المهاجر وحسب وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة كل شخص ينتقل عبر الحدود أو داخل دولة بعيدا عن مكانه المعتاد، والهجرة بالمعنى العام تعني الرحيل أو النزوح عن المكان بحثا عن حياة أفضل أو الرغبة في التغيير، ولنقل ببساطة، الهجرة جزء متأصل في الطبيعة الإنسانية الميالة للفرار والراغبة في الإقامة والاستقرار بشكل إرادي وتطوعي، الفرار من المكان والمغادرة اختيارا وكرها، الهجرة ظاهرة قديمة ومعاصرة، تجلياتها ودوافعها مركبة ومعقدة، إلا أنها في الجانب الآخر مغادرة قسرية وجبرية للفرد والجماعة، سببها الرئيسي الحروب والأزمات الاقتصادية، والصراعات السياسية والعرقية والمذهبية، الهجرة نتاج للتطور اللامتكافئ والتقسيم العالمي للعمل وسياسة الاستعمار ومخلفاته، وعوامل ذاتية خالصة وموضوعية، كامنة وظاهرة، تدفع الإنسان للرحيل والفرار، الهجرة سكنت الإنسان منذ القديم، هذا الإنسان بطبعه يميل للمغامرة والمجازفة، تدفق المهاجرين نحو أمكنة وعبور الإنسان من الصحراء نحو السهول والجبال تبرره الرغبة في المكوث والاستقرار، رغبة في العيش بكرامة، ونزوع نحو الأمان بعدما ضاقت الحياة بالإنسان من جراء الحروب أو سياسة النبذ والإقصاء من قبل الجماعات المهيمنة، ومن جراء الغلبة والتغلب والتوحش بلغة ابن خلدون، بقي الإنسان يحلم بالمكان الآخر كفضاء لاستنبات الفكرة والإقامة هناك حاملا صور للمكان القديم ودلالة ومعنى للمكان الجديد. مهما تنوعت التعريفات عن الهجرة والمهجرين والغربة والمغتربين تبقى الدلالة والمعنى واحد للهجرة باعتبارها فعلا إنسانيا ورغبة جامحة من قبل الراغبين في المغادرة لأوطانهم، ليست ظاهرة جديدة، لكنها قديمة لازمت الإنسان في حركية مستمرة ومتصاعدة، عرفت الهجرة نوع من المد والجزر بين الماضي والحاضر، بين صعود الأمم وأفولها، وبين ظهور الدولة الوطنية القومية، ومسألة السيادة وتأمين الحدود، والحد من تدفق الآخر، حيث نمت الظاهرة في واقع تقسيم العمل الاجتماعي ونزوح الناس من القرية نحو المدينة من خلال بناء نواة المجتمع الصناعي، وخلق البروليتاريا العمالية، هذا المنحى عجل بالهجرة القروية والهجرة نحو العالم الغربي، حيث الخصاص في العمالة، وحاجة الغرب لإعادة البناء بعد الحرب العالمية الثانية، كما يعود السبب للتحفيز المادي وظهور نواة المدن الصناعية أو نقول ببساطة دوافع الإنسان العميقة في التركيبة النفسية لاكتشاف الحضارات والسفر والترحال بين الأمكنة. معضلة الهجرة عندما تتحول من ظاهرة مألوفة ومقبولة إلى ظاهرة منتشرة ومتغلغلة في التفكير الخاص بالفرد والجماعة، طرق الهجرة طويلة وملتوية، شاقة في المرور والعبور، كل مهاجر يحمل في ذاته ماضيه وذاكرة جماعية غنية ومليئة بالقيم والدلالة، الهجرة الاختيارية نتيجة اختيار الأفراد للعيش في كنف مجتمع جديد، وغالبا ما تكون معللة ومبررة بأهداف معينة كالدراسة والمشاكل الأمنية والسياسية، وفرص التعليم، والنجاح المهني، والهروب من فساد الأنظمة السياسية والواقع الاجتماعي، الهجرة يمكن تصنيفها لدائمة ومؤقتة، الهجرة الشرعية المنظمة أو المقننة والتي تستجيب للقوانين المنظمة لذلك، والهجرة غير الشرعية تلك التي لا يتقيد الأفراد فيها بأية ضوابط قانونية، مهاجرون نظاميون وغير نظاميون، والقضية التي تثير النقاش تتعلق بالموجات الكبيرة لأعداد المهاجرين نحو أوروبا وأمريكا وأستراليا أي نحو دول الرفاهية. فكلما زادت أدوات الرقابة والمنع، كلما زادت رغبة المهاجرين في العبور، هناك دعوات من منظمات عالمية لاحترام المهاجر وضمان حقه في العيش وصيانة كرامته، العابرون من إفريقيا نحو أوروبا يقطعون مسافات من دول متعددة، يرسمون الآمال، ويضعون الحلم أمام أعينهم، يتحقق الهدف عندما تصل أجسادهم وأرواحهم أوروبا، يغامرون ويعبرون من ممرات متعددة، يعودون لأوطانهم يحكون عن المجازفة وغمار التجربة، يعتبرون العودة ولادة جديدة بعد مرحلة من المعاناة. الإفريقي يغادر وطنه حاملا الأمل في العبور، ليس سوى عابر سبيل في دول يعتبرها ممرا نحو الغرب، مواطنا مؤقتا في بلد معين إلى حين يعبر بشكل نهائي، وما يزيد الصورة الوردية عن الهجرة نحو الغرب كل ما ينقله الإعلام وشبكات التواصل، عالم الرخاء والحريات والفرص في ذهن المهاجرين، لا يقنع المهاجر بالإدماج أو التوطين، يبقى الحلم يسكنه، وفي أية لحظة تطفو الرغبة نحو العبور، طريق الصحراء وموت ما يقرب 5400 شخص ضحايا الهجرة بين عامي 2014 و2022، وتشير التقديرات لارتفاع العدد، كما تتضارب الأرقام والمعطيات، وقاعدة البيانات المتوفرة لدى الهيئات الدولية والمنظمات والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين تدل على استفحال الظاهرة إما الموت عطشا وجوعا وإما غرقا وموتا، ناهيك عن الجهد وعدم المقاومة جراء التعب والإجهاد البدني والنفسي، أو لنقص في الأموال، ولأسباب متعددة . شهادات للعابرين تروى وتدون من قبل المنظمات الدولية تحكي المعاناة وقساوة الفرار . مأساة حقيقية وأزمة إنسانية وسط مطالب وأصوات عالمية تندد بكل الماسي التي تطال الإنسان المهاجر، عددهم يزداد كل سنة والحد من تدفقهم غير واردة، ليست المقاربات فعالة دون القضاء على مسبباتها ودوافعها من الأصل، يجب العودة لإفريقيا واسيا والشرق الأوسط حتى نتعرف على الدوافع وراء الهجرة. لماذا يرغب العربي في الهجرة بعيدا ويختار المنافي والشتات؟ لماذا يرغب الشباب المغاربي في المغادرة والتضحية بذاته ؟ لماذا أصبح الإنسان في بعض دول آسيا أسير الملاجئ؟ ضحايا قوارب الموت لا يعبئون لانطباعات الآخر، يقدمون أنفسهم ضحايا أوضاع سياسية واجتماعية، ضحايا الفقر والحاجة، 281 مليون يعيشون خارج أوطانهم، بنسبة 3,6 في المائة من سكان العالم، وحسب تقرير للمنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة أنه منذ 2014 مات حوالي 50 ألف مهاجر، كما ارتفعت أعداد المهاجرين بين 2017 و2021، لاجئون من آسيا وإفريقيا ومن أوروبا الشرقية أغلبهم ضحايا الحروب والنزاعات، ضحايا الصراع السياسي والعرقي، يبحث المهاجر عن فرصة الأمل للعيش الكريم، الأمر هنا يتعلق بالهجرة غير النظامية، والهجرة المفاجئة التي فرضت على شعوب مستقرة وآمنة أن تختار المنافي والشتات بحثا عن الحق الطبيعي الذي أصبح مصادرا في بلدانهم الأصلية، المثال من سورياأوكرانيا وميانمار والصومال ورواندا والسودان وليبيا وغيرها من الدول التي عاشت ويلات الحروب والصراعات الداخلية والخارجية، هناك مخيمات لإيواء المهاجر الفار من الحروب، وهناك متاريس وحواجز تنصب هنا وهناك، وإجراءات المنع والرقابة على الحدود، كما ازدادت المضايقات على المغتربين، وطالت الاتهامات في حقهم، من زيادة المخاوف في تغيير التركيبية الديمغرافية، ظاهرة الإسلاموفوبيا والخوف من الملونين، الخوف على صفاء العرق، دوافع فكرية منطقها عنصري، وغيرية مصطنعة مفعمة بالدونية والشر، تعيد الاعتبار للرجل الأبيض وتفصح عن المكبوت، ترفع شعارات من قبيل ما يسمى بالاستبدال العظيم، حيث أصبح المهاجر عدوا دخيلا على المجتمع وكيان لا يهوى الذوبان، في اعتقاد المنظمات الراديكالية والجماعات الاستئصالية المناهضة للآخر، المهاجرون سبب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، يحملون مشاكل بلدانهم، يبثون التخلف والشر، قواعدهم في العيش لا تتشابه والدول المستضيفة، يحملون أمراضا وعقد مزمنة، لا تنفع معهم سياسة الإدماج . الخطاب هنا لا يعني التعميم والصحة لأن الغرب ليس كيانا موحدا في المواقف والرؤى إلا أن الجماعات الراديكالية والمواقف الرافضة للهجرة والمهاجرين تستند على أسباب غالبا ما يكون فيها التحذير والتذكير بخطر الهجرة على الهوية والحياة الاجتماعية . يرغب الغرب استقبال طينة من المهاجرين، نخب وكفاءات مفيدة للتنمية ورافعة في سد النقص والخصاص في مجالات حيوية، من تعليم وصحة ومختبرات علمية، وكل ما يمكنه تقديم قفزة نوعية أو يحمل مشروعا علميا وفكريا، لن يكون العبور والرغبة في الترحال متاحا للكل، هنا تنطوي سياسة الهجرة على مضايقات ودونية، تغيب المتاريس والحواجز العالية والأسوار الفولاذية، تفتح أبواب السفارات لكل من يحمل مشروعا، ومن يرغب في الاستثمار وإضافة نوعية للمجتمع الغربي، أما الاتجاه المضاد في الخطاب الغربي يشدد على الأمني والقانوني، والتوجس من الدخيل والعابر للحدود، الولاياتالمتحدةالأمريكية والرقابة على حدودها مع المكسيك والحد من تدفق المهاجرين نحو تكساس، الخوف بدافع المخدرات وتشكيل تجمعات كبيرة للناطقين بالاسبانية، تتحول لتهديد مستقبلي للهوية، مراقبة مشددة للعابرين نحو استراليا، مكافحة الهجرة غير النظامية، تسلل كبير للمهاجرين الأفارقة من شمال إفريقيا نحو أوروبا، غالبا ما يكون المهاجر غير النظامي عرضة للضياع والتشتت، للنصب والاحتيال، ويمكن تسخيره لأغراض معينة تسيء لشخصه وبلده الأصلي، وغالبا ما يترك انطباعا وصورة سلبية لدى الآخر، حتى الإدماج في النسيج الاجتماعي يكون صعبا وبطيئا. معضلة الهجرة بدون حلول جذرية سوى ما يقدمه الغرب من حلول استعجالية في جوهرها مجرد توصيات تتعلق بسد المنافذ والمعابر أو التوطين في بلد معين أو المعالجة الجزئية التي تعتمد الانتقاء والمفاضلة بين المهاجرين دون العودة للجذور وأصل المشكلة، يتعلق المشكل هنا بالتنمية الهادفة والفعل الصريح ونوايا الأطراف اتجاه البلدان المصدرة للمهاجرين، خطاب عملي يقلل من تدفق المهاجرين واستفحال الظاهرة، ينبغي إعادة النظر في السياسة الاستعمارية القديمة، فرنسا كمثال لا تلقي أهمية لتنمية القارة السمراء، لا توجد شراكة حقيقية تعيد الاعتبار لإفريقيا وأرضها الغنية بالموارد الطبيعية واليد العاملة، لازالت هناك نظرة استعلائية وانغماس كلي في خيراتها دون تشجيع هذه الدول على التنمية وحقوق الإنسان، واستنبات الديمقراطية كفكر وممارسة داخل الحياة السياسية والاجتماعية، ناهيك عن التورط في الانقلابات العسكرية وإزاحة النخب الفاعلة أو تنصيب ما تراه مناسبا لسياستها الخارجية، الصين وروسيا وأمريكا قوى كبرى تتصارع على مناطق النفوذ في إفريقيا، تسهيلات مالية وقروض بالجملة، وفي حالة عدم السداد يصبح جزء من التراب رهينة، وهكذا يتسلل الاستعمار الاقتصادي من جديد، ويتولد عنه الرغبة في الفرار. الغرب عموما يتحمل الجزء الكبير من المسؤولية لأنه ببساطة أبقى على البنيات التقليدية للمجتمعات المتخلفة، شجع التسلط والانقلابات العسكرية، كما زادت العولمة في شقها الاقتصادي والثقافي من التبعية والبؤس، زادت من مخاطر الهجرة جراء الأزمات المفاجئة، ومخاطر التغيرات المناخية من خلال التصحر، وارتفاع مستوى سطح البحر، وارتفاع درجات الحرارة، عوامل بيئية تضاف للعوامل الأساسية، تعمق من الهجرة غير النظامية، أفواج كبيرة من الأفارقة عبرت الصحراء الكبرى متجهة نحو الشمال الأوروبي، الحلم ثابت للعبور، واقع الهجرة في العالم يتزايد، وأعداد الموتى يتصاعد، وما نراه من قوارب للموت على الشواطئ والبحار يرسم صورة قاتمة عن عالمنا اللامتكافئ، أخطاء السياسات الدولية والمحلية، مؤشرات التنمية وإرادة الإصلاح لأحوال العالم القروي من جهة، وأخرى تتعلق بالنمو السكاني، ومعالجة المشكلات الهامة للتنمية البشرية، فلا يمكن اختزال الهجرة في الدوافع المادية أو الفرار من جحيم المعارك والصراعات. فهناك دول غربية استثمرت في الهجرة والمهاجرين، الجيل الأول من المغاربين والدفاع عن فرنسا، والمساهمة في بناء اقتصادها بقوة العمالة الوافدة في القطاع الصناعي والفلاحي وتوفير اليد العاملة، في إيطاليا وتعبئة المهاجرين للاستثمار والنهوض بالجنوب الايطالي، الخليج كذلك والعمالية الأجنبية في البناء والعمران وباقي الخدمات، وخير الأمثلة من الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تنظم كل سنة قرعة للهجرة، وتستقبل الملايين من المهاجرين، أما كنداواستراليا ونيوزيلندا والدول الاسكندينافية فلازالت ترسي القوانين، وتستقبل المزيد من المهاجرين بطاقات وكفاءات، ومن أصحاب الخبرات الأقل في مجال الأعمال الصعبة . الهجرة العالمية قاطرة للتنمية في حالات منها الإدماج الكامل في المجتمع، وفتح المجال للطاقات الكامنة وتحريرها في نهضة مجتمع ما، فهناك منظمات وهيئات محلية ودولية تدعو من خلال المقاربات القانونية والحقوقية والتنمية لمناهضة أشكال التمييز والعنصرية، ترفع شعار المعاملة والكرامة، وتحث على مقاربة الهجرة ومعالجتها من جذورها الأصلية حتى يتحول العبور بين الأمكنة لما هو إرادي واختياري نابع من طواعية، وليس بناء على الإرغام أو نتيجة للتدهور الملازم لما هو اقتصادي وسياسي، البحر الأبيض المتوسط ودول البلقان كلها معابر للمهاجر، بل هناك رغبة ذاتية للتغيير لا تستند على دوافع قصوى سوى ما ينقله الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي من حياة الرفاهية ومؤشرات حقوق الإنسان والعيش الرغيد في الغرب، وعندما تتعالى الأصوات الغربية في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وغيرها عن التشدد في المعاقبة والمنع، يكون هناك مخاوف من الزحف والتدفق لأعداد كبيرة، تعقد المؤتمرات والندوات والتوصيات بحثا عن الحلول المستعجلة، فلا يمكن للتوطين أن يكون حلا نهائيا للهجرة، فلا يمكن للبلد المستقبل أن يكون ملاذا للملايين الفارين والنازحين، ولا يعني أن قضية اللاجئين مستعصية على الحل، لكن للهجرة دوافع موجودة في البلدان الأصلية وهي نابعة من غياب التنمية، وغياب الحقوق والحريات، نابعة أصلا في سياسة الاستعمار والاستغلال دون توافق بين الخطاب والفعل، عندما تكون الشراكة حقيقية بين الشمال والجنوب، بين الشرق والغرب، تتحول الهجرة إلى فعل إرادي، ورغبة في التغيير دون أن تكون نتاج لأسباب موضوعية قهرية . إن مراقبة الحدود وتنصيب الأسوار العالية لن يساهم في حل الأزمة، تتبع مسارات وخطوط الهجرة العالمية تشير إلى كونية الظاهرة، لا تنفع المؤتمرات أو الندوات العالمية والمحلية في تحديد المقاربات الممكنة سواء الأمنية والقانونية والحقوقية طالما هناك غياب للتنمية المحلية والإصلاح الشامل للأنظمة السياسية في العالم الثالث، وإعادة الاعتبار للذات وللهوية البديل عن الهجرة ومغادرة الأوطان، كما لا تنفع العولمة في شقها الاقتصادي النفعي عندما يتم تكريس الهيمنة والسيطرة على خيرات الشعوب والتدخل في سياستها، الهجرة الدولية مستمرة بوجود مسبباتها ودوافعها . فمن المستحيل استئصال الفكرة من وجدان الشباب والحالمين في تغيير المكان، العالم يعج بالأزمات الإنسانية والمقاربات فشلت في الحد من الهجرة . فالغرب عندما يرفع من الدعم والمساعدة للمهاجرين والفارين من أوطانهم وانتقاء الأفضل منهم في الخبرة والكفاءة، ذلك يعني الزيادة في الظاهرة، وإنتاج الأزمة من جديد، يجب إعادة النظر في السياسات الحكومية، والكف عن تمويل الحروب، ودعم الأنظمة الفاسدة في العالم الثالث.