شكل قرار العفو الملكي بمناسبة عيد العرش، على المواطن الاسباني دانييل غالفان، من أصل عراقي و المدان بجريمة اغتصاب 11 صبيا مغربيا بمدينة القنيطرة، احد القرارات الإستراتيجية للمملكة المغربية، هذا العفو الذي جاء بعد الزيارة التي وصفت بالتاريخية للعاهل الاسباني خوان كارلوس للمغرب، هذه الزيارة التي استطاع من خلالها المغرب الحصول على مجموعة من الضمانات و لعل أهمها تمكن المغرب من التوقيع على برتوكول اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي و التي ظلت مجمدة خلال الفترة الأخيرة بسبب رفض البرلمان الأوربي التوقيع عليها بسبب شمولها للمياه الإقليمية للصحراء الغربية، بالإضافة إلى مجموعة من العراقيل التقنية و التي تم تجاوزها تقريبا خلال الاتفاقية الأخيرة، فمن هنا يتضح بشكل جلي الدور الاسباني الواضح في إبرام هذه الاتفاقية، بسبب دفاع اسبانيا أولا عن مصالح شعبها، نظرا لحالة البطالة المستشرية في صفوف الصيادين الاسبان خاصة بالأندلس مند تعطيل الاتفاقية، ولعل البيان المشترك بين الطرفين ليؤكد في ختام الزيارة على أهمية العلاقات الثنائية و حرص العاهلين على تشجيع حكومتيهما للعمل من أجل تطوير هذه العلاقة على مختلف المستويات، إن أهم ما يمكن التأشير عليه حول هذه الزيارة، هو كونها تمثل إرادة مقررة على صعيد هرم الدولة الاسبانية، باقتناع راسخ ومتبادل لكل من الحزبين الرئيسيين باسبانيا، الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي، بهدف التخطيط لمستقبل العلاقات مع المغرب كإرادة دولة لا تتأثر بأي حزب يكون في السلطة، وفي الصدد نورد كلمة العاهل الاسباني عقب هذه الزيارة: "زيارتي إلى المغرب ستترك أثرا لن يمحى بداخلي." وعلى هذا الأساس نخلص إلى كون أن جميع توصيات الزيارة ستكون ملزمة للطرفين سياسيا، فاسبانيا ملزمة بدفع البرلمان الأوربي لتوقيع على اتفاقية الصيد البحري الموقعة مع المغرب و التي سيجني بموجبها مبلغ 40 مليون يورو سنويا طيلة أربع سنوات، إلى جانب الحفاظ على نفس الموقف الاسباني الغامض من قضية الصحراء الغربية و الذي هو في صالح المغرب عموما، كما أن المغرب في نفس الوقت ملزم على العفو عن المساجين الاسبان في المغرب بمن فيهم دانييل غالفان، خصوصا و أن هذا الأخير و حسب مجموعة من التسريبات الاسبانية كان عميل اسباني في العراق و ربما يتوفر على معلومات استخباراتية من غير الممكن الإفصاح عنها و لعل ذلك ما يفسره انتقاله السريع نحو اسبانيا رغم عدم توفره على جواز سفر. كل هذه المعطيات و التي تجعل من قرار العفو نافذا في حق دانييل غالفان بحكم إستراتيجية العلاقات المغربية الاسبانية، تعيها جميع المكونات السياسية المغربية و الحقوقية، وعلى رأسها الحزب الحاكم بالمغرب الشبه ملتحي و الذي أبان عن ارتباك واضح في تدبير هذه الأزمة، ويتضح ذلك بشكل واضح من خلال تصريحات وزير الاتصال مصطفى الخلفي الذي قال انه لا علم له بقرار العفو عن دانييل غالفان، لكن يعلم انه غادر البلد في اتجاه اسبانيا، ثم تصريحات مصطفى الرميد المتناقضة كذلك حينما أكد على أن قرار العفو المسؤول عنه هو الديوان الملكي، وأن وزارة العدل كانت قد نبهته إلى وجود اسم دانييل غالفان ممن سيشملهم العفو، ليعود و يصرح بأن قرار العفو هو نابع من إرادة سياسية إستراتيجية للمغرب في إطار علاقته مع اسبانيا، وانه شان بين ملكين لا دخل لنا فيه، إلى جانب هذا كله نلاحظ غياب أي موقف من طرف السيد رئيس الحكومة. إن أزمة العفو الملكي زادت من قناعة قطاع عريض من المغاربة بان الحكومة بزعامة حزب العدالة والتنمية ما هي إلا ديكور يؤثث المشهد السياسي بالمغرب، و أن اختصاصاتها لا تعدو بأن تكون محصورة في أعمال إدارية بسيطة، كما أنها أبانت عن تغيير نوعي على مستوى وعي الشارع المغربي الذي سارع إلى إدانة العفو بالرغم من كونه صادر عن الملك، وذلك بحكم الموقف الانساني للقضية إذ عبرت جميع الوقفات الاحتجاجية من مختلف المدن المغربية عن حجم الإدانة الكبير، بالرغم من التعاطي القمعي الهمجي الذي جوبه به المحتجون، والذي هو رسالة رفض مخزنية من الاحتجاج على قرارات ملكية، سيما أن وقفة الرباط على سبيل الذكر صدرت من طرف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وحركة العشرين من فبراير، ليأتي بلاغ الديوان الملكي ليؤكد في نقطته الثالثة على كون الملك هو الحامي الأول لحقوق الضحايا، وفضلا عن ذلك الأطفال و عائلاتهم، قاطعا الطريق على كل من يحاول أن ينصب نفسه مدافعا عن حقوق الإنسان، وضاربا بعرض الحائط شرعية المجالس و الهيئات الوطنية المهتمة بحقوق الإنسان. أخيرا نخلص إلى كون العفو الملكي عن مغتصب الأطفال المغاربة، كان بمثابة مبالغ فيها لخوان كارلوس، أبانت عن انحصار النظام السياسي بالمغرب الذي بات يبحث عن حلفاء بشتى الطرق و لو على حساب الشعور الوطني للمغاربة.