""إذا ادلهمت عليك الأمور، فأعلن الحرب على أقرب دولة إليك، وتأكد أن الشعب كله سيكون معك"". بهذه العبارة الوجيزة على لسان ملك يوصي ابنه لخص الحكيم ويليام شكسبير وفق رؤية استشرافية ثاقبة منهج الأنظمة الفاشية والنازية والشمولية التي ستظهر فيما بعد، المعتمد على تصدير الأزمات الداخلية بإشعال الحروب مع دول الجوار كنقطة ارتكاز للتخلص من فائض قيمة الاحتقان والتوتر والغليان الشعبي، وتصريفه بالهروب إلى الأمام من خلال التوسل باستراتيجية الإلهاء التي تقوم على إشغال الناس عن الأزمة الداخلية وتوجيه أنظارهم واهتمامهم بالكامل إلى العدو الخارجي. لكن ما لم يخطر على بال شكسبير أنه سيأتي على الناس زمان تنقلب فيه الصورة عكسيا، كما هو حال عصابة عسكر مصر ومن في حضنها من أحزاب درجة صفر شعبية التي اتخذت من الحرب على الشعب، أو على من يتوق منه إلى الحرية والانعتاق والكرامة وسيلة لإرضاء أقرب دولة ممثلة في إسرائيل اعتمادا على الذريعة الصهيوأمريكية المتمثلة في محاربة الإرهاب، والتوسل إليها للضغط على لوبياتها المتنفذة في الدول الكبرى لحث مسؤوليها على السكوت أوالاكتفاء بعبارات شجب محتشمة لإرضاء منظماتها الحقوقية وشعوبها من أجل تبرئة الذمة أمامها والظهور بمظهر المدافع عن الديمقراطية، مع السماح للعصابة الانقلابية بتمثيل دور الرافض لمواقفها بغية مزيد من خلط الأوراق على رأيها العام المحلي وإبعاد شبهة دعم الانقلاب أو المشاركة فيه عنها في مشهد هزلي مضحك أكده سابقا وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر، وتؤكده الوقائع حاليا:"" إننا نسمح لعملائنا بسبنا أحيانا". توصي إحدى القواعد الأساسية في علم النفس بالحذر من رد فعل المنهزم المغلوب على أمره، اليائس تماما من إمكانية استرجاع النفس ورد الاعتبار بالانتصار على القوة التي قهرته في يوم من الأيام ، وهو ما حصل مع القوى التي تسمي نفسها بالمدنية في مصر التي ضاقت ذرعا بعقدة الهزيمة واحتلال المراتب الأخيرة في كل الاستحقاقات الانتخابية التي جرت بعد الإطاحة بنظام مبارك، مما دفعها إلى الاصطفاف خلف عصابة العسكر الانقلابية، متخذة من العويل والصراخ والهيستيريا لغة رسمية عبر قنوات هز البطون وتحريك المؤخرات التي تحولت بسرعة البرق إلى قنوات "ثورية" ضد "الإرهاب"، تعمل على مدار الساعة بكل الوسائل والسبل القذرة والحقيرة على التشهير بعدو داخلي يريد في نظرها تخريب مصر، أو ربما احتلالها وطرد سياسييها وإعلامييها الأفذاذ وسياسييها المغاوير الذين يعتبر الواحد منهم بقاءه أفضل من بقاء الملايين من أنصار هذا العدو، ويصنف إبادتهم في خانة ضمان استمراره على قيد الحياة، وقد تابعنا كيف دعا أكثر من طرف من هؤلاء الاستئصاليين بفجاجة وصفاقة حامي حماهم العسكري إلى ضرورة الانقضاض على المعتصمين في الميادين وسحقهم عن الآخر، لأن تمكنهم من إفشال الانقلاب يساوي في تصورهم وضعهم في حبال المشانق. إن الوضع الشاذ لهذه القوى الانقلابية دفعها إلى التسويق لنفسها كشعب فاضل يمثل أقلية عددية مهددة بالانقراض من لدن شعب الأغلبية الذي يتمنون لو يصفى عن بكرة أبيه ليخلو لهم وجه مصر بعدما دحرتهم عنه معبودتهم "الديمقراطية" التي كفروا بها كفرا بواحا، وارتدوا عن الإيمان بها، ورموها وراء ظهورهم. إننا والحالة هذه بصدد تركيبة هجينة مكونة من عصابة متنفذة في الجيش وأخرى في الشرطة يؤازرهما إعلام متعهر وقضاء فاسد وسياسيون مفلسون بعضهم بلحية طويلة، وكثير منهم بدونها، ويشد من أزرهما حقوقيون يستظلون بظلهما ويفسرون الوقائع على مقاس أهوائهما، وفقهاء سوء يتاجرون بالدين ويضعون النصوص القرآنية والحديثية رهن إشارة آلة قمعهما، ممارسين شتى أشكال التضليل ولي أعناق النصوص، وذوو سوابق إجرامية فيما يصطلح عليه مصريا بالبلطجية، يوظفون كل قدراتهم العدوانية الإجرامية لإرضاء غريزة الانتقام لديهما، وكل هؤلاء التأموا من أجل شيء واحد ووحيد هو القضاء على فئة عريضة من الشعب ذنبها أنها ارتضت الديمقراطية خيارها الاستراتيجي، وآمنت بالمشاركة السياسية اعتمادا على مبدإ الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، فنحرت على أعتاب هذه الديمقراطية بشتى الوسائل المادية والمعنوية من لدن هذه الوجوه الشائهة البشعة التي أضلها وأعماها الحقد فتصرفت بمنطق فاشي إرهابي عنوانه الرغبة الصريحة في تصفية الحسابات الشخصية وإقصائها من دائرة الانتماء للوطن، والإعلان بصفاقة عن إلغاء أي قاسم مشترك معها، ولو كان هذا القاسم الدين نفسه والرب جل جلاله نفسه، وقد شاهدنا قنوات العار تبث بانتشاء أغنية أحد ساقطيهم تقول من ضمن ماتقول:""إحنا شعب وإنتو شعب، لنا رب وليكو رب""، وهي أغنية تبلد إحساس نائب عام الانقلاب فعجز عن تصنيفها ضمن التحريض والكراهية والشحن، كما يفعل على سبيل الافتراء من لاشيء مع من يتصرف معهم بأسلوب القصاص والانتقام، ناسيا أنه حكم تفرض عليه مهنته العبور من وسط الطريق. هذه العصابة التي جاءت على ظهر دبابة همها الوحيد هو الاجتثاث والاستئصال، وهي لاتملك مشروعا مجتمعيا للنهوض بالبلد الذي جعلت اقتصاده على حافة الهاوية بسبب انشغالها عنه بتنفيذ مخططها الإجرامي استجابة لنوازع الشر في نفوسها، و لأجندات قوى الشر في الشرق والغرب، ولذلك فهي لا تملك للتغطية عن حالة اللإفلاس الاقتصادي إلا المزيد من الابتزاز المالي بطلب إمداد بعضها بمليارات الدولارات كدعم في الظاهر ورشوة في الواقع على الحرب الطائشة الفاشية التي تخوضها بالأصالة والوكالة ضد أنصار الشرعية المغضوب عليهم من لدنها، وقد تابعنا وزير خارجية السعودية وهو يدعو أفراد هذه العصابة إلى الكف عن الابتزاز والاكتفاء بما سبق تقديمه، مخاطبا إياهم بصريح العبارة:"" كفاكم إزعاجا"".