جاء في قصاصة لوكالة رويترز للأنباء ما يلي: "مشكلة المهاجرين الأفارقة تؤرق المسؤولين في المغرب". فإذا كان هذا القول يعني أن المسؤولين المغاربة وفي مقدمتهم الملك محمد السادس يولون الأهمية القصوى لهذا الملف ذي الأبعاد الإقليمية والدولية الكثيرة، وهو أمر ليس وليد الساعة، فهذا صحيح إلى حد كبير. وإذا كانت الغاية منه دعم بعض الدعاوى والإشاعات حول موقف المغرب السلبي المزعوم من المهاجرين في مطلق الأحوال، فهذا لا يمت إلى الحقيقة بأي صلة. علاوة على أن إطلاق العنان لمسلسل الأكاذيب لتشويه سمعة المغرب لخدمة أغراض من لهم مصلحة سياسية أو استراتيجية في ذلك، تكذبها الوقائع الصلبة. وبالفعل، فان مسالة الهجرة وتنظيم إقامة المهاجرين في المغرب تعتبر من المسائل ذات الأهمية والحساسية الخاصة في هذا البلد الذي اصبح منذ عدة سنوات قبلة أساسية بالنسبة لموجات من المهاجرين وخاصة من بلدان جنوب الصحراء الأفريقية، ولعدد من الأوروبيين تحت ضغط الأزمة الاقتصادية العالمية التي ضربت بقوة بعض اقتصاديات دول الجوار الأوروبية. يتساوى في ذلك من حاولوا الاستقرار بمختلف الطرق الشرعية وغير الشرعية في البلاد أو من حاولوا اعتبارها نقطة وسطى وممرا إجباريا في رحلتهم إلى غيرها من بلدان الشمال. وبطبيعة الحال، فان هذه الظاهرة قد استفحلت واتخذت أبعادا خطيرة خلال السنوات الأخيرة ونجمت عنها مشكلات اجتماعية واقتصادية وسياسية إلى حد ما استوجبت الانكباب عليها من قبل مختلف المنظمات الحقوقية والإنسانية علاوة على مؤسسات الدولة المختصة بحثا عن الحلول الكفيلة بمعالجتها في ظل احترام القانون الجاري به العمل والأعراف والقوانين والمواثيق الدولية ذات الصلة بمسألة الهجرة وإقامة المهاجرين وحقوق الانسان الاساسية في مختلف أنحاء العالم. وفي سياق هذا الاهتمام والتعاطي الجدي مع هذه الظاهرة التي تقض مضاجع مختلف دول العالم والمنظمات الإقليمية والدولية انكب المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب على دراسة الموضوع واصدر تقريرا شاملا تحت عنوان: "الأجانب وحقوق الإنسان بالمغرب: من أجل سياسة جديدة قي مجال اللجوء والهجرة" يتضمن توصيفا لظاهرة الهجرة وموجاتها المتلاحقة، إلى جانب توصيات برسم مختلف مؤسسات الدولة والنقابات والمجتمع المدني يرى المجلس أنها كفيلة بوضع الجهود المبذولة من قبل الدولة المغربية على سكتها الصحيحة على مختلف المستويات الدستورية والتشريعية والاجتماعية والإنسانية وذلك تحت ذلك العنوان الشامل الذي يحمل في حد ذاته دلالات معبرة عن الاهتمام الذي يوليه المجلس الوطني لحقوق الإنسان لهذه الظاهرة والجهود الذي قامت بها السلطات العمومية في البحث عن الحلول الناجعة لها في ظل المسعى المغربي العام إلى تكريس بناء الدولة الديمقراطية الحديثة. وقد جاء تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول الهجرة وقوانين الإقامة في المغرب ليفند عددا من الدعاوى حول أوضاع حقوق الإنسان في المغرب وليؤكد في المقابل على عدد من الإنجازات التي أصبحت مكتسبات الدولة الحديثة يمكن البناء عليها لتشييد صرح المغرب الجديد، وبذلك يكرس منهجية أصبحت السمة الرئيسية في مقاربة مختلف المؤسسات الوطنية ذات الطابع الحقوقي والمدني التي تقوم على دعائم أساسية اهمها: أولا، وصف الحالة السائدة في المجال المعروض على أنظار المؤسسة المعنية وإبراز مختلف جوانبها بغض النظر عن الموقف الإيجابي أو السلبي منها ثانيا، محاولة الفرز بين تلك الجوانب في ضوء السياق الموضوعي والذاتي للظاهرة التي تتم معالجتها وذلك وفق عدد من المقاييس الموضوعية بدءا من القوانين الجاري بها العمل في البلاد والتي يؤطرها الدستور الوطني مرورا بالاتفاقات والعهود الدولية ذات الصلة وصولا إلى أهداف وغايات يؤطرها الطموح الوطني المتجدد في بناء مجتمع حداثي ديمقراطي يوفر لأبنائه الحياة الكريمة والعدالة والإنصاف في مختلف المجالات. ثالثا، النظر الو مختلف القضايا على المدى المتوسط والبعيد حرصا على ان تكون الحالة السائدة منطلقا للمستقبل حتى لا يتحول الحاضر إلى سجن يمنع صانع القرار السياسي من رؤية الأفق الواسع الذي ينبغي ان يتحكم في مختلف المعالجات. يذكر تقرير المجلس الوطني لحقوق الانسان قبل بلورة خلاصاته وتوصياته بالوثيقة المشتركة التي تم نشرها في يوليو/ تموز 2013، حيث "رسم المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان ومكتب المنظمة الدولية للهجرات بالمغرب صورة، لم تفقد بعد راهنيتها، حول واقع الهجرة، التي أضحت تشكل، في جميع دول العالم تقريبا، موضوع انشغال ونقاش مستمرين، بل ومصدرا لكثير من الجدل، يسائل السلطات العمومية والمجتمع المدني والباحثين والآليات الدولية لحقوق الإنسان، خاصة أن عدد المهاجرين عبر العالم وصل، إلى حدود 2012، إلى 240 مليون مهاجر ومهاجرة (بالإضافة إلى 740 مليون مهاجر ومهاجرة داخليا)، ورغم أن تقريرا لبرنامج الأممالمتحدة للتنمية (PNUD) صدر سنة 2009 قد سلط الضوء على الدور المحوري الذي يلعبه التنقل البشري في التنمية البشرية، فإن المقاربات السجالية لا زالت قائمة" وقد اصبح المغرب بدوره "أرضا للجوء والاستقرار الدائم للمهاجرين، وبات يستضيف عددا من المهاجرين النظاميين الذي يقصدون المغرب للعمل وعددا كبيرا نسبيا من الطلبة الأجانب ومهاجرين في وضعية غير نظامية، بالإضافة إلى طالبي اللجوء واللاجئين." وفي مواجهة هذه الوضعية غير المسبوقة، صدر سنة 2003 قانون بشأن "دخول وإقامة الأجانب والهجرة غير المشروعة"، كما تم في سنة 2007 توقيع اتفاق لاحتضان مقر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالمغرب يمنح المفوضية تفويض البت في طلبات اللجوء. بموازاة مع ذلك، وبدعم من الاتحاد الأوروبي، تم وضع سياسة لمراقبة محاولات العبور بشكل غير قانوني للحدود، مكنت من تحقيق نتائج مهمة كما تبين ذلك الأرقام المرتبطة بإجهاض مثل هذه العمليات والتصريحات التي تعبر عن ارتياح دول أوروبية مختلفة. وعلى هذا الأساس "يدعو المجلس الوطني لحقوق الإنسان السلطات العمومية ومجموع الفاعلين الاجتماعيين والبلدان الشريكة للمغرب إلى أخذ الواقع والمستجدات التي يشهدها العالم بعين الاعتبار والعمل بشكل مشترك من أجل بلورة وتنفيذ سياسة عمومية فعلية في مجال الهجرة، ضامنة لحماية الحقوق ومرتكزة على التعاون الدولي وقائمة على إدماج المجتمع المدني. فمن خلال رفع هذا التحدي، يمكن للمغرب أن يشكل نموذجا يحتذى به من لدن العديد من بلدان الجنوب التي تواجه إشكاليات مماثلة. :وكانت قصاصة لوكالة انباء المغرب العربي للأنباء قد اشارت الى صدور بلاغ من الديوان الملكي بشأن جلسة عمل برئاسة الملك محمد السادس في العاشر من الشهر الجاري بالقصر الملكي بالدار البيضاء، حضرها رئيس الحكومة وعدد من الوزراء وكبار المسؤولين، خصصت لتدارس مختلف الجوانب المرتبطة بإشكالية الهجرة، في أفق بلورة سياسة شاملة جديدة لقضايا الهجرة في البلاد، مؤكدا على أن المغرب أصبح أرضا لاستقبال المهاجرين، حيث تضاعف عدد المهاجرين من دول جنوب الصحراء أربع مرات. كما أن المغرب بدأ يعرف مؤخرا نوعا جديدا من المهاجرين، بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، معظمهم من إسبانيا، ثم من فرنسا وبلدان أوروبية أخرى. وفي هذا الصدد، ذكر جلالة الملك، يقول البلاغ، بضرورة تسوية وضعيتهم، من خلال القيام لدى السلطات المعنية، بالإجراءات المتعلقة بإقامتهم والمهن التي يزاولونها، شأنهم في ذلك شأن المهاجرين الشرعيين من جنسيات أخرى بمن فيهم مهاجري جنوب الصحراء. غير أن عدد المهاجرين غير الشرعيين، يضيف البلاغ، "يعرف تزايدا ملحوظا، أغلبهم يدخلون المغرب من شرق وجنوب البلاد. كما أن بعض المجموعات منهم تقوم بمحاولات اقتحام عنيفة، مما يتسبب في العديد من الإصابات بين عناصر القوات العمومية والمهاجرين". وأشار البلاغ "إلى أنه إذا كان تدبير قضايا المهاجرين غير الشرعيين، يعرف أحيانا بعض التجاوزات التي تبقى معزولة، فإنه ليس هناك أي استعمال ممنهج للعنف من قبل القوات العمومية. لذا، فإن المغرب يرفض رفضا قاطعا الادعاءات التي تحاول ربط تدبير مشاكل المهاجرين غير الشرعيين بالعنف وخرق حقوق الإنسان المهاجر، في محاولة يائسة للمس بسمعة المغرب". كما أشار البلاغ إلى أن الملك اصدر "توجيهاته للحكومة للإسراع بوضع وتفعيل استراتيجية ومخطط عمل ملائمين، والتنسيق في هذا الشأن مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومختلف الفاعلين المعنيين، بهدف بلورة سياسة شاملة ومتعددة الأبعاد لقضايا الهجرة، بما من شأنه أن يوفر للمغرب قوة اقتراحية حقيقية في هذا المجال ويمكنه من القيام بدور ريادي وفعال على الصعيدين الجهوي والدولي". وقد جاء هذا الاجتماع في الوقت الذي تسلم فيه عاهل البلاد تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول موضوع الهجرة ومسألة اللاجئين المشار إلى فقرات منه ضمن هذه المعالجة.