لا شك أن وضع حكومة تصريف الأعمال -على الأقل سياسياً- الذي يعتمل داخل المشهد السياسي ؛ بعد القرار الموقوف النفاذ المتعلق بقرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال الانسحاب من الحكومة ؛ فتح مسلكاً نافذاً نحو تأويل استثنائي جديد للوثيقة الدستورية ؛ يخضع بالأساس لأوضاع السيادة الحزبية و للسياقات الجديدة ولقراءات معينة للاستقرار ولمصلحة الوطن . لم يتفاجأ على ما يبدو الرأي العام بالمنعطف الذي دشنه حزب الاستقلال بوصول مشروع جديد إلى قيادته ؛ فرغم ماصاحب تدفق الدم الجديد في خلايا الحزب العميد من تشنج وشد عضلي واِرتفاع في الضغط التنافسي والمواجهاتي إلا أن الحدث ماضٍ فعلياً في إقرار إرادة القيادة الجديدة فرض ولادة جديدة للحزب العريق واستثمار كل المحطات من أجل تأطير التباين واختلاف وجهات النظر والتقدير في الشأن الحزبي بعد المؤتمر ؛ والذي ساهم في وضع البيت الأغلبي داخل مثلث الاحتكاك والمواجهة والتصريحات المفضية إلى الحدث ؛ فهل الحدث هو حسم حزب الاستقلال في اتجاه الانسحاب من الحكومة ؛ أم طريقة تصريف قرار الانسحاب والتجاوب معه من طرف الأغلبية ورئيس الحكومة يكاد يأخذ الأمران نفس الأهمية وذات الاستثنائية ؛ من حيث الوقع والآنية ومداخل التحليل إذ بقدر ما يتساءل الجميع عن التحول الاستراتيجي في تدبير العلاقات الحكومية داخل الأغلبية وعن الممكنات التي ينفتح عليها الوضع ، وتتناسل التصورات والتركيبات؛ بين التعديل الحكومي ؛ وإعادة هيكلة الحكومة وآلياتها لصالح التوافق ؛ أو خلق أغلبية جديدة وما يتطلبه ذلك من صياغة برنامج حكومي جديد للأغلبية الجديدة لنيل ثقة البرلمان ؛ وتحقيق التنصيب البرلماني ؛ بقدر ما يتجه التساؤل نحو المقتضيات الدستورية والخلفيات السياسية التي صُرِّف بواسطتها القرار الحزبي من جهة ؛ والتفاعل من قبل قائد الأغلبية ورئيس حكومة ، ومدى انتماء كل الممارسات إلى النهضة الدستورية ومدى تمثلها للهندسة الإصلاحية ولعمق التحولات التي تُقرأ ولا تكتب ؛ ولا بأس من إدراج بعض الملاحظات في هذا الصدد : 1- تبدو الوثيقة الدستورية قطعية في علاقة الملك بالحكومة في الشق المتعلق بتشكيل الأغلبية بالهيكلة والتركيبة ؛ ؛ إذ يقف الأمر عند صلاحية التعيين والإعفاء ؛ فينص الفصل 47 على تعيين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب ؛ ويعين أعضاء الحكومة من داخل مقترح رئيسها ؛ ويبقى الغموض على مستوى متَتَبَعات صلاحية التعيين وامتداداتها ؛وتمثل الفاعلين لها. 2- مادام الدستور يحدد صلاحية التعيين الملكي في المناصب الوزارية في الحسم في أسماء المرشحين للاستوزار داخل مقترح رئيس الحكومة ؛ كما ينص على أن سلطة الإعفاء من المسؤولية الوزارية مقتسمة بين الملك ورئيس الحكومة حيث يُعفي الملك بعد استشارة رئيس الحكومة ؛ ويبقى لهذا الأخير أن يدبر كل حالات الإعفاء الأخرى ؛ يبدو إذن جلياً في هذه الحالة أن سلطة التعيين الملكي للحكومة تمتد طوال حياة الحكومة من خلال صلاحية الإعفاء بعد استشارة رئيسها ؛ إلا أنها تفتح أبواب تفعيل الإرادة لرئيس الحكومة. 3- خطى في اعتقادي الطرفان نصف خطوة في اتجاه الحدث ؛ فأقلع حزب الاستقلال بقوة في اتجاه ترسيخ الصلاحيات التقريرية لمجلسه الوطني؛ إلا أنه كبح الدينامية على بعد مسافات من استكمال السيادة الحزبية ؛ حين لجأ للتحكيم الملكي في تحقيق إرادة مناضليه ؛ والذين طالبوا بالانسحاب من الحكومة ؛ إذ يُفهم أن اللجنة التنفيذية تطلب ضمنياً تحكيما ملكيا بينها وبين إرادة المجلس الوطني للحزب والتي تعني بوضوح خروج الوزراء الاستقلاليين من الجهاز التنفيذي؛ والذين انتهوا إلى البقاء والاستمرار في تطبيق برنامج الأغلبية المتناثرة رغم قرار المجلس الوطني. 4- نهج رئيس الحكومة سياسة "أذن العجين " بصمت غير مبرر يحكمه الاقتناع المطلق بالتآمر على تجربته ؛ وانغماسه في تجميع شروط الاحتراز والتخوين والتأويل ؛و التي افتتحها بشكاوى التشويش على التجربة من جهة وباستشراء الرغبة في التفرد بالتدبير الحكومي والحرص على تعبئة رسائل الزهد في الحكم وفي الصلاحيات في اتجاه القصر من جهة ؛ وفي خطاب المظلومية والاستهداف في اتجاه الشعب من جهة أخرى ؛ وفي ملأ المناصب وضبط الخرائط الانتخابية ؛ وربح الانتخابات الجزئية . لا أعتقد في تماسك دفع رئيس الحكومة وفريقه الحزبي والمتمثل في التزام قائد الأغلبية الصمت لعدم توصله بطلب إعفاء رسمي من حليفه في الأغلبية وشريكه الحكومي ؛ رغم أن صوت تمزق ميثاق الأغلبية صم الساحة السياسية ولوث أجواء الأداء السياسي برمته ؛ وعطل المؤسستين التشريعية والتنفيذية وأثث البرامج الإخبارية الوطنية والإقليمية والدولية ؛لا أعرف لماذا يصر رئيس الحكومة على تلخيص دوره في هذا الظرف في فض بريد الحلفاء وأرشفة إشعارات الاستلام ؛ أو ترتيب وثائق مكتب الضبط ؛ أوفي تنظيم حركة المرور داخل المقاطع والمدارات الحكومية ومسالك الأغلبية ؛ المطلوب منه أن يؤسس لأدوات تحكيم داخلية ؛ ينظمها أخلاقياً ميثاق الأغلبية في انتظارا لقانون التنظيمي للحكومة ؛ وأن يجعل من صلاحياته سلطة حسم حقيقية لصالح الشرعية الشعبية التي بوأته رئيساً للحكومة المغربية وجعلت وصيفه مسؤولا أساسياً في التدبير الحكومي ؛ وأن يمنح للفعل السياسي أسباب وجود ومسوغات استمرار ودواعي الثقة . أعتقد أن حكمة "الصمت من ذهب " ؛ غير مجدية ومكلفة جداً في هذا الظرف ؛ إذ ستكتب بحبر الممارسة والفرص المهدرة تأويلا غير إصلاحي للتعاقد الدستوري ؛ وستكرس انقلاباإرادياً على الشرعية ؛ من جهة وانقلابا أصعب على الاصلاح من خلال تأويل سبعيني شمولي للفصل 42 يجعل منه -أي الفصل -ملاذاًاختيارياً حتمياً لأي متغير داخل المشهد السياسي ؛ بدون جمر وبلا رصاص؛ ولا محاكم استثنائية ؛بدون مناضلين ولا معارضين ولا لاجئين ولا مغتربين ؛ فقط بدستور متقدم وفاعليين محافظين وفي إطار حرية اللاتعبير وحرية اللا فعل ؛ أليست هذه حريات أيضاً....!!!.