إذا كان أحمد الريسوني قد أبان مرة أخرى عن "استقلاليته" الفكرية، وذلك بدعوته الدولة إلى السماح للشيعة والمسيحيين المغاربة والملحدين بممارسة أنشطتهم علانية، فإنّ الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، محمد يسف، لا يتوانى في التأكيد على أنّ المجلس، الذي يُفترض أن يتمتع باستقلالية تامّة، لا يصدر عنه موقف إلا إذا تلقى "الضوء الأخضر" من جهات ما. ولم يمض سوى يوم واحد على تصريحات الريسوني، حتى خرج يسف يردّ عليه، مُعبّرا عن رفضه القطعيّ الترخيص بإنشاء جمعيات للشيعة المغاربة أو المتنصّرين، من باب "الحفاظ على سلامة البلد واستقرار وحدته". الأمين العامّ للمجلس العلمي الأعلى عبّر عن رأي سياسي أكثر منه فقهي، وهو ما يمكن فهمه من كلامه عندما قال في حوار صحفي "إنّ المغرب أغلق الباب في وجه جميع المذاهب، وهذا لا يعني أننا ضد تلك المذاهب، لكن لها الحقّ بأن تشتغل في بلدانها كما تشاء، وبالمقابل عليها ألا تزعجنا في فضائنا المغربي". المذهب الذي يقصده يسف بكلامه، وإن لم يشر إليه، هو المذهب الشيعي، الذي دعا الريسوني إلى السماح لأتباعه بممارسة طقوسهم بشكل علني، وإذا علمنا أنّ العلاقات بين المغرب وإيران (معقل المذهب الشيعي) ليست على ما يرام، سنفهم سرّ "الخرجة" السريعة للأمين العام للمجلس العلمي الأعلى. يسف بخرجته الإعلامية هذه يكون قد نزع عمامة "المسؤول الديني"، واعتمر قبّعة السياسي، كما فعل عندما هاجم فتوى الشيخ يوسف القرضاوي التي أباح فيها للمغاربة أخذ قروض من الأبناك "الربوية" لاقتناء السكن، وهي الفتوى التي لم تعجب "أصحاب القرار"، لأنّ القرضاوي أجاز للمغاربة أخذ قروض للسكن قياسا على المسلمين المقيمين في البلدان الأوربية، والذين أفتى لهم المجلس الأوربي للإفتاء بأخذ قروض للسكن من البنوك "الربوية"، فانبرت هيأة الافتاء بالمجلس العلمي الأعلى بمهاجمة القرضاوي، ووعد فقهاء المجلس بإصدار فتوى بهذا الخصوص، وهي الفتوى التي لم تخرج بعد إلى الوجود رغم مرور سنوات عديدة. المثير في خرْجة يسف هو عندما ذهب إلى القول جوابا على سؤال حول إمكانية السماح للمسيحيين المغاربة بتأسيس جمعيات خاصة بهم، أنه "لا يعرف مغربيا واحدا تنصّر، لأنّ المغربي لا يمكن أن يبدّل دينه"، في الوقت الذي تصدُر فيه بين فينة وأخرى تقارير عن عدد المغاربة الذين يعتنقون المسيحية، وهو ما يطرح احتمالين: إمّا أنّ يسف لا يطلع على هذه التقارير التي تنشرها وسائل الإعلام، أو أنّه على علم بها، ويصرّ على "إخفاء الشمس بالغربال".