أخيرًا، وبعد تأجيل لقرابة 14 عام، أعلنت وكالة ناسا الفضائية إطلاق تلسكوب جيمس ويب الفضائي اليوم السبت 25 ديسمبر. حيث كان من المقرر إطلاقه عام 2007 بكلفة بناء 500 مليون دولار، لكنه دخل في سلسلة من التأجيلات التي منحته وقتًا كافيًا ليتم تزويده بأفضل وأحدث الإمكانيات ما جعل كلفته تتخطى 10 مليار دولار. هذا الحدث التاريخي سيمكن العلماء من القيام بمجموعة واسعة من التحقيقات في علم الفلك ودراسة كل مرحلة من مراحل التاريخ الكوني – من داخل نظامنا الشمسي إلى أبعد المجرات التي يمكن ملاحظتها في الكون المبكر. هنا، بعض الحقائق حول هذا التلسكوب العملاق الذي سيمضي في مهمة غير مسبوقة ربما تستغرق من 8 ل 10 سنوات. لعل أول ما يمكن ملاحظته في هذا التلسكوب أنه كبير الحجم؛ فبارتفاع مبنى من 3 طوابق ومساحة ملعب تنس، كان لابد أن يبدع العلماء في تصميمه ليُطوي بأسلوب يشبه الأوريغامي كي يتمكنوا من إدخاله في الصاروخ لإطلاقه في الفضاء. تأجيلات متعددة تم تطوير جيمس ويب (JWST) من قِبل وكالة الفضاء الأمريكية ناسا بالتعاون مع وكالة الفضاء الأوروبية ووكالة الفضاء الكندية ليكون خليفًا لتلسكوب هابل الفضائي الذي أُطلق عام 1990. وسُمى بهذا الاسم تيمنًا ب جيمس ويب -مدير وكالة ناسا وقت برنامج أبولو الذي وضع رواد الفضاء على سطح القمر. عام 1989 شارك كل من معهد علوم تلسكوب الفضاء (STScI) ووكالة ناسا في استضافة ورشة لتطوير جيل جديد من تليسكوبات الفضاء، حيث ناقش المهندسون وعلماء الفلك القدرات العلمية والتقنية لتلسكوب يتبع تلسكوب هابل الفضائي ليخطو بنا خطوة أبعد، وأدت المناقشات من تلك الورشة إلى التوصية الرسمية في عام 1996. مهمة تاريخية لقدرته على مراقبة الكون ورصد أشعة غير مرئية للعين البشرية، وهي الأشعة تحت الحمراء، يصبح جيمس ويب أشبه بتك الكاميرات التي يستخدمها رجال الإطفاء لرؤية ضحايا الحريق عبر الدخان كي يتمكنوا من إنقاذهم. سيستخدم التلسكوب كاميرات مشابهة كي نرى من خلال الغبار الكوني، مما قد يؤدي لاكتشافات مثيرة حول تشكل النجوم والكواكب. سيسمح جيمس ويب بإلقاء نظرة على شكل كوننا بعد حوالي 200 مليون سنة من الانفجار العظيم، كما سيكون قادرًا على التقاط صور لأوائل المجرات التي تشكلت قبل ما يقارب 13.5 مليار عام، مما يتيح لنا معرفة كيف تغيرت المجرات الأولى بمرور الزمن، ويمكننا من مراقبة الأجسام في نظامنا الشمسي، وخارجه. الأمر المثير أننا سنتمكن من النظر داخل سحب الغبار الكوني لمعرفة أين تتشكل النجوم والكواكب الجديدة وفحص الغلاف الجوي للكواكب التي تدور حول نجوم أخرى، والتي من المحتمل أن تكون صالحة للحياة، من يعرف ماذا يمكننا أن نجد! مرايا مطلية بالذهب أما عن العنصر البصري -والذي يعزى إليه كبر حجم التلسكوب- فهو عبارة عن مرآة أساسية يبلغ قطرها 6.5 متر، مكونة من 18 مرآة متحدة من البيريليوم المطلي بالذهب لعكس الأشعة تحت الحمراء بشكل جيد. تُعد هذه أكبر مرآة فلكية تم إرسالها للفضاء، وهو ما يعطيها قدرة على الوصول لنطاقات كونية أوسع والتقاط الأشعة تحت الحمراء في مساحة تصل ل 31.5 متر مربع، وهي مساحة تجميع أكبر بست مرات من تلسكوب هابل بمرآته التي يبلغ قطرها 2.4 متر. غير أنه يتمتع بحساسية تفوق هابل بمئة مرة. درع كبير بعد الإطلاق سوف ينفتح التلسكوب كاشفًا عن درع كبير مكون من خمس طبقات من الكابتون والمغلف بالألومنيوم والسيلكون، تعمل على حجب أشعة الشمس ومنع وصول الحرارة الزائدة لكاميرات التلسكوب وبقية الأجهزة على متنه، وإبقاء حرارته في المستوى اللازم لأداء مهمته دون تدخل خارجي. ملحوظة: يعمل التلسكوب عند درجة حرارة منخفضة للغاية (-223 درجة مئوية) وذلك من أجل رصد الأشعة تحت الحمراء بوضوح. يبعد 1.5 مليون كيلومتر من الأرض سيدور تلسكوب جيمس ويب حول الشمس بمنطقة لاغرانج بين الشمس والأرض مستقرة الجاذبية، في مدار يبعد 1.5 مليون كيلومتر من الأرض، أي حوالي أربعة أضعاف المسافة بيننا وبين القمر، بينما تلسكوب هابل الفضائي يقع على ارتفاع 547 كم فقط من الأرض، ولعل السبب في بعد المدار عن الأرض، هو تجنب الحرارة والإشعاع القادمين من الأرض والقمر. بشكلٍ عام وجود التلسكوبات في بعد مناسب خارج الغلاف الجوي للأرض أمرًا بغاية الأهمية، ذلك أن الضوء القادم من أي جسم في الفضاء باتجاه الأرض يتعرض للتشوه أثناء عبوره الغلاف الجوي ما يؤثر على دقة الأشعة التي يتلقاها التلسكوب، لذا أفضل طريقة لتخطي هذا العائق هي وضع التلسكوب في الفضاء.