تقوم الدولة القانونية الديموقراطية على ثلاثة أركان وهي : الشفافية والمحاسبة وحكم القانون، وبالمقابل فإن الدولة الاستبدادية الفاسدة تقوم على نقائض ثلاثة سواء بسواء، وهي: السرية و اللاحساب واحتقار القانون؛ وبالنتيجة المنطقية فإن الشفافية التي تستبطن الحق في الحصول على المعلومة، لا تقوم لها قائمة في ظل غياب السياقالقانوني الديموقراطي ، ولا معنى للشعار أو الدستور الديموقراطي في غياب معايير الشفافية والحق المضمون في الوصول للمعلومة، الذي هو حق من حقوق الانسان الاساسية ، حسب قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في أولى جلساتها، قبل ما يقرب من ستة عقود، والذي جاء فيه أن " حرية الوصول الى المعلومات حق أساسي للإنسان" وان هذا الحق ، وهذا هم المهم ، "محك جميع الحقوق التي كرست الأممالمتحدة لها نفسها".( القرار رقم 59 الصادر سنة 1946). وبحسب التعريف الاممي فإن حق الوصول للمعلومة هو " حق الإنسان في الوصول الآمن الى المعلومات التي تحتفظ بها الجهات العامة وواجب هذه الجهات في توفير هذه المعلومات له". يستفاد من هذا التعريف أن مضمون الحق في الحصول على المعلومة ينطوي على بعدين، إيجابي وسلبي: البعد الايجابي: وهو النشر التلقائي وغير المشروط لكافة المعلومات الأساسية (سنستعرضها في الجزء الثاني من المقال)، طبقا لمفهوم الشفافية الاستباقية البعد السلبي : وهوالحق في الطلب وواجب الجواب، طبقا لمفهوم التجاوبية responsiveness الشروط العامة الواجب توافرها في قانون الحق في الحصول على المعلومة هي: 1- الكشف الأقصى: أن يكون هو القاعدة ، أما التقييد فيكون في حدود دنيا ويكون هو الاستثناء على القاعدة . 2- اتساع نطاق ومضمون الأجهزة العامة والمعلومات المتاحة بصفة تلقائية أو بناء على طلب 3- جهة مستقلة ومقتدرة لضمان المراقبة الفعالة والمحاسبة الصارمة والطعن القضائي 4- البيئة الحاضنة ثقافيا وسياسيا وقانونيا(=قضائيا) ومؤسساتيا المعايير المعيار الاول: أن تكون الاستثناءات على مبدإ الكشف الأقصى محدودة جدا، وأن يكون ابتغاء المصلحة العليا هو الحكم الفيصل في وجود هذه الاستثناءات، التي تبقى موضوع مراجعة واختبار بقدر وجود هذه المصلحة العامة، وتدور معها وجودا وعدما. وعلى هذا الأساس ينبغي التعامل بحذر وعدم تعميم مع مفاهيم مثل السر المهني، وسر الدفاع الوطني وسر الأمن الداخلي، والسر المصرفي ... المعيار الثاني: تيسير طريق الوصول الى المعلومات: ويعني ان تكون طريق الوصول الى المعلومات معبدة، وغير مملوءة بالحواجز والعراقيل بحيث لا تشجع الراغبين في المعلومات في طلبها وهذه الكلفة قد تكون مادية أو جغرافية أو ثقافية أو لغوية أو خلقية (بفتح الخاء) بما في ذلك فترة الحصول على المعلومة إذ أن معظم القوانين تحدد هذه الفترة في أجل لا يتجاوز ستة أسابيع كحد أقصى . المعيار الثالث : تفسير القوانين الأخرى بما ينسجم مع أحكام قانون حق الوصول إلى المعلومات أي أن تكون جميع القوانين ذات الصلة بالمعلومات المتوافرة لدى الدولة وأجهزتها العمومية متطابقة مع أصول قانون الحق في الحصول على المعلومات. المعيار الرابع : حماية الأفراد من أي عقوبات قانونية أو إدارية إذا قدموا معلومات عن سوء فعل إدارتهم: ويشمل سوء الإدارة كل ما يتعلق بأفعال الفساد والمحسوبية وخرق القانون واللوائح والاغتناء غير المشروع... فإلى أي حد انسجم مشروع الحكومة حول حق الحصول على المعلومة مع هذه الشروط والمعايير؟ ذلك ما سنحاول الإجابة عليه في الجزء الثاني من هذه المقالة. رئيس مركز الأبحاث والدراسات حول الرقابة والمحاسبة ومكافحة الفساد عضو شرفي بنادي القضاة