الزعيم الروحي للسلفية المغربية ورئيس جمعية الدعوة إلى القرآن في مراكش. لقد عبر الشيخ صراحة عن رغبته في "تعزيز" مكانة الحزب في الحقل السياسي. هذا التصريح روج له على الخصوص دون حرج السيد أحمد الشقيري الديني - من قياديي العدالة والتنمية – يوم 29 نونبر المنصرم. كما أن السيد بنكيران استقبل الشيخ المغراوي. كل هذا يدل على وفاق وانسجام بين التيارين يبعث كليهما على السعادة و الارتياح.
إن السبب الذي دفع بهذا التقارب الموضوعي هو أن العدالة والتنمية هو الحزب الوحيد الذي يتوفر على قاعدة اجتماعية دينية هامة، فهو من جهة أخذ بعين الاعتبار المطالب الهوياتية للمغاربة في مجال السياسية المؤسساتية، ومن جهة أخرى سعى للدفاع عن السلفيين ومقاومة التجاوزات والانتهاكات الأمنية التي راحوا ضحيتها.
وأخيراً، فإن السلفيين والإسلاميين يشتركون في منح الشرعية المطلقة للملك والمؤسسات الملكية. هذا العامل حسب رأيي أحد الأسباب التي دفعت السلفيين للتصويت على الحزب ولهذا التحالف غير المتوقع. وبطبيعة الحال، فالقصر ينظر بعين الرضى لهذا التطور الذي يسهل استمرار هيمنته على المجالات السياسية والدينية ويجعل من هذين الحليفين مساعدين لتضييق الخناق على كل من يزعجه بدءاً بجماعة العدل والإحسان التي يكن لها السلفيون خصومة شديدة.
تزعمون أن السلفية حاضرة في المؤسسات الدينية المغربية؟
هنا أود أن أدرج ملاحظة دقيقة: هم ليسوا بالضرورة حاضرين مباشرة في المؤسسات الدينية (رغم أن هذا الاحتمال قائم) ولكن أفكارهم على أي حال تزدهر ويتم الترويج لها بمباركة من أعلى مستويات الدولة، بدءاً ببعض رجال الدين ذوي الشهرة والذين يتلقون الدعم المالي من خزينة الدولة ومن ثم لا يخرجون عن سلطتها. إن مواقف وأقوال الموظفين، في جميع الأحوال، سواء أرضينا ذلك أم لا، تبقى ملزمة للدولة بحكم الواقع، إلا أن يكون هناك تناقض صارخ أو تعارض كبير. ولذلك نفترض أن أجهزة الأمن تعرفهم تماما وتعرف مضمون أيديولوجيتهم. شخصيا، لقد تمكنتُ خلال السنوات الأخيرة، من خلال معاينتي للمساجد المغربية، من رصد التقارب الواضح بين الإسلاميين والسلفيين، حيث أصبح العلماء من كلا الطرفين يكمل بعضهم بعضا. و المحصلة أن تصورهم كفئتين اجتماعيين لهما تصورات متناقضة عن العالم لم يعد مبررا، الفرق الوحيد اليوم هو أن فئة تخوض العمل السياسي وتدعم تيارات للرأي و الأخرى لا تفعل ذلك.
الآن، وللإجابة المباشرة على سؤالك، سأكشف لك عما استجمعته من تصريحات خلال مقابلات عديدة مع شخصيات بارزة في المغرب ذات الرأي المسموع وسأضيف تحليلا شخصيا. في كتاب سيصدر قريبا للسيد منتصر حمادة، يشتمل الجزء الثاني المسمى: السلفية الوهابية في المغرب بين المؤسسات الدينية والحركة الإسلامية، على فصلين يلقيان الضوء على الموضوع وهما: "السلفية الوهابية في وسط المؤسسات الدينية " ثم "السلفية الوهابية في وسط الحركات الإسلامية" .
خلاصة ما قاله السيد حمادة لا يختلف بالضرورة مع من يرصد منذ سنوات تطور الحركة الإسلامية في المغرب. فمنذ سبعينات القرن الماضي سعى الحسن الثاني، كسائر رؤساء الدول في العالم الإسلامي في الفترة نفسها، لتقريب شخصيات دينية بارزة و على رأسها تقي الدين الهلالي، وهو من أبرز قيادات الحركة الإسلامية والسلفية المغربية بل الأب الفكري لبعض أطر العدالة و التنمية الحاليين وفي نفس الوقت للشيخ المغراوي نفسه. هذا الأخير يقدم أحياناً كخلفه الطبيعي.
المهم أن السلفيين يحظون منذ بداية السبعينات (ما عدا بعض فترات التوتر مع السلطة مثل هجمات نيويورك سنة 2011 والدار البيضاء سنة 2003 ) بمباركة من القصر نظرا لمنفعتهم السياسية ضد الإيديولوجيات التي توصف "بالإلحاد" و خاصة من اليسار الذي كان يرفض منذ بداية الستينات احتكار الملكية لكل السلطات. ولذلك يمكن القول أن السلطات المغربية كانت تنظر بعين الرضى للتيار السلفي لدوره أولا في "قطع رأس" اليسار وثانيا في تحقيق التوازن مع الإسلاميين.
إن بناء وازدهار "دور القرآن الكريم"، ابتداء من منتصف الثمانينات، الممولة من طرف أموال الخليج، لم يصادف أية عراقيل بل على العكس من ذلك، حظي " بمباركة السلطات" وفقا للسيد حمادة، على الرغم من بعض القيود والحظر الذي طرأ فيما بعد، والذي لم ينقض "صفقة" بين السلفيين والسلطة المركزية. هذا الصحافي يعتبر غياب رد فعل قوي من المؤسسات الدينية الرسمية بعدما أصدر الشيخ المغراوي فتوى تبيح تزويج الفتيات (9 سنوات)، أكبر دليل على وجود تواطؤ صامت. والمؤشر على ذلك حسب نظرته هو التباين بين استنكار المجتمع المدني والتصريح المحتشم الذي أدلى به آنذاك السيد أحمد الخمليشي مدير دار الحديث الحسنية وهي مؤسسة ملكية بامتياز حيث اكتفى بالقول: "ما هو مطلوب، ليس النقد الموجه للإسلام ومراجعته ولكن التمييز بين الأحكام القطعية (النصوص الدينية التي لا تقبل التغيير) و الأحكام الاجتهادية القابلة للمراجعة بشكل مستمر"، وهذا كلام لا يستنكر الفتوى بشكل واضح. بالإضافة لذلك فالعديد من خطباء المساجد تم تكوينهم في "دور القرآن" التابعة لجمعية المغراوي المنتشرة في مدن الدار البيضاء وفاس و طنجة ومراكش والقنيطرة...الخ.
لقد كان القصر دوما حريصا على الحفاظ على فضاءات الحوار والتواطؤ والمساعدة بين السلفيين وإسلاميي العدالة والتنمية لأجل سحب البساط من النشطاء الأكثر راديكالية الذين يطعنون في الشرعية السياسية- الدينية للنظام الملكي و الملك. يمكننا القول إن القصر ينتهج عمدا سياسة الحفاظ على التوازن بين الأطراف.
هل سيخضع حزب العدالة والتنمية للضغط من قواعد الأوساط السلفية؟
مما لا شك فيه لأن وصول حزب إسلامي إلى السلطة يفرز بالضرورة توقعات وطموحات من طرف المحافظين على العموم والفاعلين في الحقل الديني على الخصوص لأن الإسلام بالنسبة لهم أهم من كل شيء. وهنا قد تنشأ المزايدة ولكن الحزب قد يتمكن من ضبطها وتوجيهها. مثلا سيعزز من حرية الكلمة والعمل الديني في الفضاء الاجتماعي، سيشجع العمل الدعوي الذي يقوم به السلفيون ويشجع بناء دور جديدة للقرآن. لقد التزم الحزب أثناء الحملة الانتخابية بالمضي في اتجاه بناء فضاءات دينية جديدة لتمتين الدور التربوي والاجتماعي للإيمان في المجتمع.
كيف سيتعامل المخزن (نظام الحكم المغربي) مع صعود هذه الأحزاب الدينية؟
أعتقد أن المخزن، عن طريق وزارة الداخلية التي، وبالمناسبة لا يمسكها حزب العدالة و التنمية، يتابع وسوف يتابع عن كثب كما هي عادته، الحركات الدينية و"الأحزاب ذات المرجعية الدينية" أكثر من الأحزاب الدينية كما تقولون، يعني "لا جديد تحت الشمس". أقول بجدية أكثر كما ذكرت أعلاه، إن النظام الملكي يوظف بدهاء جميع التيارات والاتجاهات التي يتم التعبير عنها في المجال الديني. فإذا كان الميدان السياسي يتميز بالتشرذم، فنفس الوصف ينطبق على المجال الديني، ولو تم تلقيحه بتيار مهيمن، فإن القصر سيلعب على التناقضات، بدعمه صنفا من الحركات أو الأشخاص المكونين لهذا المجال.
كيف تفسرون تعيين مصطفى الرميد وزيرا العدل، وهو معروف بالدفاع عن نشطاء في ملفات قضايا الإرهاب؟
كتبتُ مؤخرا، على صفحات جريدة ليبراسيون أن حزب العدالة والتنمية قد أنيط به دور إعادة الشرعية للملكية أو القصر. وأؤكد هذا الآن. إن تعيين شخص مثل الرميد الذي يتمتع بسمعة "إيجابية"، سواء كانت مبالغا فيها من طرف المناضلين الإسلاميين أم لا، كرجل ذي قبضة الحديدية وله مبادئ، هذا التعيين يسير في اتجاه إعادة الشرعية لمؤسسة قضائية معطوبة. ولذلك فالعدالة المغربية ذات السمعة المنهارة تحتاج شخصية من هذا الصنف. فهو محامي متخصص في المسائل القضائية ومدافع عن استقلال القضاء وعن نزاهة الأحكام. ولذلك فهو الرجل المناسب للوضعية رغم أن تعيينه في هذا المنصب المرموق كان موضوع مفاوضات عسيرة بين السيد بنكيران وبعض النافذين من المحيط الملكي. بعضهم انتقده بسبب خشونته وتشدده الأخلاقي. ربما كانوا يخشون أن تنكشف بعض ملفات الدولة أمام العموم...مجرد فرضية.
ما هو هامش المناورة لدى حزب العدالة و التنمية؟
هامش ضئيل للغاية، والأمر واضح : إن الإشارات التي أرسلها الملك، بضعة أيام فقط بعد الانتخابات، لا تخطئها العين. لقد عيَّن يوم 7 دجنبر 2011 السيد فؤاد على الهمة، الخصم الشرس لإسلاميي الحزب، مستشارا له. هذا الذي هتف المتظاهرين في حركة 20 فبراير باسمه لأنه في رأيهم السبب في كثير من المصائب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية (انتهاكات أمنية، تعذيب... إلخ)، ورغم أن حزبه لم يفز في الانتخابات أصبح فجأة مستشارا للملك، مما يعتبره كثير من المغاربة تحديا واحتقارا للكتلة الناخبة. إنها إشارة سيئة جداً بعث بها النظام الملكي إلى 20 فبراير، مضمونها التجاهل.
كما عيَّن الملك مستشارا آخر وهو السيد عبد اللطيف المنوني رئيس اللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعة الدستور (يبدو أن هذا القرار مكافأة على ولاءه للملك)... كما انتُزعت وزارة الاقتصاد (التي آلت إلى وزير استقلالي مقرب من القصر ومن رجال الأعمال) من حزب العدالة والتنمية بينما كان الجميع يتوقع تعيين السيد نجيب بوليف وهو متخصص في الاقتصاد والتمويل الإسلامي. في مقابلة لي بالرباط مع ناشط من 20 فبراير، قال لي "حكومة الظل هي حكومة العدالة والتنمية والحكومة الحقيقية هي فريق المستشارين " وهو تعبير بليغ عن المخاطر التي سوف يواجهها الحزب في المدى المتوسط من حيث المصداقية على الساحة الحكومية، وهي مصداقية بدأت تتآكل بالفعل منذ قبِل بالتحالف مع أحزاب ارتبطت في الماضي بالسلطة ففقدت مصداقيتها تماما لدى شرائح واسعة من المجتمع.
لكن حذار من الاختصارات السهلة. أنا أؤيد الفرضية التالية: ليس هناك من جهة إسلاميون مع القصر (أو الملك) ومن جهة أخرى إسلاميون ضد القصر (الملك). الأمر أكثر تعقيداً، بمعنى أنه حتى داخل العدالة والتنمية وهو الحزب الذي يوصف عادة بأنه متمخزن، هناك إرادة لانتزاع مزيد من الصلاحيات من الملكية ومساحات جديدة من المعارضة أو التحدي دون مزاحمة السيادة الملكية في المسائل السياسية والاقتصادية والدينية. لقد استطاع تحقيق بعض الانتصارات الرمزية لأن جزءا من مطالبه وجدت صدى ولو غير مباشر في القصر وفي المجتمع: منها بعض الأفكار التي كانت وراء "قانون الأحزاب" لعام 2006 كالتزام الأحزاب بضرورة عقد مؤتمراتها، أو مكافحة الفساد عن طريق إنشاء الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة عام 2008، بغض النظر عن مدى فعالية هذه الهيئة.
---
تعليق الصورة: هاوس سنيجر
الحوار أجرته هيأة التحرير.
الترجمة من الفرنسية للعربية: أحمد ابن الصديق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.