اعتذار بداية يجدر بي أن أعتذر للقارئ الكريم على تمديد المقالة إلى ثلاث حلقات تحت ضغط المحتوى ومتطلبات التوازن في العرض، مع أنني وعدته في الحلقة الأولى أن المقالة تنقسم لقسمين فقط. سأحاول قراءة المشروع قراءة تقييمية بناء على الشروط الأربعة التي قدمت تعريفا بها في الجزء الأول من المقالة، على أن أواصل قراءتي التقييمية في الحلقة الثالثة والأخيرة بناء على المعايير الخاصة الأربعة الأخرى المذكورة في الحلقة السابقة. الكشف الأقصى هو القاعدة ، والتقييد هو الاستثناء على القاعدة بهذا الخصوص خصص المشروع الباب الثالث للنشر الاستباقي، ولا سيما المادة 7 التي تضمنت طائفة مهمة من المعلومات المسموح بنشرها تلقائيا وتشمل النصوص القانونية ومشاريعها وهياكل الإدارات العمومية ودليل الموظفين ومسؤولياتهم بما في ذلك طرق التظلم للعاملين بالإدارات العمومية، والتقارير والبرامج وكل ما يتعلق بالشؤون المالية من ميزانية عامة وميزانيات فرعية وحسابات خصوصية، والتراخيص والأذونات.. الملاحظة : لأول وهلة يبدو أن النص متسع نطاقه، ويتلاءم مع أعلى المعايير الدولية، لكن بعد التدقيق نلاحظ أن هذه المعلومات الاستباقية لا إلزام ولا عقوبات على عدم نشرها ، وبالتالي فالمعول على أجهزة الرقابة والتقييم الداخلي والخارجي وعلى مدى استقلالها وفعاليتها في تتبع تنفيذ النشر الاستباقي. كما أن اختصاص اللجنة لا يمتد صراحة للتأكد من النشر الاستباقي، ولا يتضمن النص أي علاقة وظيفية مع الشخص المكلف بالسهر على تطبيق حق الوصول للمعلومات داخل الجهات العامة المعنية بتطبيقه. الزاوية الثانية في عملية التدقيق تدعونا للتمهل في الحكم على مدى الالتزام بالنشر الأقصى هي الاستثناءات في القانون والتي يخشى أن يتم التوسع في تأويلها في الممارسة، وذلك ما سنراه في الفقرة الموالية المتعلقة بمدلول الهيئات العامة و بالفقرة المتعلقة بالاستثناءات على مبدإ الكشف الأقصى للمعلومات، والتي سنعالجها في الحاقة الثالثة والأخيرة من هذه المقالة، وبعد ذلك نصدر حكمنا الموضوعي حول ما إذا كنا أمام إعادة إنتاج ما يشبه معادلة مجال القانون ومجال اللائحة في القانون والممارسة الدستورية. اتساع نطاق ومضمون الأجهزة العامة والمعلومات المتاحة من طرفها بهذا الخصوص يجدر بنا أن نحدد المصطلحات مع صاحب النص المقترح، بالعودة للباب الأول نجد بعض التعاريف ومنها الهيئات العامة، ومع أن مصطلح الهيئة غير دقيق لأنه يؤدي للخلط مع هيئات دستورية عليا، ;ونقترح بديلا عنه "الجهات العامة" وهو المصطلح المتداول عالميا ، فما يهمنا هو مدلولها في النص المقترح والذي يشمل على الخصوص الإدارات العمومية، والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والبرلمان وما أسماه المشروع "مؤسسة القضاء"... الملاحظة: بداهة فإن إدارة الدفاع الوطني كما هي تسميتها الرسمية تدخل في نطاق الإدارات العمومية، لكن بالنظر للغموض والتضارب الذي تكرس في الممارسة، كان من المفيد التأكيد صراحة على أن هذه الإدارة العتيدة معنية بتطبيق القانون، ونفس المعنى ينطبق على الإدارة العامة للأمن الوطني. بخصوص القضاء فعبارة "مؤسسة القضاء" غير موفقة من جهة وتستثني جهة قضائية لا تدخل في نطاق التنظيم القضائي المتعارف عليه، وهي المحاكم المالية مع أن هذه الأخيرة معنية دستوريا بتدعيم الشفافية وهناك مطالبات مستمرة بأن تبدأ بنفسها وتنفتح على الأطراف المعنية والمواطنين تطبيقا لمستجدات دستور 2011. وأخيرا وعلى ضوء الحادث الأخير مع جريدة أخبار اليوم، ولن يكون الآخر، حول ملابسات إعداد الوثيقة الدستورية والمتعلق بأخبار الديوان الملكي والذي استدعى ردا قويا من هذا الأخير ، فإن هذا الموضوع بقي معلقا، مع أن للقصر الملكي ناطقا رسميا ، وأنشطته تهم الرأي العام بكل تأكيد، ومشروع القانون لم يتطرق لهذا الموضوع فاتحا المجال لإعادة تقويل أعضاء الديوان الملكي ما لم يقولوا أو ما لم يؤكدوا أو ينفوا علاقتهم به... جهة مستقلة ومقتدرة لضمان المراقبة والمحاسبة وضمان حق الطعن القضائي بالفعل خصص المشروع الباب السادس لهذه الجهة مسميا إياها "اللجنة الوطنية لضمان الحق في الحصول على المعلومات"، وحاول النص المقترح إعطاء الانطباع بالاستقلالية والتوازن في التأليف المكون من 11 عضوا، من خلال تمثيل القضاء(الإداري فقط) عضوان، والبرلمان (عضوان)، والإدارات العمومية (عضوان)، وهيئة النزاهة (عضو واحد) ولجنة حماية المعطيات الشخصية(عضو واحد)، ومؤسسة الأرشيف(عضو واحد)، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان (عضو واحد)، والمجتمع المدني (عضو واحد فقط). الملاحظة الأولى: غياب المحاكم المالية المختصة دستوريا بتدعيم الشفافية الملاحظة الثانية: غياب التنصيص على الرئيس من يعينه ومن يقترحه، مع أن التجربة أبانت أن المؤسسات "على دين رؤسائها". الملاحظة الثالثة: التمثيل الناقص للمجتمع المدني في الكم والشكل، فالأجهزة الرسمية التنفيذية والتشريعية والقضائية ممثلة بعشرة أعضاء والمجتمع المدني ممثل بعضو واحد، وباقتراح ليس من جمعيات المجتمع المدني المعنية بل من المجلس الوطني لحقوق الإنسان؟ الملاحظة الرابعة: إمكانية استدعاء أي شخص لحضور أشغال اللجنة، هكذا ، بغير قيد أو شرط. الملاحظة الخامسة: لم يتم تحديد الطبيعة القانونية للجنة والقواعد العامة لتنظيمها وسير أشغالها، مع أن لها كاتب عام وأعوان للبحث والتحري، وميزانية، وقد تم تخويلها اختصاصات تدقيقية واقتراحية وعقابية وهذا أمر هام، لكن الشيطان يكمن في تفاصيل صفة الأعوان وصلاحياتهم، وسلطة النفاذ للمعلومات غير المنصوص عليها، ولا على آليات حمايتها سوى رفع تقرير لرئيس الحكومة بشأن حالات عدم التعاون مع اللجنة. صحيح أن هناك إحالة على النظام الداخلي بخصوص اللجنة، ولكن المشروع اكتفى بالإحالة دون التنصيص على المقتضيات التشريعية الأساسية.وهذا اعتوار بين. وأخيرا لقد تضمن النص ما يوجب تعليل رفض طلب المعلومات ، وما يسمح بالطعن الإداري والقضائي في هذا الرفض طبقا للشرط العام أعلاه؛ على أننا سنعود لتفاصيل المسطرة في الحلقة الثالثة عند الحديث حول معيار تيسير الوصول للمعلومات. البيئة الحاضنة ثقافيا وسياسيا وقانونيا(=قضائيا) ومؤسساتيا القانون الوضعي ليس هبة من السماء، أو تخيلات هلامية مفارقة للواقع، ولكنه ابن بيئته الثقافية والسياسية والقانونية والقضائية والمؤسساتية ، ولا يمكن الحكم عليه بناء على مقاربة معيارية اختزالية للب المشكلة، وبهذا الخصوص هناك إجماع مسنود بالمعاينة والملاحظة التجريبية أن النص القانوني لا يكفي سنه من أجل الوصول لغاياته مهما كانت محدودة أو بسيطة، فما بالك بقانون استراتيجي كقانون الحق في الحصول على المعلومات، وأن هناك نقصا بنيويا في تطبيق القوانين، مرده للعوامل الثقافية وتكلس بعض المؤسسات وبطء وثيرة الإصلاح السياسي والتحديث الإداري، ولا أدل على ذلك من موضوع إصلاح القضاء وبطء تفعيل السلطات والاختصاصات الدستورية الجديدة للبرلمان والمجلس الأعلى للحسابات، وذكرت هذين المثالين لأن الشفافية هي الأخ التوأم للمحاسبة tween concepts ولا معنى للكشف إن لم يكن متبوعا بالمحاسبة بشقيها العقاب والثواب، وبسيادة القانون والمساواة أمام القاعدة القانونية. إذن لا مناص من تدابير موازية وإصلاحات حقيقية وثورة ثقافية مستدامة، وقد أعجبني أن المشروع نص من بين اختصاصات اللجنة تتبع تنفيذ وتقييم القانون، وهذه محدثة حميدة نرجو تفعيلها وحبذا لو يحدد النظام الداخلي المدة الزمنية للتقييم، وبعد انقضاء تلك المدة لكل حادث حديث. وأخيرا لا يمكن المرور مرور الكرام على تاريخ دخول القانون حيز التنفيذ الذي ربطه المشروع بصدور النصوص التنظيمية المتعلقة به، وعند التمعن في هذه النصوص نجدها محدودة المضمون، وهي نموذج طلب المعلومات ونموذج الرد، ونموذج الشكاية، والنظام الداخلي. وهكذا فباستثناء هذا الأخير فإن النصوص الثلاثة الأخرى يمكن إنجازها في أسبوع واحد أما النظام الداخلي فيمكن إنجازه في شهر واحد أو شهرين على أبعد تقدير. فلماذا لا ينص المشروع على أن القانون يدخل حيز التنفيذ ثلاثة أشهر بعد نشره بالجريدة الرسمية؟ أليست سرعة الوصول للمعلومة من معايير الحق في الحصول على المعلومات؟ (التتمة في الحلقة الثالثة والأخيرة بخصوص المعايير الخاصة) رئيس مركز الأبحاث والدراسات حول الرقابة والمحاسبة ومكافحة الفساد عضو شرفي بنادي القضاة هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.