تسلّط وثيقة نشرها موقع "ويكيليكس" الضوء على الخلافات الداخلية في عائلة معمر القذافي. وفي تقرير نشر أمس الأول تناولت صحيفة "الغارديان" البريطانية أفراد هذه العائلة المصدّعة وخلفياتهم. كما تناولت بعض الأحداث التي أدّت إلى تصاعد الخلافات الأخوية في وقت اعتبره السفير الأميركي في ليبيا "بالغ الحساسية"، مشكّكاً بقدرة العائلة على الاستمرار في الحكم بعد غياب القذافي الأب. وفصّلت "الغارديان" أفراد العائلة على النحو الآتي: معمر القذافي وصف السفير الأميركي في طرابلس جين كريتز في رسالة موجهة إلى الخارجية الأميركية، الزعيم الليبي بأنه "شخصية إجرامية وغريبة الأطوار تعاني من عقد عميقة، وتستمتع برقص الفلامنغو وسباق الأحصنة، عصبية جدّاً وتغيظ الأصدقاء والأعداء على حد سواء". ويخاف القذافي من الأماكن المرتفعة ويفضل عدم مرور طائرته فوق البحر. صفية تسافر زوجة القذافي الثانية في طائرة خاصة، وفي خدمتها موكب من سيارات المرسيدس ليقلّها من المطار إلى وجهتها، غير أن تنقلاتها محدودة ومحاطة بالسرية. سيف الإسلام وهو الابن الثاني والخلف المرجّح. هو مهندس متمرس طالب بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية، ودعم عدداً من المنظمات غير الحكومية عبر مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية. وهو حائز على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من "لندن سكول أوف إيكونوميكس". وبحسب الوثيقة، فإن "موقع سيف الإسلام كالوجه الرسمي للنظام بالنسبة للغرب كانت بركة عليه. غير أن العديد من الليبيين يرون أنه مغرور جدّاً ومتحمّس أكثر من اللازم لإرضاء الغرب". ونقل عن الوثيقة "مشاركته المستمرة في حفلات جنسية صاخبة وبذيئة، وهو مصدر قلق في المجتمع الليبي المحافظ". كما تزعم الوثائق أنه على خلاف مع معتصم، هنيبعل، وساعدي. ساعدي وهو الابن الثالث في العائلة. وقال السفير الاميركي إن "لساعدي ذات السلوك المريض الفاضح ماضياً مليء بالمشاكل"، ولا سيما اشتباكه مع الشرطة الأوروبية (وخاصةً إيطاليا). وأضاف السفير أن ساعدي "يتعاطى الكحول والمخدرات بإفراط، ويهوى الحفل الصاخب، ويسافر كثيراً منافياً إرادة والده". وهو لاعب كرة قدم محترف سابق حيث لعب في الدوري الإيطالي الممتاز لموسم واحد مع فريق بيروجيا، وهو أحد مالكي نادي الأهلي الليبي، ورئيس سابق للاتحاد الليبي لكرة القدم. كما يمتلك شركة إنتاج خاصة. وبعد تلقيه دروساً في الهندسة، كان لفترة قصيرة ضابطاً في قوة خاصة. وخلال تلك الفترة، استخدم الوحدة التي يرأسها للتأثير على اتفاقيات الأعمال التي كان يعقدها. وصدرت تقارير حول مشاركته في عمليات بنغازي الأخيرة. معتصم وهو الابن الرابع والمستشار الأمني لأبيه وحتى مؤخراً كان نجماً صاعداً. وفي العام 2008، طلب مبلغ 1،2 مليار دولار إنشاء وحدة أمنية مشابهة لتلك التي يديرها أخيه الأصغر خميس. وخسر الكثير من مصالحه الخاصة بين عامي 2001 و2005، عندما استفاد أخوه من غيابه ليقدّم شراكتهما في الإدارة. وهو لا يتفق مع سيف الإسلام. هنيبعل لهذا الابن الخامس تاريخ من الشغب والمشاكل مع الشرطة والسلطات الأوروبية على وجه التحديد. وأدى توقيفه في جنيف بسبب اعتدائه على خادمه إلى أزمة دبلوماسية أجبرت سويسرا على إطلاق سراحه بعد تهديد بسحب الاستثمارات الليبية. وفي كانون الأول من العام 2009، استدعيت الشرطة البريطانية إلى فندق في لندن إثر سماع صراخ من غرفته. ووجدت ألين سكاف، وهي الآن زوجته، وهي تعاني من إصابات في الوجه، غير أنه تم إسقاط التهم بعد تصريحها بأن إصاباتها كانت نتيجة سقوط طبيعي. خميس وهو الابن السادس للقذافي والقائد "المحترم" المتمرن في روسيا للوحدة 32 في القوات الخاصة للجيش الليبي. وتؤدي الوحدة المعروفة ب"لواء خميس" التي شكلت لحماية النظام دورها بامتياز، حيث تردّدت تقارير متعددّة عن مشاركتها في قمع تظاهرات بنغازي. عائشة وهي الابنة التي تتوسط في حل الخلافات العائلية وتدير منظمة غير حكومية. ويزعم أن لها حصة مالية في مستوصف طبي خاص في طرابلس، وهو أحد المستوصفين الجديرين بالثقة في البلاد. محمد هو الابن الأكبر لقذافي من زوجته الأولى. يرأس اللجنة الأولمبية التي تملك حالياً 40 في المئة من الشركة الليبية للمشروبات، والتي تشرف على كوكاكولا، كما يدير لجنة الاتصالات. سيف العرب وهو الأقل إطلالة وشهرة بين الأولاد الثمانية. يعتقد أنه يعيش في مدينة ميونيخ الألمانية حيث يشارك في أعمال غير قانونية ويقضي معظم وقته في الاحتفال. أما الطفل السابع المتبنى ميلاد فيحظى كأشقائه المدللين، على حصص في شركات البترول العامة. وفي تفاصيل الخلافات العائلية، يشرح كريتز في وثيقة بتاريخ 9 آذار من العام 2003 عن "سلسلة أحداث خلال صيف تلك السنة تدل على تصاعد التوتر بين أبناء القذافي". ويتابع السفير الأميركي أن "معظم هذه التوترات تبدو نتيجة بروز صورة سيف الإسلام كممثل النظام"، وأن أخرى متأتية من خلافات بين سيف الإسلام وشخصين تم حذف اسمهما في الوثيقة على خلفية الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي اقترحها نجل الزعيم الليبي. ويضيف كريتز أن "اعتقال وترهيب عدد من المقربين من سيف الإسلام من جهة، وإجراءات لتقويض دور معتصم في عملية شراء العتاد العسكري من جهة أخرى، تدل على أن الخلاف بين أبناء القذافي بلغ أشد مستوياته". وفي حين لا يستغرب السفير هذه العلاقة المتردية المعتادة بين الأبناء، يرى أن التوقيت حساس للغاية، خاصة مع انتخاب القذافي على رأس الاتحاد الإفريقي، الاصلاحات السياسية والاقتصادية المقترحة، الإشاعات المستمرة حول صحة القذافي المتردّية، وغياب الآليات المناسبة لتنظيم الخلافة. ويرى السفير أنه في ظل هذه الظروف، "ستلعب العلاقة المتوترة بين الأبناء دوراً مهماً، إن لم نقل حاسماً، فيما إذا كانت الأسرة قادرة على الاحتفاظ بالسلطة بعد خروج قائد الثورة من المشهد السياسي". وفي تفاصيل الأحداث، تشير الوثيقة إلى خلافات بين الأبناء في قضية إطلاق سراح هنيبعل. ففي حين لعبت عائشة دوراً جوهرياً في القضية عبر نقلها لوالدها نسخة مصطنعة عن الأحداث على ما يبدو وضعت شقيقها في موضع الضحية، ساهمت في إغضاب القذافي الأب وسحب اتفاق كان الشقيق الآخر سيف العرب قد وافق عليه مع السلطات السويسرية. ومن جهته، رفض الابن الأكبر محمد المساومة على المصالح الليبية لحل المسألة وخصوصاً على مشارف اتفاق تعاون مشترك مع الاتحاد الأوروبي. وفي حادثة ثانية، وخلال اجتماع للعائلة، نقلت المصادر المجهولة عن ساعدي انتقاده لوالده بسبب عدم إبداء الاهتمام الكافي بمشروعه القاضي إنشاء منطقة تجارة حرة في مدينة الزوارة الغربية، على العكس من مشاريع أخويه سيف الإسلام ومعتصم. من جهة أخرى، ومع تصاعد احتمال بروز معتصم كخليفة بعد تعيينه كمستشار الأمن القومي، تذمّر سيف الإسلام من مرافقة شقيقه لوالده في زيارة لموسكو، مينسك وكييف، ومشاركته في مفاوضات تسلّح، مما أثار أيضاً حفيظة خميس، والذي كان يأمل بأن يلعب دوراً أكبر في قضايا التسليح. كما ساهمت زيارة سيف الإسلام إلى الولاياتالمتحدة خلال شهري تشرين الثاني وكانون الأول من ذاك العام في توتر علاقة الأخير بأشقائه، وخاصة معتصم. وقد أضرّت قضية الممرضات البلغاريات بسمعة سيف الإسلام كثيراً في العالم الغربي، حيث اعترف في مقابلات إعلامية بأنه تمّ تعذيبهن وأن التحقيقات حول قيامهن بحقن أطفال ليبيين بفيروس الأيدز لم تخلص إلى إدانة. كما أثار حفيظة أشقائه عندما انتقد نظام الجماهيرية السياسي وأعلن أنه سيعتزل السياسة للتركيز على أنشطة المجتمع المدني. وقد رأت مصادر مقربة من السفارة الأميركية أن عزم معتصم على زيارة الولاياتالمتحدة في الربيع اللاحق وتصميمه على الاجتماع بمسؤولين عسكريين أميركيين وعقد اتفاقات وصفقات، كان مدفوعاً بحس منافسة شقيقه.