(على هامش شيوع ثقافة التكفير والتحقير) جاءوها بكل ما يملكون من قوة في الخطاب والكلام والجمل والتصريحات... صقلوا سيوفهم وحرباتهم، وجيشوا دهاقنتهم، أجهدوا ذواتهم في البحث الدقيق عن عبارات وكلمات وأنصاف جمل وأنكروا عليها سياقاتها وأصل دلالاتها، فكان بحثهم "مطروزا" بعناية ليصنعوا منه خطابا يسمعه الحكيم فيقرف مضمونه البئيس، ويسمعه الجاهل وأشباه المثقفين والعلماء فتشتط حفيظتهم غضبا من غيرة زائدة أو من حقد دفين... وتدق طبول الحرب، وتنطلق معركة أبطالها ليسوا كالأبطال، وساحتها ليست كالساحات وترقب مآلاتها ليس ككل الترقبات... هي تائهة في مفضياتها ومقاصدها لكنها حامية الوطيس بنيرانها التي تملأ الدنيا سوادا لا يغادر السماء، ولا تذيبه السحب البيضاء في لونها، سوداء قاتمة اللون حتى أن الخصم قد يلتقي حليفه ويعاركه وهو يحسب انه قد أحسن صنعا بتصفيته من ساحة الوغى... وكأني بها تلك الساحة في ما سلف من عصور الظلام الماضية...يحشر الناس ضحى...تنصب حدود الساحة... يحضر لموكب دخول الأسياد لساحتها... تنطلق المزامير مؤذنة بقدوم موكب هؤلاء الأسياد... الغبار كثيف...المتصارعون يتهيئون، بقدر وحشيتهم المتبدية من هيئاتهم، المعبرة عن مدى الاستعداد البربري لقذارة هذه المعركة التي ستنطلق بعد قليل...بقدر انضباطهم وهدوئهم والسكينة العجيبة التي تنزل عليهم وهم يستقبلون الأسياد وقد أطلوا عليهم من شرفاتهم العالية تحية لهم وإجلالا ومهابة وخوفا من قرار قد يأتي من تلك الشرفة ويحول فرجة الأسياد إلى استعراض مشانق تبيدهم من الحياة... هم مستعدون لكي يفجروا كلما لديهم من طاقات هائلة تظهر "كفاءتهم وحنكتهم" في التوحش والبربرية والكلام البذيء والدنيء والأنياب والعضلات البارزة... كل هذا فقط ليحظوا برضا السيد وبفرجة ممتعة يقضيها وهو يشاهد أطوار المعركة الحامية بغبارها والصراع الدائر بين أبطالها... والصراخ هنا وهناك من قلب الساحة ومن الناس الذين ينتظرون إلى ماذا ستؤول، ومن سينتصر فيها... مهلا ستؤول إلى تحقيق قمة نشوة متعة الفرجة عند الأسياد، ثم بعدها ينصرف الجميع وقد سالت الدماء وسقط الجرحى وهلك من هلك... لكنها حققت الأهم جلب سعادة السيد وصخب الناس وانتباههم، ثم بعدها تهدأ العاصفة ويرسب الغبار المتطاير على البسيطة، ويعود الأسياد إلى مضاجعهم وقد فرحوا بيوم جميل سعدوا به وحسبوا به أن أسعدوا رعاياهم ولو على حساب مشاهد القتل والضرب والجرح ووحشية الكلام والصراع... إنها فرجة الأسياد في وطن لا يحيا العبيد فيه إلا بان يكونوا قربانا للسيد في ساحة تتمزق فيها كل أواصر الوطن، وتشتعل فيه كل النعرات التي تذكي صخب ساحة الوغى عفوا ساحة السيد الذي رضي عن المتصارعين لأنهم أمتعوه ورضي عن جمهوره لأنه أمتعهم ويمتعهم بانتظام بمثل مشاهد الصراع هاته... يا لخيبتي في من رضي أن يكون وقودا وخصما وطرفا لمعركة الفرجة التي يستمتع بها أسياده...