جولة الأسبوع: الأسبوع الذي ودعناه حفل بالكثير من المفارقات التي توضح تناقضات الكثير من الخطابات التي تؤثث المشهد السياسي والإعلامي. وليست مفارقة أن تكون كل هذه التناقضات مرتبطة بموضوع واحد هو قضية الصحراء، لأنها ستبقى المرآة التي تعكس فشل السياسيات التي بنيت على أخطاء تفضحها زلات اللسان التي ترصدها جولة هذا الأسبوع. السيادة المفترى عليها جميع التصريحات الرسمية وغير الرسمية التي نسمعها ونقرأها هذه الأيام على خلفية المبادرة الأمريكية الرامية إلى توسيع صلاحيات بعثة "مينورسو" في الصحراء تبرر اعتراضها على المبادرة الأمريكية بكونها ستمس بسيادة المغرب على الصحراء. لكن أيا من المعترضين اليوم باسم "السيادة المفترى عليها"، لم ينبس ببنت شفة عندما صرح فؤاد عالي الهمة، عام 2009 بأن لا سيادة للمغرب على الصحراء. قال ذلك صراحة في تصريح ل "الجريدة الأولى" في عددها الصادر يوم 18 ديسمبر 2009 عندما اعترف بما يلي: "إن وضع الصحراء اليوم يوجد بين يدي المنتظم الدولي الذي لا يعترف بوجود سيادة مغربية فوق الأرض، لكنه يعترف بالمقابل بوجود إدارة مغربية للتراب تطبق القوانين المغربية. إن أي أحد لا يعترف بالمقابل، باستقلال هذه المنطقة". مضيفا "الصحراء تحكمها اليوم اتفاقية مدريد الثلاثية الموقعة عام 1975، التي سلمت بموجبها اسبانيا الإقليم للمغرب، لكن بما أن اسبانيا كانت دولة مستعمرة فهي لم تكن تملك السيادة على الأرض، وبالتالي فما سلمته اسبانيا للمغرب هو الإدارة الترابية للإقليم". قبل أن يستدرك، "والوضع الحالي القائم هو أن الصحراء بالنسبة لنا نحن مغربية وستظل كذلك، وبالنسبة للمنتظم الدولي فهي منطقة مستقلة تدار من قبل إدارة مغربية ويطبق فوقها القانون المغربي، وذلك في انتظار الحل النهائي". يومها ابتلع الجميع ألسنتهم وكان الهمة آنذاك مجرد عضو بالمجلس الوطني للحزب الذي أسسه "الأصالة والمعاصرة"، أما اليوم فقد أصبح اليوم الهمة هو الرجل الثاني في الدولة من حيث التأثير والنفوذ كأقوى مستشار لا يفارق الملك. رئيس الدبلوماسية الفعلي الجولة التي يقوم بها وفد مغربي "رفيع المستوى" إلى عواصم العالم المؤثرة في القرار الدولي، لاحتواء تداعيات المبادرة الأمريكية القاضية بتوسيع صلاحيات "مينورسو"، يرأسه المستشار الملكي الطيب الفاسي الفهري، ويضم في عضويته وزير الخارجية سعد الدين العثماني ورئيس المخابرات العسكرية والخارجية ياسين المنصوري. مرة أخرى يرسل الديوان الملكي، بما أن الوفد الرسمي يمثل الملك، رسالة واضحة بأن لا شئ تغير. فمازالت حكومة الظل ورموزها هم من يتحكمون في سياسة البلاد ويقودون ويرأسون وفودها...أما الوزراء والحكومة فهم هنا فقط لتأثيت المشهد ليس إلا! المغرب يتفاوض مع منظمة إراهابية! منذ 26 سنة، تاريخ أول لقاء بين الملك الحسن الثاني وقيادات من جبهة "البوليساريو"، والذي جرى بالقصر الملكي بمراكش، والمغرب يتفاوض مع منظمة إرهابية اسمها "البوليساريو". هذا ما كشف عنه تصريح يوسف العمراني، الوزير الإستقلالي المنتدب في وزارة الخارجية عندما وصف "جبهة البوليساريو" بأنها "منظمة إرهابية" بعد أن قال مساء الجمعة 19 أبريل الجاري، في اجتماع نظم داخل البرلمان بمناسبة التطورات الأخيرة لملف الصحراء، إن "مقترح الإدارة الأمريكية بتوسيع صلاحيات المينورسو بالأقاليم الجنوبية تعد مقاربة خطيرة ومكافأة سياسية لمنظمة إرهابية". الغريب أن وكالة الأنباء الرسمية لم تورد وصف الوزير الذي ظل رئيسه سعد الدين العثماني حتى قبل أن يغير كريستوفر روس خطته، يحاور زعماء "المنظمة الإرهابية". من صنع "إكديم إزيك"؟ أصل تأسيس "إكديم إزيك"، الذي جر ومازال يجر على المغرب الكثير من المتابع، يعود إلى قرار تسريح عمال كانوا يعملون في مبرد للسمك بميناء العيون. ففي عام 2009، أقدم حمدي ولد الرشيد، عمدة المدينة، وعضو اللجنة التنفيذية لحزب "الاستقلال"، والملقب ب "امبراطور الصحراء"، على إغلاق مخازن تبريد السمك التي كانت تستعملها شركة صيد أجنبية، مما أدى إلى انسحاب الشركة وإغلاق مكاتبها بميناء العيون وتشريد عمالها وأغلبهم من سكان الإقليم الداخلية المغربية، فبدؤوا بالاعتصامات والاحتجاجات للمطالبة بحقوقهم. وبالمقابل رفضت السلطة التحاور معهم، وأقفلت جميع الأبواب أمامهم، وأمام استمرار تشبثهم بالمطالبة بحقوقهم بدأت المساومات والتهديدات، فتخلى الكثير منهم عن حقوقهم بمقابل وبدون مقابل تحت الوعد والوعيد. وبقيت قلة مكونة من 26 فردا أغلبهم من سكان مدينة العيون على رأسهم شخص يسمى سيد أحمد الركيبي، (أحد أعضاء لجنة حوار المخيم الذي اختفى عن الأنظار منذ تفكيك المخيم)، كان هو المتحدث باسم المحتجين، وفي نفس الوقت كاتب عام نقابتهم المنضوية تحت لواء "الإتحاد العام للشغالين بالمغرب"، الذي يرأسه أمين عام حزب "الإستقلال"، حميد شباط. وبما أن الحل كان بيد حمدي ولد الرشيد، الذي ينتمي إلى نفس الحزب الذي تتبعه له نقابة المحتجين، زار شباط مدينة العيون عام 2010، واجتمع بالمحتجين الذين كانوا يعتصمون أمام إحدى الإدارات العمومية والتقطت له صور وفيديو يعد فيه المحتجين بقرب حل مشكلهم. لكن شيئا من ذلك لم يحصل، وأمام تماطل السلطة في حل المشكل توجه الناطق المحتجون الذين بدأ تعاطف الناس يكبر حولهم، إلى الوالي محمد جلموس لمحاورته للمرة العاشرة، فخاطبهم متحديا: ماذا عساكم ستفعلون، اذهبوا فصحراء الله واسعة... هكذا حمل المحتجون أمتعتهم ونصبوا أول خيمة على بعد 15 كيلومتر...بنطقة تسمى "إكديم إزيك"...تلك كانت بداية المشكل...فهل يتقدم حمدي ولد الرشيد وحميد شباط بشرحها للرأي العام؟ ضيوف "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان" المؤتمر العاشر ل "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان"، الذي افتتح يوم الجمعة 19 أبريل بمسرح محمد الخامس بالربط، كان شهادة ناطقة على أن الجمعية ليست فقط أكثر الجمعيات المغربية التي تحظى بالمصداقية وإنما أكثرها شعبية. فقاعة المسرح وبالكونه غصا بالجماهير التي حضرت لتؤازر الجمعية التي آزرت الجميع. وكان لافتا للانتباه غياب كل المسؤولين الرسميين عن جلسة الافتتاح، غاب الوزراء بما فيهم وزير العدل والحريات، و"الحقوقي" السابق مصطفى الرميد، وغاب الرفاق الذين تم تدجينهم "محمد الصبار"، ومع ذلك حضر ضيوف من طينة أخرى: حضر تشي غيفارا والمهدي بن بركة والحسن المانوزي وعمر دهكون وعميد الأسرى الفلسطينيين...كل هؤلاء حضروا في الكلمات والشهادات كرموز للنضال... لكن حضر أيضا ضيوف من درجة أخرى، حضر منير الماجدي و"اونا"، و"تي جي في"، كرموز للفساد ونهب ثروات العباد... بلادة كتبة "العلم" في ركن معزول بجريدة حزب "الاستقلال"، كتب أحد كتبتها محتجا على حجب الحكومة عن الرأي العام لآخر التطورات التي تعرفها قضية الصحراء. ففي عدد الأربعاء 17 أبريل، كتبت نشرت جريدة "العلم"، تعليقا يقول صاحبه "كان الرأي العام آخر من يعلم بكل هذه التطورات الخطيرة جدا، وكان هذا الرأي العام لزاما عليه أن ينتظر مبادرة ملكية هامة ارتكزت إلى إشراك قيادات الأحزاب السياسية في اتخاذ قرار مناسب إزاء هذا التطور الخطير". قبل أن يحمل صاحب القلم منتقدا الحكومة كاتبا "بيد أن الحكومة المغربية ارتأت تدبيرا مختلفا يرتكز على إخفاء الحقائق والتعتيم عليها، ولم تر الخارجية المغربية أية ضرورة للاجتماع بأعضاء لجنتي الخارجية بمجلسي النواب والمستشارين، ولم تر جدوى في تنظيم ندوة صحافية لوضع الرأي العام في صورة ماحدث". كل هذا النقد يبدو في محله لولا أن المحرر الذي طلب منه كتابة ما كتب نسي أن الوزير المنتدب في الخارجية ينتمى إلى حزب "الاستقلال"، أي إلى الحزب التي تتحدث الجريدة باسمه، ويعمل كاتب التعليق محررا تحت الطلب عند من طلبوا منه كتابة ما كتب للتملق للديون الملكي حتى لو كان ذلك على حساب الحكومة التي يشارك فيها حزبهم وعلى حساب الوزير الذي فرض عليهم في آخر لحظة من تشكيل حكومة عبد الإله بنكيران ليشغل المنصب الذي يشغله ليس لكفائته وإنما ليستمر في تقديم خدماته لولي نعمته رئيس الدبلوماسية الفعلي الطيب الفاسي الفهري.