أدلى الأمين العام للأمم المتحدة في 8 أبريل بتقريره السنوي العام عن الوضعية السياسية في الصحراء. و في الوقت الذي رأى البعض في التقرير أنه تقرير متوازن رأى فيه البعض الآخر أنه بمثابة توصية رسمية بشأن الحاجة إلى مراقبة حقوق الإنسان في كل من الصحراء ومخيمات تندوف التي تديرها البوليساريو في جنوب شرق الجزائر. هذه التوصية قد تؤدي إلى إنشاء آلية لهذا الغرض. وبالنظر إلى التقارير الدائمة الواردة عن انتهاكات حقوق الإنسان فالحاجة إلى مراقبة حيادية و شاملة ومستدامة لحالة حقوق الإنسان في كل من الصحراء ومخيمات تندوف أصبحت أمرا ملحا أكثر من أي وقت مضى يقول بان كي مون في الفقرة 116 من التقرير. وبالنظر إلى السياق الذي صدر فيه التقرير و الذي تزامن مع الحملة العدوانية التي قامت بعض المنظمات غير الحكومية المساندة لجبهة البوليساريو، مثل منظمة روبير كينيدي لحقوق الإنسان، أشار بعض الدبلوماسيين والخبراء إلى أن هناك مساعي من إدارة الولاياتالمتحدةالأمريكية لحث مجلس الأمن الدولي على إدراج آلية لمراقبة حقوق الإنسان في الولاية القادمة لبعثة المينرسو التي سيتم التصويت عليها لاحقا. في حال ثبوت صحة هذا التخمين، فإن فرضية التالية ستبدو أكثر احتمالا ومفادها أن الادارة الاميركية ستلحق ضررا بجهودها الرامية إلى تعزيز الاستقرار في منطقة المغرب العربي ومناطق الساحل ، إضافة إلى تقصيرها في لعب دور محايد وبناء و متوازن في منطقة الصراع. بالإضافة إلى هذا الاحتمال يظهر أنه وبالرغم من أن صناع القرار الأمريكي مطلعون على المخاطر التي تخيم على المنطقة، و التي تعزى إلى الزيادة غير مسبوقة في تدني الأمن وتزايد مخاطر التهديدات الإرهابية والاتجار بالمخدرات، فإنهم وفشلوا لحد الآن في التوصل إلى إيجاد الحل الملائم لمعالجة الوضعية وخوض معركة التجربة لتحقيق الحل على الأمد القصير و الأمدين المتوسط والطويل . في الحاجة إلى تعزيز الثقة بين الأطراف المتنازعة يتعين على صناع القرار الأمريكي أن يكونوا أكثر واقعية وفعالة وأن ينحوا في فعلهم منحى عمليا بغية إيجاد سبيل تدفع بالعملية السلمية إلى الأمام إذا كانوا يريدون لعب دورمحوري في ردم الهوة بين المغرب من جهة والجزائر وجبهة البوليساريو من جهة أخرى، ويساهموا في إيجاد حل وسط مقبول لد الطرفين وطويل الأمد حول نزاع الصحراء الذي عمر طويلا. و يعني سد الفجوة بين الطرفين اقتراح الخطوات التي من المحتمل أن تسهم في بناء الثقة بين المسؤولين المغاربة من جهة و قادة البوليساريو والجزائر من جهة أخرى . وفي هذا الصدد يجب منع أي مبادرة تسعى إلى الإضرار بعملية بناء الثقة بين الطرفين وتقضي على الفرص التي تسعى لوضع حد لهذا النزاع الذي طال أمده. و قد شدد الأمين عام للأمم المتحدة في تقريره على ضرورة التقارب بين المغرب والجزائر من أجل "تعزيز اتحاد المغرب العربي"، الذي يعتبره "عنصرا أساسيا" في التغلب على حالة عدم الاستقرار التي تخترق المنطقة حاليا و التي تهدد مستقبلها. كما أوضح أن تحسين العلاقة بين البلدين من شأنه أن يساعد على "تعزيز الثقة بين أطراف النزاع ويهيئ الجو الملائم الذي بإمكانه أن يفضي إلى حل" للنزاع. علاوة على ذلك يؤكد العديد من المحللين والخبراء على أن العقبة الرئيسية التي تحول دون تحقيق حلم المغرب الكبير على أرض الواقع تكمن في المواقف المتضاربة بين المغرب والجزائر بخصوص قضية الصحراء. وللتغلب على هذه العقبة ، وتمهيد الطريق للتوصل إلى حل لنزاع الصحراء يحتاج الأمر إلى بذل جهد كبير من أجل بناء الثقة بين المسؤولين في البلدين. وقد أثبتت الأحداث السابقة أن جميع الجهود المبذولة في هذا الصدد أجهضت بسبب التأثير السلبي لقضية الصحراء على أجواء العلاقات بين الرباطوالجزائر. إذا وضعنا نصب أعيننا أن قضية حقوق الإنسان أصبحت مُسَيسة إلى حد كبير،فإن وضع آلية لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء لن يخدم الغرض المتمثل في بناء الثقة المتبادلة بين المغرب من جهة والجزائر وجبهة البوليساريو من جهة أخرى. كما أنها لن تسهم في تحسين العلاقة بين البلدين وتعزيز الاستقرار في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك و من وجهة نظر سياسية، فإن هذا القرار بالنظر إلى كونه سيأتي بنتائج عكسية، فهذا التحرك السياسي سيجعل الإدارة الأميركية بعيدة عن الحياد الإيجابي الذي كانت تلعبه بين اطراف النزاع لعدة عقود بشأن هذا الصراع، وسيجعلها تبدو منحازة إلى هذا الطرف على حساب الطرف حساب الآخر . وإذا كانت الإدارة الأمريكية قد اتخذت مثل هذا الموقف و اعتبرت أن إنشاء آلية لمراقبة حقوق الإنسان شرط أساسي للتوصل إلى حل للصراع، فينبغي للمرء أن يتساءل لماذا يتم وضع الحَمل فقط على المغرب وكأنه وحده المعنى بالمسألة. وبالرغم من أن سجل المغرب غير كامل في مجال حقوق الإنسان ، فلا يمكن أن نساويه بدولة ميانمار، ولا مع جنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وتشاد وزيمبابوي . وهناك العديد من التقارير، بما في ذلك تلك الصادرة عن الأممالمتحدة سبق لها أن اعترفت بالتقدم الذي أحرزه المغرب في هذا الصدد. ولهذا فالدفع في اتجاه إصدار قرار ينص على آلية لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء يرسل إشارة خاطئة من جانب المجتمع الدولي إلى السلطات المغربية، مفادها أنها لا تعترف بالجهود التي بذلت في هذا الصدد. لكن في المقابل لماذا لم تمارس أية ضغوط تذكر على الجزائر للسماح للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين لإجراء إحصاء لسكان مخيمات تندوف ؟ و لماذا لا يتم الضغط على الجزائر وجبهة البوليساريو للسماح للسكان الذين يعيشون في مخيمات تندوف للتحرك بحرية داخل المخيمات وداخل التراب الجزائري ككل، في انتهاك صارخ لاتفاقية جنيف بشأن اللاجئين. و لماذا يتم التغاضي عن القضايا المتعلقة بالمعارضين لسياسة البوليساريو أمثال مصطفى سلمى أولاد سيدي مولود والفنان علال ناجم ولماذا يتم أيضا غض الطرف عن اختلاس المساعدات الإنسانية الموجهة الى السكان الذين يعيشون في المخيمات؟ لا يمكن إنكار حدوث بعض الانتهاكات لحقوق الإنسان في الصحراء، كما هو الحال في أي بقعة من بقاع العالم. ومن ناحية ثانية يجب الأخذ بعين الاعتبار أن المغرب دولة ديمقراطية في طور التشكل و أن تسييس الصراع إلى درجة عالية ، قد يجعل مثل هذه الحوادث المؤسفة تحدث في بعض الحالات. وبالرغم من أن الجزائر ترفض السماح لهيئات الأممالمتحدة بإجراء إحصاء سكاني في المخيمات أو بإجراء مقابلات خاصة مباشرة مع سكانها، فالمغرب سمح مرارا للعديد من هيئات الأممالمتحدة و المنظمات المهتمة بحقوق الإنسان بدخول الأراضي الصحراوية والتفاعل مع السكان بشكل مباشر. ولذلك يمكن القول أنه لا إنشاء آلية لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء أو في مخيمات تندوف، ولا الدفع بأي إجراء يلزم الجزائر بالسماح بإحصاء سكاني في المخيمات أو السماح لسكانها بالتحرك بكل بحرية من شأنه أن يمهد الطريق نحو إيجاد حل مقبول و متبادل يرضي جميع أطراف النزاع. لكن مثل هذه المطالب المرفوعة من لدن الطرفين هدفها هو إضعاف مصداقية الآخر، وحشد الدعم الدولي الأوسع لمواقفها بخصوص القضية موضوع النزاع. فما يجب على وسيط مثل الولاياتالمتحدة أن يقوم به لحدود الآن ليس هو إسقاط و عرقلة هذا المسار. بل المطلوب بدلا من ذلك إظهار المزيد من الإبداع ودفع الأطراف المتنازعة لإيجاد أرضية مشتركة التي من شأنها أن تسهم في تمهيد الطريق نحو وضع حد للصراع المزمن. في الحاجة إلى مقاربة أكثر إبداعا وواقعية هناك اليوم حاجة لإعادة تنشيط المفاوضات المتوقفة والتسريع بذلك أصبح أمرا مهما ومستعجلا أكثر من أي وقت مضى نظر للتحديات الخطيرة التي تزعزع اللاستقرار وهي تحديات أصبحت تواجه المنطقة المغاربية ومنطقة الساحل برمتها ، ومن أهمها نذكر انتشار الأنشطة الإجرامية من تهريب للمحذرات و الاتجار في السلاح و الأنشطة الإرهابية التي ازدهرت خاصة بعد سقوط نظام القذافي. فالتحديات التي تواجه مالي يجب اعتبارها بمثابة جرس إنذار ينبه كل زعماء العالم أن هذه المنطقة تحتاج أكثر من أي وقت مضى لاهتمام والتزام المجتمع الدولي. فغياب سلطة الدولة بسبب النزاع الطويل الأمد، والظروف البائسة لما يناهز 80000 شخص يعيشون في عزلة شبه تامة في مخيمات تندوف، يجعل الأرض والسكان عرضة للشبكات الإرهابية والإجرامية التي تعمل في جميع أنحاء المنطقة . وقد كان بدى هذا الأمر جليا عندما عرض على الشاشات العالمية في أكتوبر 2011 اختطاف ثلاثة من عمال المساعدات الإنسانية، من قبل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ، من داخل مخيمات تديرها البوليساريو. بعد كل هذا الذي حدث ليس من مصلحة أحد من أطراف النزاع أن يستمر الصراع لمزيد من السنوات. وبالتالي، فإن الحاجة إلى إيجاد أرضية مشتركة من شأنها أن تسمح لكلا الطرفين، المغرب وجبهة البوليساريو، من أجل التوصل إلى حل يحافظ على حماية مصالح كل منهما. كما أن أحدث تقرير لمعهد بوتوماك خلص إلى " تسوية نزاع الصحراء من شأنه أن يقدم زخما للتكامل الإقليمي الكبير في شمال إفريقيا، والذي من شأنه أيضا أن يساهم في المزيد من تمتين الروابط بين المغرب العربي ومنطقة الساحل." و في هذا الصدد، بدلا من الاستماع إلى نصائح التقارير المتحيزة التي تدبجها بعض منظمات حقوق الإنسان مثل منظمة روبير كيندي ، ينبغي على الولاياتالمتحدة استخدام نفوذها في مجلس الأمن للضغط من أجل اعتماد مقاربة تأخذ بعين الاعتبار واقع قضية الصحراء كما هو على الأرض ، وتقدم حلا قابلا للتطبيق. وبالرغم من النقص الذي قد يشوب مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب قد يكون هوالحل الاقرب الذي يتماشى مع القانون الدولي ومبادئ تقرير المصير. وهو المقترح الذي يشكل أساسا للتوصل إلى حل نهائي للصراع لأنه يقدم حلا وسطا بين الاستقلال والاندماج داخل الدولة المغربية. وإذا كان البعض يدافع أن المغرب لا يحترم حقوق الإنسان، مع ذلك فهو البلد العربي الوحيد الذي تلقى الثناء على التقدم الديمقراطي الذي اضطلع به على مدى السنة والنصف الماضية. والتغييرات التي حدثت و لا زالت منحت الثقة أن المغرب يسير في مسار إيجابي، وأن هناك التزام أكبر لاحترام حقوق الإنسان وأن الحكومة بإمكانها احترام أي التزام متعلق بالحكم الذاتي من أجل تقرير المصير. في هذه المرحلة الدقيقة و الحرجة التي تمر منها منطقة الساحل وشمال أفريقيا فهي لا تحتاج إلي دولة فاشلة وغير قابلة للتطبيق من شأنها أن تسقط في نهاية المطاف فريسة في يد المنظمات الإجرامية والإرهابية. وينبغي أن تكون حالة دولة جنوب السودان درسا لصناع القرار الأمريكي ليستلهموا منها النموذج على أن خلق دول جديدة من الفراغ تتسم بالهشاشة وعدم القابلة للتطبيق لا يفضي في نهاية المطاف إلى الاستقرار، كما أنها لا تحقق النتائج المتوقعة من جانب السكان. فما تحتاجه هذه المنطقة هو وجود دول قوية التي من المرجح أن تحفاظ على استقرار المنطقة وبالتالي الحفاظ على مصالح حلفائها و على رأسهم الولاياتالمتحدةالأمريكية . و المغرب كدولة راسخة وقائمة الذات سوف لن يقدم للسكان الصحراويين فقط حق تسيير شؤونهم بأنفسهم ، بل أيضا له من الوسائل ما يجعله قادرا على الحفاظ على الأمن في المنطقة برمتها. سمير بنيس محلل سياسي. حصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة بروفانس بفرنسا. مجالات اهتمامه الأكاديمية تشمل العلاقات بين المغرب وإسبانيا وبين العالم الإسلامي والغرب، فضلا عن السياسة العالمية للنفط. وقد قام بنشر أكثر من 150 مقالا بالعربية والفرنسية والإنكليزية والإسبانية. ومن مؤلفاته العلاقات السياسية،الاقتصادية و الثقافية بين المغرب و إسبانيا بين 1956-2005 والصادر عن بالفرنسية سنة 2008 . Relations Politiques, Economiques et Culturelles Entre le Maroc et l'Espagne: : 1956-2005 in 2008 و هو عضو مؤسس مشارك للجريدة الناطقة بالإنجليزية . www.moroccoworldnews.com ترجمه عن الإنجليزية محمد عبد السلام الأشهب استاذ الفلسفة بجامعة بن زهر – أكادير