ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    المغرب يدعو إلى هامش أكبر من الاستقلالية المادية لمجلس حقوق الإنسان    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..        المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المهاجر الإفريقي مواطن أم عابر سبيل؟
نشر في هسبريس يوم 04 - 02 - 2019

سيكون الأمر في غاية الصعوبة والمقاربة عند تناول موضوع شائك ومعقد في الدراسات الإنسانية ومن وجهة نظر مغربي يشاهد في بلده أفارقة بأعداد كبيرة يعبرون كل يوم من بلادهم نحو المغرب وفي مشهد إنساني بحثا عن ظروف أحسن للعيش وهربا من شظف العيش وديكتاتورية السياسة وهيمنة الآخر على خيرات الأرض ودوافع أخرى يعرفها الإنسان العاشق للهجرة والرحيل . إفريقيا الأرض الخصبة والمكان الذي يفيض جمالا وعطاء من غابات وسهول وأنهار. منبع النيل . الأرض البكر في غنى مواردها دون أن تكون الخيرات في صالح شعوبها . الواقع يشهد زحف الشركات والاستثمارات الأجنبية وتغلغل الرأسمال الغربي والشرقي كالصين والولايات المتحدة وأوروبا في القارة والعوائد المادية في ذلك ليست ملموسة في تغيير أحوال الشعوب وبالتالي يفضل الإفريقي العبور من بلده نحو الشمال في حلم لا ينتهي. ورغبة في المغادرة في أفواج وصفوف شبيهة بخطوط النمل. عبور يزداد حدة في قناعة تامة بالعيش في رفاهية ونعيم. لا يقتنع الإفريقي إلا بفكرة واحدة وهي العبور. فالعولمة الاقتصادية في إفريقيا سرطان ونار في الهشيم تترك فتات في موائد من لا يمتلكون زمام السلطة . ارض كنوزها المعادن والمواد الأولية الخام. ارض الكاكاو والذهب الأسود واليورانيوم والألماس . طبيعة للتهافت والتسابق في العبور نحو إفريقيا مستقبل الشركات الكبرى والرساميل العالمية القادمة من أماكن مختلفة . الإشكال هنا غياب التناسق في الاستثمار بين الأرض والإنسان مما يولد مضاعفات خطيرة في رغبة الآخر أن تكون إفريقيا وطن للماس والعاج والذهب والمعادن النفسية . وأن يكون الإنسان الإفريقي أداة في التنقيب والاستخراج بأثمان زهيدة . أصوات حية وضمائر يقظة في إفريقيا من مرحلة الاستعمار إلى الآن تطالب أن تكون إفريقيا لأهلها والسيادة من حق شعوبها والانفتاح على العالم بأسلوبها أي شراكة حقيقية وعادلة . أشياء تتداعى كما قال الروائي النيجيري تشينو اتشيبي عن ما هو جميل ينهار أمام الإنسان من تراث القبيلة وقيم الجماعة بمجرد استنبات قيم الآخر في بناء الكنيسة وتحويل الذهنية الإفريقية بترانيم القساوسة ودهاء السياسي . نداء الحقيقة في معرفة خبايا إفريقيا وماضيها يلقي بالأسباب في تحليل اليومي والاني وفي رغبة الإنسان الإفريقي في العبور من ارض أصبحت ملكا للآخر أو على الأقل نصيبه في غلتها وتوزيع خيراتها أصبحت ضئيلة بفعل السياسة الجديدة في مسار العولمة الاقتصادية . يطرح السؤال دائما كيف يمكن استيعاب الجيوش الهائلة من العابرين والحالمين بالقارة العجوز ؟ الدول المعنية بالهجرة وتدفق المهاجرين هي أوروبا بالدرجة الأولى وأمريكا واستراليا أي الدول الغنية .والدول المعنية بحل أزمة الهجرة والمهاجرين شمال إفريقيا ودول أخرى في آسيا عن طريق تشديد المراقبة ومعاقبة تهريب البشر. من القارة الاسترالية في محنة اللاجئين وإغراق السفن ومحاربة شبكة تهريب البشر من اندونيسيا وماليزيا وغينيا الجديدة . العالم غير متكافئ كما قال المفكر المصري سمير أمين . في غياب العدالة الاجتماعية وتقسيم العالم بين دول الإنتاج والصناعة .ودول استخراج المواد الأولية وتصدير اليد العاملة . يبدو أن الغرب الرأسمالي لم يعد في حاجة إلى اليد العاملة الرخيصة وأنه بالفعل نقل الوحدات الصناعة الصغرى إلى العالم الثالث للتقليل من التكلفة والأعباء والهرب من الضرائب والبحث عن موارد جديدة. فالإفريقي القادم من بعيد والعابر تحت أشعة الشمس الحارقة ضحية عولمة لا إنسانية ولا أخلاقية . ضحية بنيات موجهة للسياسة والاقتصاد والثقافة . ضحية مجتمع دولي لا يرحم في حل المشاكل السياسة والعرقية والدينية القاتلة والمميتة في إفريقيا . وجه آخر للعولمة والتغول الرأسمالي. قرار الرحيل بعيدا عن الديار نهائي نحو الفردوس المزعوم والبقاء في أحضان الغرب. فهناك الحياة والعيش والحلم وقد سبقه في ذلك أفارقة يعيشون في فرنسا وبريطانيا وألمانيا حياة رغيدة. صورة الإفريقي في الغرب ليس وردية بالتمام وليست كذلك سوداء وقاتمة . صورة من العطف والتعاطف ممزوجة بالرغبة في تمدين وتنوير الإفريقي أكثر . جوزيف كونراد والاستعمار والإعلام خطاب لازال مفعوله قائما ويسري في اللاوعي الغربي عن الطيب المتوحش والبدائي غير المتمدن .
يعرف العقل الغربي أن إفريقيا بلاد الصحراء وأصحاب البشرة السوداء ومن يدرك الحقائق أولئك الذين سافروا وعايشوا القارة والإنسان من شمالها إلى جنوبها وشرقها . زالت صورة البدائي والكائن المتوحش وأصبحت الصورة في الحاجة أكثر للتنمية البشرية . إفريقيا أرض الكاكاو والنفط والغاز
والتبر . ارض النيل والسهول الخضراء والأرض الواسعة والغابات المتنوعة والجبال الشاهقة . قسمت الأرض بين الاستعمار البريطاني والفرنسي والآن مناطق للنفوذ الاقتصادي من دول عدة .خطابها موحد أن المستقبل لإفريقيا . هنا نريد قول حقيقة واحدة أن العبور والهجرة الواسعة من إفريقيا إلى أوروبا رغبة واعية في صميم الإرادة . يزيد الإعلام المرئي والصور العابرة من الفضائيات والحكاية عن عالم الأنس وشقراوات الغرب وعالم الكرة والرياضة والبرامج الخاصة عن إفريقيا والمهاجر الإفريقي من قلب أوروبا في تعميم الصورة النموذجية عن المكان . فهل بالفعل صورة الإفريقي في الغرب الأوربي وردية ؟
إفريقيا جنوب الصحراء وإفريقيا من الغرب والشرق وليس شمالها الناطق بالعربية الذي خبر الهجرة من مدة طويلة في بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية . ساهم الإنسان المغاربي في تحريك عجلة الاقتصاد الصناعي والفلاحي مع الرعيل الأول الذي يحكي عن معاناة وألم الناس في العمل والأشغال الشاقة لأجل أوطانهم ولأوروبا خصوصا في فرنسا . ولذلك تعترف فرنسا بهذا الفضل في مشاركة المغاربة في حروب التحرير من النازية وحرب الهند الصينية . من الصعب المقارنة بين المهاجر في الأمس والمهاجر اليوم في خلفيات غير متطابقة . الإفريقي في العبور نحو أوروبا تبدو الموجة عامة ومعممة . وأرض الاستقبال لا تبالي بالترحاب. هناك ندوات واتفاقيات وإجراءات للمنع والرقابة . أوروبا ضاقت ذرعا بالمهاجرين من كل مكان . تقنية التعامل مع الآخر صعبة في ظل التدفق الهائل للمهاجر . أوروبا ملاذ المقهورين والمحرومين والباحثين عن متنفس للحرية والعدالة الاجتماعية لم تعد كذلك . فالمشكلة الآنية التي تحذر منها المنظمات الإنسانية والحقوقية أن العالم الغربي لا يستوعب الكم الجديد من المهاجرين ولا يملك المهاجر الإفريقي الخبرة والكفاءة . إن استراليا مثلا كما قال وزيرها السابق جون هورارد لا يمكنها التساهل مع المهاجر العابر عبر القوارب . المهاجر المقبول من يأتي بطرق مشروعة .ومن يمتلك الكفاءة والمهنية للمساهمة في بناء استراليا الشاسعة . والدولة المركزية من تقرر. أما دونالد ترامب في سياسة الهجرة فقد أمر ببناء الجدار مع المكسيك . لا يود أن تصبح الولايات المتحدة ملاذا للفقراء والفارين والحالمين ويدعي صيانة الحدود من مروجي المخدرات . وان تصبح أمريكا مقسمة بين الناطقين بالاسبانية والناطقين بالانجليزية .وفي ألمانيا خيار اللاجئين السوريين طرح نقاشات وصراعات فكرية بين النخب المثقفة ورجال السياسة في البرلمان والمجتمع المدني . ما هو الحل في معالجة مشكلة الهجرة وتدفق المهاجرين الأفارقة من دولهم نحو العالم الغربي؟ حلول أوروبا في الضفة الأخرى القريبة منها في شمال إفريقيا . الاستقرار النهائي يطرح للدول المغاربية مشاكل في الرفض وعدم القبول للنمط الجديد من المهاجرين الذين يرفضون الإقامة هنا .ويعتبرون البلد مجرد مساحة للعبور نحو أوروبا . نشاهد حالات من الفرار والغرق واللجوء للغابات في طنجة وغيرها . ونرصد تحول المهاجر للتسول ومضايقة المارة . في محطات المرور والأسواق الشعبية وكل الدروب والأماكن .عقليات شبه منغلقة على ذاتها يتكلمون الفرنسية والانجليزية ويتشكلون في خلايا منسجمة ويتوزعون في مناطق قريبة ومتباعدة . سائرون وموجودون في اغلب المدن الكبرى . توحدهم فكرة معينة كيفية العبور إلى الضفة الأخرى . قطع مسافة 14 ألف كلم في الوصول للفردوس الضائع . ونسيان المرور أن المهاجر بالفعل جاء عندنا مجرد عابر سبيل في قطع مسافات للوصول للهدف المنشود . فمن اجل تهدئة الخواطر وإحلال الصبغة القانونية رحبت أوروبا بالقرار المغربي الذي منح للمهاجر الإفريقي صفة المواطن بالأوراق التي تثبت انه كذلك للإقامة والسكن دون مركب نقص . والتجول بالبطاقة الثبوتية تعكس الهوية والأمان . وإرضاء لأوروبا مقابل مساعدات ودعم يرضي كل الأطراف في أفق البحث عن حلول نهائية للمعضلة . فالدفع أكثر في معالجة المشكلة حذا بالدول إلى عقد مؤتمر دولي في مراكش للهجرة , كانت مضامينه الشاملة إنهاء للازمة . فمن جهة يظهر المغرب بصورة البلد في نزعته الإنسانية والتضامن الإفريقي بحكم الانتماء للعمق الإفريقي . وبحكم أن جزء من المغاربة من أصول افريقية في روافد واحتكاك المغاربة بالحضارة السواحلية في مالي والسنغال وتشاد والسودان وساحل العاج ... وبحكم الوشائج والروابط التاريخية بين الدولة المغربية والأفارقة وبحكم أننا ننتمي للقارة ولا نتنصل من هذا الانتماء للتاريخ والجغرافيا . في مؤتمر الهجرة خرج البيان النهائي بميثاق ومنها تخفيف المخاطر التي يواجهها المهاجر واحترام حقوقهم السياسية والاجتماعية ومحاولة الدمج في النسيج الاجتماعي والاقتصادي ونبذ خطاب التحريض والعنف والكراهية ومنع الاعتقالات العشوائية . ويبدو أن الأمر يزيد في تصاعد الهجرة نحو العالم الغربي وما يتضمنه الميثاق من توصيات في غاية الاحترام والإنسانية . فالسؤال الذي يطرح نفسه من سيتحمل تبعات الهجرة وتدفق المهاجرين ؟ هل يمكن توطين المهاجر في بلدان شمال إفريقيا ؟ وما هي التكلفة ؟
ترفض الدول المغاربية الحلول لأنها لا تخدم المصلحة الوطنية في الأمد القريب والبعيد . وتساهم في خلخلة التركيبة السكانية . والرجوع للقرارات الشعبية تتجلى المخاوف من تحول البلدان المغاربة إلى موجة من المهاجرين من جنسيات متباينة .وقيم راسخة في التقاليد الشعبية الإفريقية وطقوس وشعائر من الصعب أن تحول الإفريقي إلى مواطن منسجم مع الثقافة المحلية . تتحول البلدان المغاربية إلى غيتوهات منغلقة على ذاتها في حالة صعوبة إدماج المهاجر الإفريقي في النسيج العام للمجتمع . وبفعل الحيطة والحذر التي يبديها المهاجر في مقاومة الذوبان في بلد آخر رغم الاعتراف بوجوده . يشعر دائما بالعودة والحنين للمغادرة للضفة الأخرى أو يتملكه شعور بالعودة إلى وطنه الأم . صفة المواطن والمواطنة ما هي إلا تهدئة الخواطر من قبل المجتمع في وجود الغريب بيننا . وأننا لسنا بالفعل متعصبون ولا عنصريون بحكم الانتماء والأصل وبحكم أننا شعب لازال يهاجر ويبحث عن أماكن أخرى للمغادرة . فليس من حقنا أن نلوم المهاجر الإفريقي في مغادرة وطنه للبحث عن ذاته في مجتمع بديل .ولسنا بحق ذلك المجتمع البديل القادر في استيعاب أسراب من العابرين والفارين من جحيم إفريقيا وسرطان الفساد الذي ينخر مجتمعات تتصارع على الهوية . المواطنة التي يبحث عنها الإنسان في الاعتراف التام بكل الحقوق . مواطنة غير منقوصة في الحق والواجب وصيانة الكرامة . وعندما نسمع تدخلات من قبل الأمن أو محاولة المهاجر السطو على أملاك الناس وعدم المبالاة بالقوانين والتنظيم فإن الأمر يتجاوز الحكومات والاتفاقيات ويصبح مغادرة المهاجر إلى بلده الأصلي مطلبا شعبيا . لا مفر من القول أن المغرب غير قادر في استيعاب الهجرة والمهاجرين بالنوع الذي تريده أوروبا . تمتنع البلدان الغربية وأمريكا واستراليا عن استقبال المهاجر من إفريقيا وأمريكا اللاتينية وهي البلدان التي تشكلت من المهاجرين وذوي السوابق خصوصا استراليا والآن وبعد الطفرة الاقتصادية والرفاهية تبحث هذه الدول عن حلول خارج عالمها وإرغام الآخر على تحمل تبعات الهجرة وماسي المهاجرين . نحن لا نحمل المسؤولية عن ما يقع في مجتمعنا من أزمات ومشاكل اجتماعية ونفسية للغريب القادم من بعيد كما تقول العالمة اللسانية جوليا كريستيفا في حديث عن الهجرة والغيرية والعنصرية وعلاقة الأنا بالآخر التي تستشري في فرنسا لأن المجتمع الفرنسي يعاني من أزمات وتصدع وانشقاق في الروابط الاجتماعية قبل أن يأتي المهاجر من مكان بعيد . الغريب كما قالت هو الذي يسكننا على نحو غريب . والمهاجر عندما يمنح الهوية يتم تهدئة الخواطر والنفوس ويتحول المهاجر من عابر سبيل إلى مقيم .ولا تتبدد المخاوف من القادم من بعيد حتى في منح المهاجر دلالة حقوقية يبقى الخطاب مضاد لكل ما هو دخيل وعابر من مكان بعيد للسكن هنا والإقامة .
تعترض شريحة كبيرة من الشعوب المغاربية على وجود الإفريقي بدعوى أن فاتورة إقامته ليست من اختصاصنا وان الاتحاد الأوربي وأمريكا مطالبة في إنصاف الشعوب الإفريقية في إقامة الديمقراطية والكف عن الاستغلال والاستثمار غير البناء في خيرات إفريقيا . وان يعود الإفريقي إلى وطنه في تخليص الوطن من الاستبداد وتكريس ثقافة حقوق الإنسان وهي بالفعل الثقافة السائدة الآن في إنصاف الشعوب واختياراتها النابعة من القيم الذاتية . تحول الإفريقي في مجتمعنا من قادم للدراسة والمعرفة . وباحث عن الحياة باختيار وحرية إلى عابر سبيل وقاطع مسافات في حلم لا ينتهي للعبور . يعبر من الجنوب والشرق والشمال ويقطع المسافات للعبور من طنجة إلى الضفة الأخرى . وفي الانتظار أصبح المهاجر الإفريقي متسول في الطرقات. صورة قاتمة تروي مأساة شعوب كنوزها من الخيرات وارض تفيض معدنا . وان يكون المهاجر الإفريقي في مجتمعنا أن يتحول لمواطن دون النظر إليه في قيمه ولونه وفكره . يجب أن يتمتع بالحقوق ويؤدي الواجبات ويمتثل للقوانين . وان ينخرط في الفعل السياسي ويحمل بطاقة وهوية رضي أن يكون بيننا أو يبقى المهاجر الإفريقي عابر سبيل يجمع المال ويترقب الفرص للعبور في أصعب الظروف . هناك توفق وانسجام بين الحقيقية والوهم في عدم الركون هنا . والمغادرة وشيكة وما هي إلا لحظة زمنية في الرحيل من المكان . نحن في حاجة إلى عقول مهاجرة من بلدان مختلفة. يأتي عندنا الصيني لشق الجبال وبناء الطرقات ومد السكك الحديدية وبناء العمران بأثمان معقولة ويعلمنا الصيني ثقافة الانضباط والإخلاص في الواجبات . ويرسم معنا معالم المستقبل البعيد . ويهاجر عندنا العمال التقنيون من كوريا الجنوبية في الاطلاع على تجربتهم الرائدة في مجال التكنولوجيا وهندسة صناعة السيارات وتطوير عجلة الاقتصاد . ونرحب كذلك بالألمان وبالعقل الصناعي والفكر الحر في أخذ المفيد في التنظيم والعقلانية . وبحكم انتمائنا لإفريقيا نرحب بالأفارقة من دون أن نكون أطرافا في حلول صعبة لازمة استفحال الهجرة بأعداد كبيرة جدا . ونرغب أن تفتح عندنا الجامعات للعلم والمعرفة واستقبال طلاب من العالم للدراسة والتحصيل. فلا المؤتمرات ولا القرارات أو المواثيق يمكنها حل إشكالية الهجرة العالمية دون الرجوع إلى استئصال جذورها والبحث في أسبابها . والعودة لإفريقيا من أجل الاستثمار ومساهمة البلدان الغنية في زرع بذور الخير في القارة السوداء أما المواطنة فهي بالفعل ميزة غير منفصلة عن الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والتنمية البشرية . وعبور المهاجر الإفريقي وفي نواياه الرحيل فليس سوى عابر سبيل يجعل من المغرب محطة استراحة ليس إلا .
*أستاذ الفلسفة وباحث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.