للتغيير السياسي شروطه الموضوعية والمادية وسياقات سياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية ، وله عدة أسباب بعيدة المدى ومباشرة ، مرتبطة بالمجتمع والنظام السياسي وبنياته الفكرية والإقتصادية والتاريخية ، والتغيير السياسي الذي أتحدث عنه ليس هو الذي يتخذ الإنقلاب العسكري وسيلة للوصول للحكم ، بل التغيير الذي يتبع الطرق السلمية كالإنتخابات أو التظاهر الشعبي السلمي ،فالتغيير عن طريق الإنتخابات غالبا ما يكون بطيئا ومرهون بالعقليات النخبوية التي تتقدم قيادات تلك المكونات السياسية والتي لها رصيد فكري وإديولوجي قادرة على التأثير في مسار الفكر السياسي للحزب ونهجه في بلورة التغيير وتمكنه من السيطرة على أدواته ، هذا إن كانت مكونات سياسية نابعة من المجتمع دون تدخل الدولة وأجهزتها في إختراقها ودعمها كما هو حال العديد من الأحزاب السياسية المغربية والتي نطلق عليها أحزاب إدارية أو أحزاب الكوكوط مينوت. فالبنية الحزبية المغربية في غالبيتها تعرف إختراقا واسعا من قبل النظام السياسي وبالخصوص جهاز وزارة الداخلية وبالأخص أجهزة المخابرات المختلفة مما يضفي عاملا أساسيا في توجس المواطن المغربي من لعبة الأحزاب وعدم الثقة في كل ما يقدمونه كبدائل سياسية ، والتاريخ السياسي المغربي لم يدحض توقعاته على أرض الواقع بحيث أفرزت لنا اللعبة السياسية المغربية كيانات حزبية تتنكر لمبادئها بمجرد الجلوس على الكرسي ، هذا إن كانت لها أصلا مبادئ سياسية واقتصادية واجتماعية لأن غالبيتها تمارس حركة النقل والإلصاق وهذا ما يجعلها أحزابا مستنسخة ومشوهة سياسيا وغريبة وسط مجتمع في جهة وهم في جهة مغايرة،كأنها جاءتنا من كواكب أخرى لأنها غريبة عنا في كل شيئ في اللغة التي تستعملها في تصوراتها وتفكيرها للحلول السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي نعيشها مع التعليم و الصحة والسكن والبطالة والحريات العامة والفردية والإدارة والإستثمار والتعمير والعناية بالمتقاعدين والأطفال المعاقين وغيرها من المشاكل اليومية التي لا تستثني مواطنا من التخبط فيها على مدار الساعة ولا أحد يسمعه أو يحاول تفهم غضبه والإنصات له ، إلا تلك القلة من المواطنين المحظوظين باسمهم العائلي أو القبلي أو السياسي أو برصيدهم المالي ، حيث يسبحون في كل الإتجاهات في البلاد دون رادع أو عرقلة لسيولة سيرهم في الطرقات والإدارات وفي المطارات لأنهم مواطنين من فصيلة أخرى ، لهم تحرك كل الطاقات وتيسر كل المساطر الإدارية المعقدة وتفتح لهم قاعات الفحص الطبي المعقمة وتشغل كل أجهزة الراديو والسكانيرات المعطلة بالنسبة لنا نحن المواطنيين العاديين ،لكنها في كامل طاقتها وفي كامل جاهزيتها للعمل للمواطن غير العادي . تلك هي الأسباب العميقة الداعية للتغيير السياسي ، لأن التغيير ليس مطلبا في حد ذاته وإلا سيكون عبثا بل إن عدم المساواة والتمييز الذي يلحق المواطن في تعامل الدولة وأجهزتها معه في تقديم الخدمات والحماية والتربية والتعليم والرعاية الطبية والشعور بالمواطنة من خلال الإهتمام الذي توليه الأجهزة التي هي رهن إشارة المواطن والتي لن تكون لها كائنة بدونه فهو الذي يمول بفكره بجهده العضلي بماله بكينونته وانتمائه لهذا الوطن ، لأن الإنتماء لن يكون للفراغ بل لابد أن تكون لجهة لها ردة فعل لأن الإنتماء للوطن عطاء والعطاء الذي تقدمه الدولة لن يساوي الإنتماء الروحي والجسدي ، لأن المواطن بمقدوره أن يهب البلاد دمه وأبناءه وكل عشيرته لبقاء الوطن ، لذا على الدولة أن تعرف بشكل قطعي أنها ليست مع الوطن لما تبعد المواطن عنه بممارسات سياسية فيها الإقصاء والتمييز بين نفس المواطنين الذين هم على أهبة الإستعداد للتضحية حالما وقعت ما يستوجب ذلك. لهذا فوصفة التغيير السياسي ليست وصفة يلجأ اليها المواطنون لمجرد التغيير بل إنها لحظة تاريخية وسياسية تكتمل فيها كل الشروط الآزمة للتغيير وهي تراكم الضغوط الإقتصادية والسياسة والإجتماعية وانحصار مجال الحريات وتفاقم الفوارق الطبقية وانتشار الفساد الإخلاقي والمالي والسياسي والإقتصادي وتدني الأداء السياسي من قبل النخب السياسية الحزبية والنقابية وتفشي الرشوة والبطالة والدعارة والتسول وانحدار المبادئ وتفكك المجتمع والأسر :ل ذلكم من دواعي التغيير السياسي ، وقبل ذلك من ضرورات التغيير في العقليات والتربية والتعليم وتدعيم الهوية والشخصية المغربية لخلق جيل يحمل لواء التغيير وربط الحاضر بالماضي المجيد وليس الماضي الماضوي الرجعي الذي أوصلنا الى ما نحن نشكو منه الآن. . فالتغيير السياسي بالمغرب لن يمر عبر تغيير الحكومات أو تغيير تشكيلات وتحالفات تلك الحكومات بل بتغيير العقليات وبث روح المواطنة ، لأن الدولة بدون مواطن كيان فارغ لا معنى له بل قد تصبح آلة مدمرة لكل ايجابيات الدافعة الى خلق ذلك المخلوق السياسي ، التغيير للعقليات للوصول الى تقبل العيش مع الأخر بمساواة وتقاسم المشترك قيما مادية وروحية فكرية وعقائدية دون الإقصاء والتفرد واستغلال الأخر ضمن مجتمع له قواسم مشتركة للعيش سويا دون فوارق اقتصادية مروعة لا يجمعهم سوى الإستغلال والإحتكار. التغيير ليس عيبا بل العيب هو البقاء في الوضع السيئ، لأن أصل الحياة هي الحركة والتقدم العلمي والفكري وإثبات القدرات التي للشعب المغربي بين مجتمع دولي ، فبلادنا لا ينقصها أي شيئ فالجغرافيا حبتنا بواجهتين بحريتين وتخيلوا معي مغربا مغلقا لا بحر له ولا موارد مائية كالتي حبتنا بها الطبيعة ، كيف سيكون وضعنا ؟ فموارد المياه عندنا داخل حدوب بلادنا ولسنا في هذا المجال الحيوي تابعين لسياسة مائية لدولة مجاورة كما هو حال مصر مثلا ، الموارد البشرية شابة ولها من القدرات للعمل وانتاج القيم المضافة في جميع المجالات ، أما الموارد الطبيعية من معادن فهي من الغنى ، ولا ينصنا سوى التنظيم الذي يأتي عبر الدموقراطية والتي لن تأتي إلا عبر التغيير السياسي الذي يمر عبر تغيير العقليات تلك هي بعض من مكونات وصفة التغيير السياسي.