قال المؤرخ المغربي والناطق الرسمي السابق باسم القصر الملكي، حسن أوريد، إنَّ أصل العلاقات بين المغرب والجزائر كانت في مستواها الأدنى، إذ لم تكن هناك علاقات اقتصادية ولا تجارية وكانت الحدود مغلقة، ولكن "من الناحية الرمزية أكتسى قرار قطع العلاقات بين البلدين نوعا من الأسى باعتباره يُغلق أبوب الحوار". وأضاف حسن أوريد، الذي حل ضيفا في بث مباشر على صحيفة "عربي بوست" أنه لم يسجل اترياحا في المغرب مقابل هذا القرار، حيث تربط المغرب والجزائر علاقات وثيقة كشعبين ولكن من الناحية العملية لم تكن هناك علاقات. وقال أوريد إن "قيادات الجزائر تبعث دائمًا إشارة بخصوص حرب 1963 (حرب الرمال) وهذا في نظري يستدعي وقفة، لأنه في السردية الجزائرية يُعتبر عملا عدوانيا ضد بلد خرج للتو من الاستعمار". وأوضح أوريد أنه، "في واقع الحال، لا يتم الوقوف عند أسباب حرب 1963 والسياق الذي ظهرت فيه، حيث كانت أسباب التوتر سياسية، إذ كانت الجزائر تحتضن المعارضة وتبين أنه كانت هناك أعمال من قبل هذه المعارضة من أجل قلب النظام في المغرب ، وهو الشيء الذي أدى بالمغرب إلى الرد". وأضاف: "كان الرد أولا من خلال استرجاع مراكز كانت موضوعة من قبل المغرب لدى الثوار الجزائرين أو المجاهدين إبان الاستعمار، والذي حصل أنه تم دبح الجنود المغاربة مما أشعل فتيل الحرب". أسباب عميقة وقال أوريد إن "أسباب النزاع بين البلدين ليست وليدة اليوم، ولا هي مرتبطة بالحدود ولا بالصحراء، وإنما هي أسباب عميقة، وكذلك كانت أسباب حرب الرمال، إذ هي الأخرى لم تكن مرتبطة بالحدود ولا الصحراء، لقد كانت مشاكل بين البلدين قبل موضوع الصحراء، وهناك أسباب كانت مرتبطة بالأساس باحتضان الجزائر للمعارضة وضلوع هذه المعارضة في محاولة معروفة من أجل قلب النظام في المغرب". وتابع المؤرخ المغربي والمحلل السياسي أن ما يؤكد ذلك، هو تصريح للرئيس الجزائري أحمد بن بلة عقب الحرب عندما وصف الحدود بين البلدين بأنها حدود إيدولوجية، وأضاف أوريد: "وأنا اعتقد أنه من الضروري أن نقف عند هذه المسألة، لأنه حينما نتحدث عن الحدود وقضايا الحدود، ما ذلك إلا ذريعة، بينما المشكل بالأساس هو طبيعة النظام". وعاد أوريد للحديث عن تصريح وزير الخارجية الجزائري الأخير رمضان العمامرة، قائلا إن "بيان الخارجية وتصريح وزير الخارجية الجزائري أرادَ العودة إلى 1994 حينما فرض المغرب التأشيرة على الرعايا الجزائريين في خرق سافر لما يُسمى بمعاهدة الاتحاد المغرب العربي" معتبرا بأن ذلك القرار برز هو الأخر في سياق معين. وأوضح أوريد أن "الجزائر كانت لديها حينها أولويات بالنظر لما كانت تعرفه بعد إيقاف المسلسل الانتخابي، ومواقفها في الأممالمتحدة فيما يخص قضية الصحراء، وفي مجلس الأمن، منافية لروح الاتحاد المغرب العربي". وروى أوريد أنه بذات الوقت "تعرضَ الملك والمغرب لحملة إعلامية بعد 1994 عقب حوار كانَ أدلى به لجريدة "الشرق الأوسط"، وسُئل عن الوضع في الجزائر وهل كانَ من الضروري إيقاف المسلسل الإنتخابي، وتكلم الملك الحسن الثاني بحذر وقال إنه لا يتكلم كرئيس دولة، ولكن كمحلل سياسي، واعتبر أن المنطق كان يقضي أن تُترك الأمور على حالها كتجربة وكمختبر، وهو الأمر الذي اثار حفيظة السلطات الجزائرية واعقبته حملة إعلامية على رموز المملكة، وهذا السلوك هو الذي هيئ لقرار فرض التأشيرة". وقال أوريد إن "منطق العمل الديبلوماسي هو الرد بالمثل، إذ لم تكتف الجزائر بفرض تأشيرة على الرعايا المغاربة، ولكن كذلك باغلاق الحدود البرية وربما كان هذا القرار مفهوم نظرا للوضع الذي كانت تعيشه الجزائر واستغلته كذريعة". وأضاف أوريد: "وفي مقابل ذلك، جاء لاحقا خطاب ملك المغرب ليُعلن رفع التأشيرة وهو ما ردت عليه الجزائر برفع التأشيرة هي الأخرى، دون اشتراط اعتذار. ويبقى المشكل هو عدم الثقة، ويتم التستر عليه من خلال توظيف احداث أو تأويلها". مسؤولية مشتركة واعتبر حسن أوريد أن مسؤولية الأزمة بين البلدين هي مسؤولية مشتركة، قائلا: "الحال أن المغرب قدم غير مرة اليد للحوار في عدة مناسبات، كان آخر هذه المناسبات منتهى شهر يوليو، في خطاب ركز بالأساس على العلاقات المغربية-الجزائرية، وقال الملك إن المغرب والجزائر ليسَ شعبين شقيقين وحسب، وإنما توأمين وما يمس الجزائر يمس المغرب، والمغرب لا يُريد سوى مصلحة الجزائر، ولم يكن هناك رد أو تجاوب مع هذه اليد الممدودة". وأضاف المتحدث ذاته: "المغرب لا يمكن أن يُقدم أكثر من هذا في الوقت الراهن على الأقل، خصوصا بعدما قطعت الجزائر العلاقات الديبلوماسية مع المغرب، وهذا قرار ثقيل جدا، والمرجعية الأساسية في هذا هو خطاب الملك في مناسبة عيد العرش، وقدم فيه عرض من أجل طرح كل القضايا العالقة في إطار حسن الجوار والحوار والثقة، ولا أظن أن المغرب يمكنه أن يقدم أكثر مما تقدم به". المواجهة ستكون مدمرة وافترض أوريد أنه إذا كانت مواجهة بين البلدين ستكون مذمرة، ولن تحسم المشكل وستدخل المنطقة في مواجهات وأحقاد وستفتح الباب للتدخلات الأجنبية وستؤثر على أمن واستقرار حوض البحر الأبيض المتوسط. وقال في هذا الصدد "اعتقد بأن القيادتين في البلدين تعيان مخاطر هذا الانزلاق إلى المواجهة". وقال أوريد هناك خيار الواقعية، "رغم أن الأمور لم تنضج حاليا لكي يتم تبني هذا الاختيار، وهو أن الجزائر موجودة ككيان ونظام له توجهاته، والمغرب هو الآخر موجود ككيان ونظام له اختياراته، ولا شيء يمنع من التعامل بين البلدين في اطار الاحترام المتبادل، ولا أحد ملزم منهم بأن يُغير من اختيارات البلد الآخر ويمكن أن يلتقيا في اطار المصالح المشتركة والاقتصادية بتدبير عقلاني". وختم في هذا الصدد: "الحكمة اليوم تقتضي كما تقول المقولة الفرنسية: (أن يُترك الزمن للزمن) أي أن يتم تهديء الأمور حاليا، وأن يعوّل على الأطراف العربية المتوازنة للإسهام في اخماد الفتيل وتهدئة التوتر".