في كلمة واحدة ودون فذلكة أو فلسفة، الاغتيال جريمة شنيعة شنعاء، لا يمكن تبريرها سياسيا أو عقائديا، الاغتيال السياسي هو جريمة ضد البشرية واغتيال للحياة ولكل القيم الإنسانية الجميلة، والمغتالون مجرمون قتلة لا يمكن البحث لهم عن مبرارت أو تفسيرات. بكل وضوح ينبغي أن يكون رفضنا للاغتيال السياسي والعنف السياسي ولكافة أشكال الإرهاب، وعلى المثقفين والنخب والعلماء والسياسين والإعلاميين والجميع أن يرفضوه وينددوا به ويتوحدوا ضد القتل بكافة أشكاله، فالرصاص والنار والدم والأشلاء لا ينبغي أن تقتل الكلمة أو تكمم الأفواه أو تخرس الفكر أو تغتال الحرية، الاغتيال مرفوض أيا كان مصدره أو جهته إسلاميون أو علمانيون أو عسكر أو مدنيون، الاغتيال تخريب للإنسان وللأوطان، تخريب للإنسان لأنه يشيع الخوف في النفوس، والنفوس إذا خافت استعبدت واسترقت، وخراب للأوطان، لأن الأوطان إذا شاع فيه الخوف سادها الاستبداد وعشش فيها الفساد، هذا موقف مبدئي أخلاقي ينبغي أن يملك الجميع الجرأة للجهر والجأر به على رؤوس الأشهاد، ولا داعي للمزايدة فالدم أكبر من المزايدة وليس بعد الدم زيادة. وبعد الموقف المبدئي الأخلاقي نحاول أن نفهم أبعاد الاغتيال وأهدافه، فهو وإن كان دمويا بشعا، فالأبشع منه ما يمكن أن يخلفه من نتائج، لأنه ليس مجانيا بكل تأكيد. لأن من أطلق رصاصات الغدر الإحدى عشر على المناضل محمد البراهمي، كان يحمل كل رصاصة رسالة، رسالة لا يمكن أن تخطئها عين النبيه: 1- محاولة جديدة لتفجير الأوضاع بعد أن باءت المحاولة الأولى بالفشل، واستطاع عقلاء تونس لملمة تداعيات اغتيال شكري بلعيد وإنقاذ البلاد من مواجهات دامية مفتوحة. 2- غرس بذور انعدام الثقة بين فرقاء سياسيين العلاقة بينهم أصلا هشة. 3- تفجير الائتلاف الحكومي الوطني الذي يصارع من أجل البقاء. 4- وأد تجربة ديمقراطية جنينية وإجهاض مسلسل ديمقراطي يتلمس خطواته الأولى في ظل وضع إقليمي ودولي مليء بالتهديدات والمخاطر. 5- إفشاء روح الإحباط لدى المواطن العربي في جدوى الربيع العربي ونتائجه، فأغلب دوله لا تبدو مستقرة مصر اليمن ليبيا سوريا. 6- التخويف من الإسلاميين ومن كفاءتهم وقدرتهم على توفير الأمن بعد وصولهم للسلطة. 7- تهيئة الأجواء العامة للانقضاض على حركة النهضة. 8- ممارسة الضغط على المجلس التأسيسي لتمرير تعديلات في مسودة الدستور الجديد. 9- خلط أوراق المشهد السياسي في تونس. 10- محاولة فلول ابن علي في الأجهزة الأمنية إرهاب المعارضين من السياسيين والإعلاميين. 11- توفير الغطاء للانقلاب على المسار الديمقراطي في تونس، قد يكون شبيها بما يقع في مصر. إن تونس بن علي التي كانت مرتعا لعملاء "الموساد" و"السي أي إيه" والمخابرات الفرنسية لن يسمح لها بإنجاح تجربة ديمقراطية يقودها الإسلاميون في شمال إفريقيا لتكون نموذجا لدول الجوار، ولو كلف ذلك إراقة دماء كثيرة. فهل يكون التونسيون على وعي بحجم التحدي ويفوتوا على أعداء الثورة ووكلاء الغرب الفرصة أم سيسقطون في دائرة العنف المقيتة؟ أليس من غريب الصدف أن يتكرر الاغتيال في تونس مرتين في أقل من سنة؟ أليس من الغريب أن الاغتيال السياسي، اغتيال "فرحات حشاد" الذي كان بالأمس سببا في اندلاع شرارة التحرر في شمال إفريقيا، وعاملا من عوامل تحرير تونس من الاستعمار الفرنسي، يراد له اليوم أن يعيد تونس تحت نير الاستبداد والاستعمار وسيطرة أبناء فرنسا، وأن يغتال ديمقراطية تونس الخضراء التي اندلعت منها شرارة الربيع العربي؟