بمشاركة المغرب: افتتاح أشغال الدورة العادية ال46 للمجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي بأديس أبابا    الرباط: مجلس المستشارين يختتم أشغال الدورة الأولى من السنة التشريعية 2024-2025    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الأربعاء بأداء إيجابي    سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة: النظام الجزائري يحاول التقارب مع تل أبيب من خلال وساطة أفريقية والقيادة الاسرائيلية ترفض    إبراهيم دياز يعلق لأول مرة بعد الفوز على مانشستر سيتي    الاتحاد الدولي لألعاب القوى يلزم العداءات ب "مسحة الخد" لإثبات أنَّهنَّ إناث    ظهور مفاجئ لسمكة "الشيطان الأسود" في الأعماق يثير الدهشة    القاتل الصامت بنهي حياة شابة بتزنيت    إسرائيل تتوعد حماس ب"معارك عنيفة" وإنهاء اتفاق الهدنة في حال عدم إفراجها عن الرهائن بحلول السبت    دوري أبطال أوروبا (ذهاب ملحق ثمن النهاية): ريال مدريد يعود بفوز ثمين من ميدان مانشستر سيتي (3-2)    إقالة المفتش العام للوكالة الأميركية للتنمية بعد انتقاده لترامب    بعد توجيهه لرسالة يطلب فيها عقد لقاء.. التنسيق النقابي لقطاع الصحة: "الوزير تجاهل طلبنا ومستمر في الانفراد بالقرارات"    توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء    الصحة العالمية: سنضطر إلى اتباع سياسة "شدّ الحزام" بعد قرار ترامب    المصالحة تتعثر في أولمبيك آسفي    الصين تعرب عن استعدادها لتعزيز تطوير الذكاء الاصطناعي مع الدول الأخرى    حوار قطاعي بين وزارة العدل والنقابة الوطنية للعدل.. توافق حول ملفات الترقية والتعويضات والخصاص    سوريا ترفض الإفراج عن جنود وضباط جزائريين وعناصر من بوليساريو.. دليل إدانة ضد الجزائر وبوليساريو لمشاركتهما في تقتيل الشعب السوري    شرطة مراكش تفكك شبكة للبغاء    ‬"أونكتاد" تتفحص اقتصاد المغرب    كيف تحمي نفسك من الاحتيال عبر الإنترنت في 2024: دليل شامل لحماية بياناتك وأموالك    مشاريع مبرمجة في مقاطعات البيضاء تشحن الأجواء بين "البام والأحرار"    الشرع يصدم كابرانات .. المقاتلين الجزائريين في صفوف الأسد سيحاكمون في سوريا    دوري أبطال أوروبا لكرة القدم.. باريس سان جرمان يضع قدما في ثمن النهائي بفوزه على بريست (3-0)    زيارة رئيس الاتحاد العربي للتايكوندو السيد إدريس الهلالي لمقر نادي كلباء الرياضي الثقافي بالإمارات العربيةالمتحدة    البحرية الملكية تنقذ مهاجرين سريين كانوا عالقين في أعالي البحار    الرئيس السوري أحمد الشرع يرفض طلب الجزائر بالإفراج عن معتقلين من الجيش الجزائري وميليشيات البوليساريو    لقجع: تنزيل الإصلاح الجبائي مك ن من تسجيل تطور مستمر للمداخيل الجبائية    مجلس المستشارين يختتم دورته الأولى للسنة التشريعية الرابعة ويستعرض حصيلته    خبير جيولوجي: قوة "زلزال وزان" تسجل عشرات المرات دون استشعار    إسرائيل تتوعد حماس ب"معارك عنيفة"    شدد على أهمية اتخاذ تدابير لخلق فرص الشغل ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة .. صندوق النقد الدولي يدعو المغرب إلى استهداف التضخم ومواصلة توسيع الوعاء الضريبي    مداولات البورصة تتشح ب"الأحمر"    "أمر دولي" يوقف فرنسيا بمراكش    المغرب يخسر نقطة في مكافحة الفساد .. وجمعية "ترانسبرانسي" تتأسف    حاسوب خارق يمنح برشلونة الأمل للفوز بلقب دوري أبطال أوروبا ويصدم ريال مدريد    المجلس الأعلى للحسابات يدعو الموظفين والأعوان لتجديد التصريح بالممتلكات    7 مغاربة يتوّجون بجائزة "ابن بطوطة"    أيقونة مجموعة "إزنزارن" مصطفى الشاطر في ذمة الله    منتج فيلم "روتيني" يلجأ إلى القضاء    احتفاء بالموسيقى المغربية الأندلسية    "قُبلة المونديال" .. روبياليس "متأكد تماما" من موافقة هيرموسو    باحثون يطورون اختبارا جديدا يتنبأ بمرض الزهايمر قبل ظهور الأعراض    نصائح للحفاظ على الصحة العقلية مع التقدم في العمر    منظمة الصحة العالمية تطلق برنامجا جديدا للعلاج المجاني لسرطان الأطفال    تتويج الشاعر المغربي عبد الوهاب الرامي بجائزة "بول إيلوار 2024"    الطرق السيارة بالمغرب: تثبيت جسر الراجلين عند النقطة الكيلومترية "PK1" للطريق السيار الدار البيضاء-برشيد ليلة الأربعاء-الخميس    وزيرة الثقافة الفرنسية تزور مدن الصحراء المغربية لتعزيز التعاون الثقافي بين المغرب وفرنسا    مباحثات مغربية إماراتية لتعزيز التعاون في مجال الطيران المدني    سعيد الناصري يختار درب السلطان لتصوير فيلمه السينمائي "الشلاهبية"    بسمة بوسيل تحت الأضواء مجددا بعد تصريحاتها الجريئة حول طلاقها من تامر حسني    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    مناهضو التمييز يحذرون من وصم الأطفال بسبب "بوحمرون" ويدعون إلى إجراءات شاملة    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين أحمد الريسوني ومحمد يسف
نشر في لكم يوم 28 - 06 - 2013

الخلاف الذي وقع بين محمد يسف فقيه السلطة، وأحمد الريسوني فقيه الإسلام السياسي، يعكس بتداعياته وأبعاده أزمة العقل الإسلامي المعاصر، ومدى ما وصل إليه من ارتباك في استعمال الدين والعبث به، سواء في إطار المعارضة الأصولية الساعية إلى الاستيلاء على الدولة، أو في إطار دوائر السلطة الاستبدادية التي ما زالت تصرّ على اعتماد الدين آلية من آليات ترسيخ السلطوية وفرملة الانتقال السلمي نحو الديمقراطية.
الرجلان معا وقعا في تناقضين يضعهما موضع تساؤل، فالسيد الريسوني دعا إلى ضرورة الترخيص ل"المسيحيين والشيعة والملحدين" على حد تعبيره، بإنشاء جمعيات وتنظيمات لهم لكي يعبروا فيها عن مواقفهم ورؤاهم، وهي فكرة ديمقراطية علمانية صميمة، لا نملك إلا أن نصفق لها، لولا أن التاريخ لا يرحم أحدا، وأن الذاكرة ما زالت تحتفظ بمواقف الشيخ المقاصدي الذي سبق له أن أعلن قبل عامين رفضه المبدئي التام والقطعي بإقرار حرية المعتقد في الدستور المغربي، بل إن الشيخ وجه كلامه إلى الملك محمد السادس مباشرة محذرا إياه من مغبة الاعتراف بحرية العقيدة دستوريا لأن ذلك من شأنه حسب منطوق الشيخ أن يؤدي إلى جعل أمير المؤمنين "بلا مؤمنين يحكم عليهم"، وهو ما يفيد أن الناس إن ظلوا مسلمين فبفضل انعدام حرية العقيدة وبفضل رقابة الدولة عليهم، والتي في حالة انتفائها سيهبون أفواجا حسب ما يُفهم من كلام الشيخ لمغادرة الدين الإسلامي إلى غيره.
من جهة أخرى سارع الشيخ في الأيام الأخيرة إلى اتهام وزراء حزب العدالة والتنمية بعدم الاكتراث باستعمال المرجعية الدينية والإعلان عنها في سلوكهم السياسي وعملهم اليومي وتصريحاتهم، حيث أصبحوا حسب السيد الريسوني وزراء سياسيين مثل غيرهم.
السؤال الذي نطرحه على السيد الريسوني هو التالي: إذا كنت تؤمن حقا بضرورة السماح للشيعة والمسيحيين بتكوين جمعياتهم، فلماذا سارعت إلى معارضة توفير الحماية الدستورية لهم ؟ كيف يمكن للمسيحيين والشيعة أن يعلنوا عن أنفسهم في بلد لا يعترف دستوره بالتعددية الدينية وبحرية العقيدة ؟ أليس الشيخ بصدد التحايل على الموضوع من أجل دفع المعنيين بالأمر إلى الكشف عن أنفسهم للانقضاض عليهم بعد ذلك والتحريض ضدهم والانتقام منهم ؟ هذا ما يمكن استخلاصه من تناقضات الشيخ، فلا يمكن الدعوة إلى حرية التنظيم والتعبير مع معارضة إقرارها الدستوري الذي يضمن حماية هذه الحريات في القانون الأسمى للبلاد. والذي يرفض أن يقرّ الدستور حرية المعتقد التي هي أم الحريات ليس من حقه بعد ذلك التظاهر بالتسامح مع المسيحيين أو الشيعة، لأن ذلك سيضعه موضع سخرية.
من جهة أخرى فاتهام حزب العدالة والتنمية بالتقاعس عن تطبيق الدين واعتماده مرجعية في العمل الحكومي يتعارض مع المطالبة بإقرار التعددية الدينية في الحياة العامة، ذلك أن التعددية المذكورة غير ممكنة إلا في إطار دولة القانون المدنية وليس الدولة الدينية. فالوزراء الذين سيعتمدون دينا واحدا معينا دون سواء لا ينتظر منهم أن يحترموا الملحدين والشيعة والمسيحيين كما يزعم السيد الريسوني، لأن هذا يتعارض مع قناعاتهم الإيديولوجية والعقائدية الأحادية.
يتضح أنّ الشيخ يتبنى أطروحات العلمانيين دون أن يؤمن بها، لأنها تتعارض مع النسق الفكري الذي ينطلق منه، هذا يجعلنا لا نرى في ما أدلى به الشيخ من تصريحات إلا سعيا إلى المزايدة على علماء السلطة وعلى إخوانه داخل حزب المصباح، الذين بدأ يعلن عليهم شغبه لتذكيرهم بوجوده.
أما السيد يسف فقد وقع في تناقض أفدح وأعمق، ليس مع مواقف سابقة له لأن الرجل يظلّ منسجما مع نفسه ومع منطق "المخزن" العتيق، وإنما التناقض الذي وقع فيه هو مع الواقع اليومي للمغاربة الذين يتحدث باسمهم، فالرجل ينكر إنكارا تاما وجود المسيحيين والشيعة والملحدين وغيرهم من الذين يخالفونه في الرأي والمعتقد ونمط الحياة، ويصرح "لا أعرف مغربيا واحدا تنصّر" (كذا !)، ويعتبر الإحصائيات المعلنة "مشكوكا فيها"، ولسنا ندري كيف يمكن إقناع السيد يسف بوجود مسيحيين مغاربة، هل من الضروري أن يدقوا بابه ليثبتوا وجودهم الذي يتوقف على معرفة رئيس المجلس العلمي الأعلى بهم.
يصرّ السيد يسف على ممارسة سياسة النعامة معتقدا أن ذلك ما يحفظ للبلد تماسكه واستقراره، والحقيقة أنّ استقرار البلدان وتماسكها لم يكن في يوم ما قائما على التجانس المطلق لسكانها، المفروض بمنطق القبضة الحديدية والرقابة الخرقاء، وإنما الذي يرسخ الاستقرار حماية التنوع ورعايته وتدبيره في إطار الديمقراطية بقيمها الكونية، وهو الاختيار الذي يجعل الناس يحترمون بعضهم بعضا ويتعايشون في أمن وسلام.
نتفهم الموقف المرتبك للسيد يسف، فكون "علماء الأمة" قد "أفتوا" بضرورة قتل "المرتد" عن دينه وإهدار دمه، ولأنهم لم يستطيعوا تنفيذ ذلك حتى الآن ولن يستطيعوه في يوم من الأيام، فليس من حلّ أمامهم إلا إنكار وجود المسيحيين والشيعة والملحدين، وتجاهلهم بالمطلق، وهو أضعف الإيمان.
الدرس الذي يمكن استخلاصه من هذه الواقعة الطريفة، هو أن العقل الفقهي التقليدي لم يعد يستطيع بآلياته القديمة وأسلوبه في التفكير أن يحلّ قضايا عصرنا هذا، وليس عليه إلا مراجعة نفسه أو الرضا بموقع المتفرج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.