تصعيد خطير.. تقارير عن توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    من يحمي ادريس الراضي من محاكمته؟        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    ترامب يؤكد التصدي للتحول الجنسي    حداد وطني بفرنسا تضامنا مع ضحايا إعصار "شيدو"    "إسرائيليون" حضروا مؤتمر الأممية الاشتراكية في الرباط.. هل حلت بالمغرب عائلات أسرى الحرب أيضا؟    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    توقيف شخص بالبيضاء بشبهة ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير        تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باحثون يفككون أزمة اليسار.. يفتشون عن أسباب وهجه في الماضي لتشخيص وضعه الحالي (فيديوهات)
نشر في لكم يوم 05 - 11 - 2022

فكك أكاديميون وباحثون في العلوم السياسية والاجتماعية راهن اليسار المغربي وما يعتمل فيه من أزمات مسترشدين بتاريخه وظروف نشأته ومآله وبالسياق الدولي وبالتغيرات الحاصلة في عالم السياسة والأفكار، فتشوا في أعطابه كما في مكامن قوته، وتراوح التحليل ما بين التاريخ والنوستالجيا ومحاولة العثور على زوايا قد تفيد في استيعاب الحاضر وتجاوز مطباته، نقاش دام ساعات طويلة، خلال مائدة مستديرة، نظمت بمدينة الرباط مساء الخميس، ضمن البرنامج السنوي لمنتدى الفكر والمواطنة، بشراكة مع مؤسسة هاينريش بول الألمانية، أطرها سؤال مركزي يتساءل عن المشروع المجتمعي الجديد للحركة التقدمية واليسار في الحقل السياسي والاجتماعي الراهن، تاركا الباب مشرعا لأسئلة كثيرة قد تكون محط تفكير مستقبلي وقد يواريها النسيان.
اليسار تحول إلى مجرد رقم صغير
افتتحت المائدة المستديرة بورقة تأطيرية، قدمها قال الأكاديمي والباحث في القانون والعلوم السياسية عبد الرحمن العمراني، وجاء فيها أن اليسار صاحب ومهندس مشروع التناوب قبل ربع قرن تحول إلى مجرد رقم صغير، ومكملا لأغلبيات يمينية هشة ضمن معادلات تتجاوزه بالكامل، وفق صيرورة ودينامية لا يملك مفاتيحها ولا يقدر على أي تأثير في توازناتها ومساراتها.
وأوضح المتحدث أن قيم اليسار مازالت حاضرة في العقول وفي الوجدان المجتمعي، لكن وزنه المؤسساتي يسير نحو منحدر لا ينفك يتهاوى نزولا وكأنه سباق نحو الأسفل، قائلا "أمام هذا الانحدار وهذا السياق نحو الأسفل، لم يعد من الممكن الركون إلى ذلك النوع من الوصفات السهلة والخفيفة والتي تستحضر كل العوامل وتستنجد بكل المبررات الظرفية مستنكفة عن تحليل الأسباب النسقية العميقة لهذا الواقع الصعب".
وأكد العمراني في ذات السياق أن ردود الأفعال التي رافقت تحرك اليسار في ظل الوعي بالأزمة وتداعيتها تأرجحت بين ثلاث مسارات متباينة، "البعض وفي سياق وعيه بالأزمة اختار نوعا من الإنزواء إلى الخلف والابتعاد عن ميدان صار يراه نقيضا لقيمه المرجعية وفضل الحفاظ على صفاء الهوية والمنطلق، عن طريق استبدال العمل السياسي بالعمل الثقافي. والبعض الآخر اختار التعويض عن الممارسة السياسية بأشكالها وصيغها المؤسساتية من خلال العمل الجمعوي إيمانا منهم بانسداد الحقل السياسي، أما بعض فصائل اليسار التي خبرت العمل النيابي والحكومي ودواليب الإدارة في فترة التناوب التوافقي اختارت بطريقة ذرائعية التأقلم بشكل انتكاسي واضح مع الموازين الجديدة، وفضلت التأقلم مع الموجود والكائن، فراحت تبحث عن الأعيان والزعامات الجهوية والقبلية ورموز القوة الاقتصادية لتؤثث بها المشهد الحزبي ولتتنافس بها على الفوز بمقاعد تبقيها موجودة ولو بصورة شكلية".
وفي صياغته للسؤال التركيبي الذي انطلقت منه أشغال الندوة، قال العمراني إن اليسار تمكن من صهر ثلاث روافد بنيوية في بوثقة واحدة هي التي صنعت قوته وتجدره ومنظوريته في الوسط السياسي والاجتماعي، حددها المتدخل في: ارتباط اليسار بروح الحركة الوطنية، ما جعله الوريث والمطور لفكرها. والحضور المكثف والمؤطر في الساحة الفكرية بكل امتدادتها الثقافية والاكاديمية والجمعوية. والمعبر الأكثر تمثيلة لأوسع الفئات والطبقات والفعاليات الاجتماعية والناظم الأول للمد المطلبي النقابي."
وأكد العمراني على أن اليسار خلال مرحلة التناوب التوافقي لم يكن منشغلا بما يكفي بالسياسات والإجراءات قدر اهتمامه بترصيد المرجعية وتثبيت دعائمها، مضيفا أن "اليسار ونواته المؤسساتية الصلبة ممثلة في الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية والاشتراكي الديموقراطي تمكن خلال نفس الفترة المذكورة من النجاح نسبيا في مهمة الربط بين المرجعية والسياسات". مسجلا أنه "خلال تلك الفترة بدأ يتبلور شعور عام باغتراب اليسار عن محيطه المجتمعي وبتضاؤل مضطرد في منظوريته المؤسساتية والسياسية، وتقلص في قدرته وفعالية أصواته الإعلامية. وهذا لا يعني بتشكل ميلاد قوى أو تشكيلات سياسية وازنة بقدرتها على التعبئة، وبرامجها، ومتملكة لأفق واضح، ومستندة ميدانيا لخطاب مسموع ومقبول"، ليختم الجامعي والباحث في العلوم السياسية بحزمة تساؤلات تمهد للنقاش الجماعي الذي يتوخى استئناف التفكير النقدي دون تحامل أو مجاملة مع الذات أو تطاول على الواقع والوقائع، على حد تعبير العمراني.
نبش في "عوامل التوهج" وأسباب النكسة
بدايات اليسار فكرا وتنظيما بالمغرب، هي الزاوية التي أخضعتها الباحثة والكاتبة، فاطمة الزهراء أزرويل ، للتفكيك دون الانسلاخ عن تجربة شخصية في مراحل مهمة من تاريخ اليسار، فانضافت الشهادة إلى التحليل والمسافة النقدية اللازمة في العودة إلى التاريخ، ولا حديث عن نشأة اليسار دون حديث عن نشأة نخبته وما كانت عليه وهو ما ركزت عليه أزرويل قائلة إن " الحركة الوطنية شكلت نخبة متميزة بحق، ومن النادر أن تجتمع لمجتمع نخبة من ذلك المستوى في تاريخها، نخبة كانت مشغولة بأفق المغرب بعد الاستقلال، لبناء المغرب، ومنذ وقت مبكر، منذ العشرينيات تحدثت النخبة المغربية للحركة الوطنية عن التعليم وجعلته موضوعا أساسيا، أسست كتلة العمل الوطني سنة 1931، ومن أهم اللجان كانت لجنة التعليم العليا، ترأسها علال الفاسي، وبعد نشأة حزب الاستقلال سنة 1943 توسعت اللجنة لتضم أعضاء آخرين من بينهم المهدي بنبركة، و بالضبط يوم 6 مارس 1943، قدم بنبركة للملك محمد الخامس تقريرا عن تعليم البنات في المغرب باسم قدماء تلاميذ اليوسفية، التقرير اعتمدته الدولة بكامله في بداية سنة 1943″، تسرد الباحثة هذه الوقائع لتقول "هكذا كانت النخبة المغربية" وأن " الانفصال الذي حصل كان طبيعيا، فالوحدة كانت حول الاستقلال، وسوسيولوجيا النخب تعلمنا أن دراسة النخب يجب أن تشمل أًصولها الاجتماعية ومساراتها، تكويناتها، وآفاقها الفكرية والسياسية وتأثير كل هذه العوامل على اختياراتها.. فكان من الطبيعي أن ينشأ اليسار والسنوات التي كان فيها اليسار تنظيما سياسيا حقيقيا وجماهيريا تعود إلى الستينيات".
وفيما يتم الحديث عن اليسار في سياقه السياسي والاجتماعي الحالي، فالعودة إلى "عوامل توهجه" كما فصلت فيها الكاتبة، تحيل إلى انطفاء الوهج أو خفوته حاليا وهو ما فصلت فيها مداخلات أخرى، وقد أوجزت أزرويل تلك العوامل فيما هو ذاتي وما هو موضوعي، قائلة عن الشق الأول أن "الذي ساعد في توهج تلك المرحلة هو أساسا توفر نخبة، توفر قيادات ذات توجهات شعبية، وذات مسار سياسي ورؤية، ووسع اليسار أنداك من قواعده بين الفئات المتعلمة عموما والطبقات الوسطى والفئات الشعبية التي كان يعبر عن تطلعاتها، والتضحيات كانت كبيرة جدا"، أما في شق الظروف الموضوعية، عبرت الباحثة عن أنها لا تحبذ" الآن منهجا في المغرب فكريا سواء بالفرنسية أو العربية ينحو إلى التركيز على الداخل والهوياتية وكأننا نعيش أو عشنا في جزيرة معزولة عن العالم، لا، ففي الستينيات كان هناك محيط العالمي ، وكان هناك معسكر اشتراكي، وكانت هناك إفريقيا وأمريكا اللاتينية بحركات تحررها، ووسط هذا الزخم كله ومنه وبه تأثرت الحركة اليسارية المغربية واكتسبت دفعة كبيرة".
وإذا كانت انتخابات 1963 في نظر أزرويل "لم ير المغرب مثيلها على الإطلاق" مشيرة لحجم الصراع وجديته أنداك، فبعد1967 بدأت الانشقاقات في كل الحركات اليسارية بالعالم العربية، معتبرة أن الذين تسببوا في الانفصال في بداية السبعينيات كانوا "أكثر تبعية للفكر الماركسي وانشقاقاته، بما أن الثقافة اليسارية والماركسية بالخصوص هي ثقافة انشقاق، هذا التشتت كان حاضرا وكان عامل ضعف في اليسار أكثر منه عامل قوة".
وقالت أزرويل إن الإشعاع ا الثقافي اليساري في مغرب الستينيات، من خلال مجلات "الآفاق" "الثقافة الجديدة" "البديل" وملاحق ثقافية للصحف، مثل العلم والمحرر والاتحاد الاشتراكي، ساهم في "توهج اليسار" معتبرة أن إنتاج المعرفة تقليد يساري بامتياز"، مستدلة بكون كبار الاقتصاديين وكبار المفكرين السياسيين حتى في الدول الديمقراطية أغلبهم وأكبرهم وأكثرهم شهرة "ينتمون للفكر اليساري". لتقف أزريول عند تجربة التناوب التوافقي معتبرة أنها لم تكن حكومة يسار بالنظر لوجود حزبي الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار ضمنها، وفي مسببات ما آلت إليه تلك التجربة تقول المتحدثة: "أعتقد أن البعض من اليساريين راهن على العلاقة القديمة بين النظام المغربي والحركة الوطنية، أي تلك العلاقة التي سادت قبل الاستقلال وسنوات بعده، لكن جرت مياه كثيرة تحت الجسر من الخمسينيات حتى بداية التسعينيات، وتشكلت قوى ومصالح في المغرب، وتشكلت قوى نفوذ كبرى تدافع عن مصالحها بكل الطرق ولا تثق في اليسار، اليمين لا يثق في اليسار، دائما يتخوف منه، وهذه المرحلة ساهمت في تمزيق اليسار المغربي بشكل كبير" لتختم أزرويل مداخلتها بالقول إن " أفضل ما يمكن أن يبقى من اليسار هو فكره ومنهجيته في التحليل، فاليسار يٌعلمنا أن نتشبع بالمنهجية العلمية في التحليل والبحث".
نقد للنوستالجيا والتقوقع
ومن تفكيك تاريخ اليسار لدى أزرويل ، انتقل أستاذ الفلسفة السياسية، محمد محيفيظ، إلى سؤال اليسار اليوم، مؤكدا من الناحية المنهجية أن "التفكير في وضع اليسار لا يمكن أن يتم إلا في نقطة التقاطع ما بين الالتزام النضالي ومابين التفكير العلمي، فلا المناضلون وقد صدوا وجوههم عن منابع المعرفة المختلفة يستطيعون أن يقدموا أجوبة، ولا الأكاديميون المتخصصون المنقطعي الصلة بهذا الهم يمكن أن يقدموا حلولا".
ووجه الأستاذ الجامعي بجامعة ابن طفيل، نقده ل"خطاب أزمة اليسار وضعفه ونزوله نحو الأسفل"، معتبرا أنها " قراءات إما تنحرف بالسقوط في خطاب متباكي ونوستالجي ومتأسي على وضع يتألم له، وإما يقف أيضا عند عناصر جزيئة وموضعية ويقدمها كعنوان عن الأزمة، وبالتالي يتعجل في تقديم الأجوبة".
وعدد محيفظ أوجه توصيفات أزمة اليسار ما بين البعد الأخلاقي في المقاربة والذي يتحدث عن "انهيار أخلاقي وعن نماذج البطولة والنضال والالتزام الصادقة التي ضاعت اليوم، ويصبح المشكل هو مشكل أخلاقي، دون التساؤل هل يمكن أن نتحدث عن جيل أكثر نقاء وأخلاقية من جيل آخر؟ وإذا كان ذلك ما هي أسبابه؟"، أو وجه آخر للمقاربة والذي يلخص الأزمة في "جمود فكري" أصاب اليسار، وأن "هذا هو سبب مصائبه"، إلى مقاربة أخرى تركز على "تغير بروفايلات المناضلين من مناضلين بتفاني وتضحية، إلى مناضلين الآن ليس لهم من المناضل إلا الصفة، وفي الواقع هي بروفايلات شخصية"، أو بعد آخر يرى في سبب المشكل هو "نوع من السقوط في أخطاء تكتيكية وفي أجوبة سياسية ظرفية والعنوان البارز لها هنا هو دستور 1996 والتناوب، واعتبار أن ذلك هي مدخل جهنم الأساسي".

وأبدى محيفيظ تحفظه عن المقاربة التي تقول إن أزمة اليسار بدأت مع التناوب، إنهم يغفلون في نظره "مسألة نبه لها أحد قادة اليسار لكنها مرت عابرة وهي أن ذلك السقوط نحو الأسفل بدأ سنوات قبل التناوب، قطاعات كبيرة من الفئات الاجتماعية المرتبطة باليسار بدأت تنسلخ عقدا بعد عقدا، الفلاحين، جيش التحرير، ثم العمال ثم الطلبة ثم المثقفين.." مشيرا إلى أنه في أواسط التسعينات، عندما قبل اليسار دخول حكومة التناوب، كان الوضع في الواقع، عكس ما أوحت به الانتخابات، ما جعل نفس اليسار يدخل تجربة التناوب وهو في حالة ضعف. وخلص المحيفيظ إلى القول بأن " تجربة التناوب بتدبيرها قد فاقمت الوضع لكنها ليست السبب".
ولفت الباحث إلى أن الأزمة ليست محلية بل هي أزمة ديمقراطية تمثيلية على المستوى العالمي، وأن من أخطاء اليسار المغربي هو أن ينكفئ على تحليل واقعه دون الأخذ بعين الاعتبار لما يعتمل في تجارب أخرى، التي قد تعد مختبرات يستفاد منه وتٌمكن من تفادي إعادة تجريب المجرب"، في إشارة منه إلى تجارب أمريكا اللاتينية وبعض تجارب اليسار بأوربا، مثل إيطاليا وألمانيا وإسبانيا، داعيا إلى أن يخرج اليسار من "قوقعته".
من حقل سياسي يدبره رجال السياسة إلى مجال يدبره أصحاب المال والشركات
ومن زواية سوسيو اقتصادية، تناولت سميرة مزبار، واقع اليسار اليوم، من خلال سؤال "كيف يمكن أن تكون يساريا في واقع سياسي متجاوز؟"، ومن هذه الزاوية أثارت الحديث عن مشهد سياسي متجاوز في المغرب وفي العالم ، مثيرة مسألة أشكال التنظيم السياسي كما كانت معروفة مند قرون وعقود ولم تعد ناجعة في تدبير الشأن العام ولم تعد تسهم في التقدم، بما أن "الأحزاب فقدت بشكل واضح تأثيرها مع المرور إلى الليبرالية بل ونحو الرأسمالية المتوحشة فيما يخص المغرب، حيث تم تصريف السلطة تجاه الشركات المتعدد الجنسيات، ولم يعد رجال السياسة هم من يقررون، القرارات تتخذ في مكان آخر وهؤلاء ينفذونها"، موضحة فكرتها بأن "تدبير الشأن العام انتقل لعالم الشركات، أي لعالم المال طبعا، ونحن لدينا أوهام أن هذا المال في يوم أو آخر سيستفيد منه الجميع، والحقيقة غير ذلك..".
واعتبرت الباحثة أن رجال السياسة الحاليين ليس لديهم ما يكفي من الأفكار، والأحزاب السياسية غير مجددة، وتكتفي بالاستعانة بالخبراء ومراكز الدراسات، مشيرة لحالة المغرب في هذا الباب، "حيث صار هناك خبراء في كل شيء، ومكاتب الدراسة هي التي تهيء استراتيجياتنا.." معتبرة أن هذه المقاربة لم تظهر نتائج إيجابية في التدبير. ولا ترى أن المغرب يخرج عن سياق العالم فيما يخص مآل الأحزاب السياسية، قائلة: "لم يعد هناك مكان للأحزاب"، ومشيرة إلى أنه بعد انهيار الأحزاب ظهرت حركات اجتماعية واحتجاجية وشبابية، وأنه صار هنا القليل ممن يصوت للأحزاب أن وفئة الشباب خارج كل هذه الرهانات.
وتحتم مزبار مداخلتها بالقول: "لست موافقة على أنه لم يعد هناك يسار، ثمة يسار، هو موجود لكنه ليس منظما، وهذا ما ظهر في حركة عشرين فبراير"، محذرة من أن "مسألة التنظيم إذا كانت ستؤدي إلى إعادة إنتاج نفس الأشكال الحزبية فسيكون مآلها الفشل، يجب على اليسار أن يغير طريقة عمله، فهو يستفيض كثيرا في السجالات دون إبداع حلول والعمل على تجسيدها".
ثقافة التراضي أضعفت اليسار
وحول أزمة اليسار المغربي بين الماضي والحاضر، طرح حسن الزواوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ابن زهر بأكادي، تساؤلات حول واقع ومستقبل اليسار، ليلفت إلى أن أزمة اليسار في المغرب مرتبطة بسياق العالمي لتوغل الرأسمالية التي اكتسحت السوق وحولت الانسان إلى بضائع، وبخصوص تجربة اليسار المغربي، قال الباحث، إنه مر من تجارب سياسية أولها حكومة عبد الله إبراهيم وثانيها الانتكاسة المتجلية في قبول الاتحاد الاشتراكي دخول اللعبة السياسية منتقلا من يسار السلطة إلى يمينها، مميزا بين يسار على يمين على السلطة، وآخر يسارها وهو ما وصفه باليسار الراديكالي.
وقال الزواوي إن "أزمة اليسار في المغرب ليست مرتبطة فقط بما يقع في العالم من حيث زحف الرأسمالية وتوسع الأسواق، ولكن أيضا ببراغماتيته وقبوله ثقافة التراضي ودخوله في اللعبة السياسية وقبوله شروطها، رغم أنه دخلها متعبا ومنهكا وليست له الموارد المؤسساتية والقانونية الكفيلة بقلب موازين القوى ، هنا انقلب السحر على الساحر، وعوض أن تقوي ثقافة التراضي اليسار أضعفته، خاصة سنة 2002، حينما دخل الحكومة رغم أنه هو الذي كان ينبغي أن يكون حريصا على احترام المنهجية الديمقراطية"، مشيرا إلى أن "أزمة اليسار يتحمل فيها اليسار الكثير من المسؤولية، لأن وصوله للسلطة أنساه مهامه التاريخية المتمثلة في التأطير ورفع الوعي وأصبح همه الوحيد المقاعد ولو على حساب مرجعيته".
وإذا كان ذاك حال اليسار "على يمين السلطة" كما يصفه الباحث فإن حال اليسار على "يسار السلطة"، سمته "التشرذم" مشيرا لواقع فيدرالية اليسار والاشتراكي الموحد، و"ما وقع لهم من سوء تفاهم" ، متسائلا: "هل الأحزاب اليسارية اليوم هي بنيات لإنتاج الديمقراطية أم بينات غير قادرة على تجديد خطابها لتساهم في الدفع بالديمقراطية وهل مازالت القوى اليسارية قوى ديمقراطية ..؟"
ومن مظاهر الأزمة في نظر الزواوي أن "الخطاب اليساري لازال خطابا نخبويا، غير قادر على الاستماع لنبض الشارع بشكل يساهم في تغذية البرامج الانتخابية" وأن اليسار عاجز أمام "تحدي الرقمنة" التي ساهمت في تغيير "الشكل النضالي في حين أن اليسار لازال كلاسيكيا، وغير قادر على تطوير لغته السياسية.." دون أن يستثني من تلك المظاهر ما وصفه ب "ضعف المثقف اليساري المنتج للأفكار مما ساهم في تقوية الشعبوية، بما أن اليسار ظل منكفئا على المسألة السياسية".
وفي نهاية مداخلته طرح الباحث تساؤلات جوهرية لفهم أزمة اليسار حاليا، من قبيل هل الأحزاب اليسارية اليوم هي بنيات لإنتاج ديمقراطي؟ هل لازلت القوى اليسارية قوى ديمقراطية؟ كيف يتعامل اليسار اليوم مع إكراهات العولمة والرقمنة؟ متى سينزل اليساريون من برجهم العاجي كي ينصتوا للقاعدة؟ كيف نفسر تقارب العدل والإحسان والنهج الديمقراطي وتحالف حزبي التقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية؟
وختم مداخلته مؤكدا على أن اليسار المغربي مطالب اليوم بمراجعة نقدية تساهم في تسليط الضوء على اختياراته وبعث روح جديدة لنهضته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.