مرحلة استراتيجية جديدة في العلاقات المغربية-الصينية    محامون يدعون لمراجعة مشروع قانون المسطرة المدنية وحذف الغرامات        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    النقيب الجامعي يكتب: على الرباط أن تسارع نحو الاعتراف بنظام روما لحماية المغرب من الإرهاب الصهيوني    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    سبوتنيك الروسية تكشف عن شروط المغرب لعودة العلاقات مع إيران    كأس ديفيس لكرة المضرب.. هولندا تبلغ النهائي للمرة الأولى في تاريخها        الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    فولكر تورك: المغرب نموذج يحتذى به في مجال مكافحة التطرف    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    تخليد الذكرى ال 60 لتشييد المسجد الكبير بدكار السنغالية    رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم: "فخور للغاية" بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا    قلق متزايد بشأن مصير بوعلام صنصال    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    خبراء يكشفون دلالات زيارة الرئيس الصيني للمغرب ويؤكدون اقتراب بكين من الاعتراف بمغربية الصحراء    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية    طقس السبت.. بارد في المرتفعات وهبات ريال قوية بالجنوب وسوس    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط        الموت يفجع الفنانة المصرية مي عزالدين    وسيط المملكة يستضيف لأول مرة اجتماعات مجلس إدارة المعهد الدولي للأمبودسمان    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    موتسيبي يتوقع نجاح "كان السيدات"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين        المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    مشروع قانون جديد لحماية التراث في المغرب: تعزيز التشريعات وصون الهوية الثقافية    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصص وحكايات عن الحَمام الزّاجل وَعِشقه وَخَصَائِصِه
نشر في لكم يوم 30 - 06 - 2022


يا طيرة طيري يا حمامة
وانزلي بدمّر والهامة
هاتي لي من حبي علامة
ساعة وخاتم ألماس
يكفى عذابي حرام والله
أنا على ديني
جننتيني
على دين العشق حرام والله
كم صدح صوت المطرب صباح فخري طالبا من حمامة الأيك ان تأتيه من خليله علامة ،كم من حكايات طريفة، وقصص غريبة، ومن أخبارٍ مفجعة نغّصت أنفس المتيمين الهائمين، وأخرى سارّة أثلجت قلوبَ المحبّين والمُغْرَمين، حملتها أرجلُ هذه الطيور الوديعة،وكم من حروب ضارية ومعارك طاحنة دارت رحاها بسبب مكتوب صغير، بل كم من مواجهاتٍ جرت بسبب الحَمام منذ أقدم العصور والدهور، فقد كان الحمام بالفعل يقوم بدور"حامل البريد" بين العديد من البلدان،واالشّعوب، والأفراد فى فترات السّلم أو فى أزمنة الحروب،وحقب المواجهات فقد إستعمله القائد العسكري، والسياسي الروماني يوليوس قيصر (جايوس يوليوس قيصر) 13 يوليه 100 ق م الذي لعب دوراً حاسماً فى تحويل الجمهورية الرومانية للامبراطورية الرومانية فى فتوحاته، أو فى غزواته، كما إستُعْمِل الحمام كوسيلة لحمل البريد خاصّة عند الصّينيين،والفُرس، والرّومان،وقد إستعمله المسلمون بمهارة فائقة فى هذه المهمّة كذلك ،حيث كان الحمام يقوم بربط الصلة بين مراكز الحُكم فى هذه الإمبراطوريات،وبين البلدان التي تمّ غزوها أو فتحها ،وتطوّرت هذه العادة فيما بعد فى أوربا،وخلال الثورة الفرنسية (1848) قام الحمام بدور فعّال خلال هذه الثورة بل لقد حملت أرجلُ الحمام رموز التكنولوجية المتطوّرة ،وخلال الحرب الفرنسية الرّوسية نقل الحمامُ رسائلَ داخل ميكروفيلم وأشرطة تسجيل دقيقة،وجدّ مصغّرة حيث كانت كلُّ رسالةٍ تُصوَّر وتُصغَّر ثم تُطبع على الشريط الذي قد يحتوي على 2500 رسالة، وقد عمد البارزيّون على تحليق العديد من الحمام فوق رؤوس الجيوش الألمانية ،وكانت كلّ حمامةٍ تحمل قرابة 12 شريطاً ،و أزيح النقاب اليوم عن حقائق مُثيرة و اخبار مُذهلة لها صلة بالحمام ،حيث تمّ تسريب خلال هذه الحروب والمواجهات ما ينيف على مليون ونصف مليون رسالة، إلاّ أنّ الرّوس درّبوا النّسور والصّقور لإستقبال هذه الأسراب الهائلة من الحمام ،ولم يصل منها إلى هدفَه سوى النزر اليسير،وسقط الباقي صريعاً بين مخالب،ومناقير هذه الطيور الجّارحة.
أخبار وقصص وحكايات
لا زالت اخبار تاريخ بداية إستعمال الحمام "كساعي البريد" في طيّ المجهول ، إلاّ أنّ المسلمين طوّروا هذه الوسيلة تطويراً كبيراً، و في عام 1150 أقيم فى بغداد أوّل مصلحة بريد بواسطة الحمام . وقد نظمت مسابقات ومباريات فى مختف بلدان العالم لقياس مدى سرعة الحمام فى تبليغ الرسائل حيث تأكد أنّ سرعته يمكن أن تصل 145 كلم فى الساعة الواحدة عبر مسافة تصل 750 كلم .ويؤكد العلماء ان للحمام حاسّة خاصّة،ومسالك معيّنة تتّبعها أسراب الحمام المحمّلة بالرّسائل ،ويمكن لها أن تعود إلى أعشاشها مهما بعدت عنها،وخلال تجربة علمية تمّ إجراؤها على الحمام إنطلاقاً من 131 رحلة (حوالي60 كلم فى كلّ رحلة) قامت بها عشر حمامات، حمامتان فقط لم تتمكّنا من العودة إلى أماكنها الأصلية، إلاّ أنّ هاتين الحمامتين مع ذلك لم تبعدا عن المكان المحدّد لهما سوى بمسافة 15 كلم فقط .
حقائق مثيرة عن الحمام
خلال الثلاثين سنة الأخيرة اكتشف العلماء حقائق مثيرة لها صلة بهجرة الحمام، ومدى قدرته على العودة إلى مواطنه الأصلية،وأعشاشه الأولى مهما نأت المسافات التي قطعها بعيداً عن هذه الأعشاش ،ولتأكيد هذه الحقيقة أجرى العلماءُ مؤخّراً تجربة فريدة فى "شمال مشيجان" بالولايات المتّحدة الأمريكية تجارب مذهلة حيث قاموا بإستخراج حمامة من عشّها، وتمّ نقلها إلى "منطقة آن أربور" على بعد 375 كيلومتر جنوباً ،وقد أطلق سراحها فى هذا الموقع فى الساعة العاشرة و40 دقيقة ليلاً،وفى اليوم التالي فى الساعة السّابعة وخمسة عشرة دقيقة صباحاً وجدوا الحمامة قد حطّت على عشّها من جديد ،علماً أنه خلال الليل الذي قامت فيه الحمامة برحلة العودة كانت السّماء مُلبّدة ومغطّاة تماماً بطبقة سميكة من السّحب الداكنة الكثيفة ،كما إكتشف العلماء أنّ مواطن الإتجاه عند الحمام تكمن فى بعض الضوابط والذبذبات ذات حساسية كبرى توجد فى رؤوسها،إذ عندما وضع الباحثون وعاءً صغيراً من معدن خفيف على رأس سرب من الحمام تاه السّرب عن وجهته بسهولة. وفحص العلماءُ دماغَ الحمام الزاجل، واكتشفوا وجود كميات كبيرة من الجزيئات المغناطيسية متمركزة في أسفل جمجمته، وعند إستخراج هذه الجزيئات تبيّن أنها تتكوّن من "بلورات أكسيد الحديد المغناطيسي" ويبلغ عددها حوالي عشرة ملايين جُزيء تقع في النّسيج الدماغي المرتبط ارتباطاً وثيقاً مع العصب المسؤول عن نقل السيالات العصبية الشمّية.وهكذا يكون دماغ الحمامة قادراً على تخزين، وحفظ وجهة الطيران المنشودة أو المقصودة في الذاكرة بسهولة ويُسر .
على مدى تحليق الحَمَام
شعر الانسانُ منذ أقدم العصور بميلٍ خاص نحو هذه الطيور، إلاّ أنّه أمسى يبحث اليوم عن وسيلة للتعايش معها فى سلام حتى لا تلحق أضراراً بالمباني التاريخية، والمآثر المعمارية التي أصبحت تراثاً وملكاً للإنسانية جمعاء،إلاّ أنّ المعضلة الذي ما زالت قائمة الى اليوم إذ أمام المطالبات المستمرّة والمتوالية للحفاظ على الطبيعة والبيئة والحمام جزء منها،وأمام تكاثره المتزايد يجعل الانسان أمام مشكل عويص، فهو لا يتوقف عن حفر، ونخر،ونقر،وإفساد وإتلاف ليس فقط ما بناه أجدادنا، بل إنه يفسد حتى أعمال الترميم التي تجري على هذه المباني القديمة بين الفينة والأخرى، ويفضل الحمام هذه الأماكن فى المباني والمعالم المعمارية لأنّ الحمام هو من فصيلة الحيوانات ذوات الدم السّاخن ،والصّخر يحتفظ بالحرارة ،كما أنّ الفضلات والبقايا التي يتركها فوق هذه المباني تشكّل هي الأخرى خطورة بالغة على البيئة،وهكذا يلاحظ الناس أنّ الحمام إلى جانب مزاياه،وخصائصه المتعددة، فإنّ له كذلك بعض المساوئ،والأضرار منها القاذورات التي يتركها على شرفات المباني الأثرية، وعلى واجهات الجدران التاريخية، والعمارات ،كما أن الحمام ينقل عدوى بعض الأوبئة والامراض المعدية من منطقة إلى أخرى، بل ويأتي فى بعض الأحيان على مزارع بأكملها،ومع ذلك ينظّر الناس إلى الحمام بنوعٍ من الرّضى،والإنشراح،واللطف،والتعاطف ويعملون على إلقاء حبوب القمح،والبُرّ والذّرة، وفتات العيش له وسط ساحات العواصم والميادين الشاسعة في المدن الكبرى، وعلى أبواب المساجد، والكنائس، والبيع ويلهو معه الكبار والصّغار على حدّ سواء، وتؤخذ لهم معه يومياً العديد من الصّورالتذكارية التي تزدان بها بيوتهم، ودورهم.
وهكذا يبدو للعيان كيف ان مشكل الحمام حيّر العلماء والباحثين، إلاّ أنهم فى مختلف الحواضر الكبرى إهتدوا أخيراً إلى طريقة تجعل الحمام ينأى عن هذه المباني التاريخية، والمآثر المعمارية حتى لا تصنع أو تضع أعشاشها بها، وهي إقامة شِبَاكٍ ذات عيون ضيقة حول هذه المباني، أو وضع سوائل، ومراهم معيّنة تجعل الحمام لا يعود ليحطّ على هذه المباني من جديد،وتتماشى هذه الطريقة مع مبادئ الجمعيات العالمية التي تطالب بالحفاظ على الطبيعة، وصون البيئة ،وكان الناس فيما مضى يستعملون فى الحواضر الكبرى الأسلاكَ الكهربائية الشائكة ،كما كانوا يضعون الموادَّ السامّة التي تؤدّي إلى عقمها، أو قتلها بشكلٍ جماعي ،وكانت هذه الإجراءات تتنافى مع مبادئ الحفاظ على الطبيعة والبيئة، ممّا أثار غضب، وحفيظة، وسخط الجمعيات والمنظمات العالمية التي تُعنى بهذا الموضوع، وهكذا فالطريقة الجديدة لا تلحق أضراراً لا بالإنسان، ولا بالوسط الطبيعي، والبيئي، ولا بالطيور ،وقد أعطت هذه الطريقة نتائج باهرة بحيث أصبحت هذه المعالم، والبناءات نظيفة، وعاد إليها رونقها القديم ،وهذه الطريقة هي المتّبعة اليوم فى العديد من مدن أمريكا اللاّتينية الكبرى وفى مدن أخرى فى مختلف أنحاء المعمور.
الحَمَام عاشقٌ مولّه
توكد معظم الكتب التي تبحث فى تاريخ الحمام أنها ملأت الفضاءات منذ أقدم العصور قبل بداية كتابة التاريخ نفسه ،أيّ منذ ما ينيف على 25 مليون سنة،و يشير العلماء المتخصصون انه يوجد اليوم أزيد من 300 صنفاً من الحمام منتشراً فى مختلف أصقاع العالم،ومناطقه وأرجائه، وهذا العدد كان بالإمكان ان يزيد ،ذلك أنه على الرّغم من أنّ العالم أجمع يعتبر الحمام رمزاً للسّلام، فإنه مع ذلك لم يسلم من أذى الإنسان،وبالتالي فإنّ غير قليل من أصنافه تعيش خطرَ الإنقراض،وتؤكد معظمُ البحوث التي تُعنى بالحفاظ على البيئة، والتنوّع الطبيعي أنّ خمسة أصناف من الحمام قد إنقرضت بالفعل. ولم يعد لها وجود بيننا اليوم
و لاحظ العلماء ان الحمام له وقتان مفضّلان للغذاء ،الأوّل عند الصباح، والثاني عند المساء،ولا يكتفي الحمام بنوعٍ واحدٍ من الحَبّ ،بل إنه يفضّل مختلف أنواعه، وضروبه،وتنطلق حمامة واحدة أو حمامتان إثنتان (مثل النحل والنمل) للبحث عن أماكن تواجد الغذاء ثم تخبرالأسرابَ الباقية، فتنطلق جميعها نحو الأماكن التي تكثر فيها الحبوب،والحمام يلاطف ويغازل بعضه البعض، وهو عاشق مولّه، ويدخل فى شجار عنيف عند شعوره بالغيرة،وغالبا ما نجد داخل السّرب الواحد من الحمام حمامة مُسيطرة، فى حين يخضع الباقي لها.ودلّت البحوث التي أجراهها العلماء أن الذّكر من الحمام هو الذي يتكفل بمهمّة صنع الأعشاش،ويحتلّ الذكر العشّ لمدّة طويلة، ثم يبدأ فى معاكسة،ومغازلة الأنثى ويرغمها على مشاركته العشّ، وهو يقنعها بذلك أحياناً بنقرها نقراً متواصلاً دون كلل .
الحمام يفرز لبناً
والغريب أنّ هذه الطيور على الرّغم من أنّها لا تعتبر لبونية كباقي فصائل الحيوانات الأخرى التي تُنعت بهذا الوصف، إلاّ أنّ الحمام يُرضع صغارَه، ويشبه حليبه إلى حدٍّ كبيرحليب الحيوانات الضرعية أو الثديية ، فللحمام مرئ متطوّر يطلق عليه الحوصلة يتكون خلال الأيام الأخيرة من حضانة البيض حيث تتّسع بعض الخلايا داخل هذه الحوصلة، ثم تظهر الخلايا التي تفرز الحليب ،وعندما تولد الأفراخ من صغار الحمام لا تتغذّى فى البداية سوى بهذا الحليب ،وهي تدخل مناقرها الصغيرة داخل حنجرة الأنثى أو الذكر،وهكذا تتمّ عملية الرّضاعة من طرف الأب والأم على حدّ سواء ،وخلال فترة الحضانة يقلّ بشكلٍ ملحوظ عنف الحمام خاصّة خلال الأيام الأولى بعد التفريخ وهذه أمور قد تثير الإستغراب، وتبعث على الدّهشة ولكن لله فى خلقه شؤون.
ماذا جاء في اللغة عن الحمام ؟
جاء في معجم (مختار الصّحاح للشيخ الإمام محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرّازي) : "والحمام عند العرب ذوات الأطواق نحو الفواخت، والقمري، وساق حر، والقطا، والوراشين، وأشباه ذلك، الواحدة "حمامة" يقع على الذكر والأنثى، والتاء للإفراد لا للتأنيث ،وعند العامّة إنّها الدواجن فقط، وجَمْعُ الحمامة "حمام" و"حمامات" و"حمائم"، وربما قالوا حمام للواحد ،و" اليمام" : الحمام الوحشي، وهو ضرب من طير الصّحراء هذا قول الأصمعي .وقال الكيسائي: الحمام هو البرّي، واليمام، هو الذي يألف البيوت،وتحفل الأشعار العربية،والآداب العالمية فى مختلف العصور،وكذا أغاني الطرب، والمواويل، والمقطوعات الشعبية، والموشّحات، والزّجل بالإشارة إلى الحَمائم، وذكرها والتغنّي بها .
رَمْزُالمَحَبَّة والعفّة ولسَّلم
وقصّة الرّسول (ص) عندما خرج من مكّة بعد أن طارده الكفّار معروفة، فقد كان صحبة أبي بكر الصدّيق فلجأ هما الإثنان إلى غار، وعندما وصل الكفّار وجدوا على باب الغار نسيجَ عنكبوت وقد عشعشت حمامة عند مدخل الغار فاعتقد الكفّار أنّهما لا يوجدان بداخله، وفى ذلك يقول الله تعالى فى كتابه العزيز :" الا تنصروه فقد نصره الله إذ اخرجه الذين كفروا ثاني إثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وعذب الذين كفروا" (التوبة) صدق الله العظيم.
كما أن قصّة سيّدنا نوح عليه السّلام فى الطوفان ورد فيها ذِكْر الحمام ،وفى الدّيانة المسيحيّة فإنّ الحمامة تمثّل الرّوح القدس، وترمز إلى الطهارة والعفّة حسب بعض الروايات،وقد إقترنت حياة الإنسان منذ أقدم الأزمان بهذا الطائر الجميل الذي عاش إلى جانبه، وقاسمه الزمانَ والمكان،وهي طيور شديدة الألفة، والتعلق بمواطنها، وهي تعود إلى أماكنها الأصلية حتى ولو قطعت أبعدَ المسافات ،والأصناف التي تعيش بين ظهرانينا اليوم تنتمي إلى صنفٍ ينحدر من الحمام القديم الذي كان يُطلق عليه حمام الصّخور.
وهناك نوع من الحمام (اليمام) يتميّز بخطّ رمادي فى عنقه ،وهديله عبارة عن ذبذبات صوتية شجيّة شبيهة بالذِّكر ،ويحرص الناسُ على تربيته، والعناية به داخل بيوتاتهم، وحدائقهم للإستمتاع، والإستماع إلى ذِكره والإستئناس به ،وللتبرّك بهديله ،بل ولقد أطلق عليه العامّة إسماً يتماشى مع هذا المعنى وهو إسم"ذُكْرالله"،ومن المعروف أنّ الحمام يُستعمل اليوم رمزاً للسّلام فى منظمة الأمم المتحدة، وهو شعار عملها.
أيا جارتا هل تشعرين بحاليِ ؟
و لابد ان عشّاق الادب العربي الزاخر بالخبار والمرويات عن الحمام وتاريخه وهديله ونواحه واقاصيصه وخصائصه يعرفون جيدا انه فى روميّات الشّاعر الأمير أبي فراس الحمداني (932- 968) وهي القصائد الشهيرة التي بعثها أبو فراس من أسره ببلاد الرّوم إلى إبن عمّه سيف الدولة الحمداني ، أو إلى والدته، أو إلى أصدقائه يصف فيها أحوالَ الأسر، وأهواله القاسية نجد أبياتاً رقيقة، وجدانية، مؤثّرة، بليغة، ومعبّرة يناجي فيها حمامةً تنوح على شجرة بالقرب من أسره، وفيها يقول :
أقول وقد ناحت بقربي حمامةٌ ... أيا جارتا،هل تشعرين بحاليِ..؟
أيا جارتا ما أنصفَ الدّهرُ بيننا ... تعاليِ أقاسِمكِ الهُمومَ تعاليِ
تعالى تري روحاً لديّ ضعيفة ... تَرَدّدُ في جِسْمٍ يُعَذّبُ بَالي
لقد كنتُ أولى منكِ بالدّمع مُقلة ... ولكنّ دمعي، فى الحوادث غالِ !
ويقول فيلسوف الشعراء او شاعر الفلاسفة أبو االعلاء المعرّي فى داليته الشّهيرة:
غيرُ مجدٍ في ملّتي واعتقادي نوح باكٍ ولا ترنم شاد
أبَكَت تلكمُ الحمامةُ أم غنّتْ على فرع غصنها الميّاد
ويقول شاعر آخر: حمامةُ الرّوض قد هيّجت أشجاني...لما شجوتِ بلحنٍ منكِ أبكاني
ويقول الشّاعر الأندلسي إبن سفر واصفاً وصفاً بديعاً وفريداً المدّ والجزر فى نهر إشبيلية فى صورةٍ رائعة :
شقّ النسيمُ عليه جيبَ قمِيصِه...فانسابَ من شطّيه يطلب ثارَه
فتضاحكتْ ورقُ الحَمام بدوحها...هُزُءاً فضمّ من الحياءِ إزارَه
ويقول الشاعر العاشق المتيّم الهائم في عالم الصّبابة والجوىَ قيس بن الملوّح (مجنون ليلى)..( كما يُنسب هذان البيتان للعبّاس بن الأحنف، أحد الشعراء المولدين) والبتان موجودان في كلّ من ديوان المجنون، وديوان العبّاس، و لابد انّ ذلك من خلط الرواة، جاء فيهما :
بكيتُ على سرب القطا إذ مررنَ بي.... فقُلتُ ومثلي بالبُكاء جَديرُ
أسِرْبَ القَطا هَل من مُعيرٍ جَناحَه.... لعلّي إلى من قَد هَوِيتُ أطيرُ
ويقول امير الشعراء أحمد شوقي : حمامةُ الأيكِ مَن بالشّدو طارحها... ومَنْ وراء الدُّجى بالشّوق ناجاها.
*****************************************
كاتب ن المغرب ،عضو الأكاديمية الإسبانية – الأمريكية للآداب والعلوم – بوغوطا- ( كولومبيا).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.