كان ذلك في العام 2008 في الغالب. كنت في العاصمة الفنزويلية كا راكاس ، مدعوّاً إلى المهرجان الشِعريّ الأول هناك. من سفارة " الجمهورية الثورية البوليفارية لفنزويلا " بالعاصمة البريطانية حصلتُ ، بسرعة أسطورية ، على تأشيرة الدخول من دبلوماسيّ فنزويليّ في منتهى الأناقة واللطف . ( أميركا اللاتينية معروفة بانتقاء دبلوماسيّيها ). * معلوماتي القليلة عن فنزويلا تلقّيتُها من عبدو زوغير ، الكاتب السوريّ من أسقبولي ( أرباض طرطوس ) ، والذي يحمل الجنسية الفنزويلية ، ويقيم بين كاراكاس وطرطوس . مهاجرو فنزويلا السوريون جاؤوا من السويداء والساحل ، وبين أهل السويداء والساحل منافسةٌ دائمة حتى في فنزويلا ! * كان مهرجان الشِعر الأول جيداً في الحضور والتنظيم ، لكني عرفتُ أن المنظمة الأدبية الفنزويلية قاطعت المهرجان لأنها تميل إلى جبهة المعارضة التي تتهم شافيز بالدكتاتورية . * التقيتُ بشافيز مرّتين : المرة الأولى كانت في اجتماعٍ عامٍّ للمثقفين الفنزويليين والضيوف . المرة الثانية كانت في القصر الجمهوريّ بعد اختتام المهرجان الشِعريّ. القصر الجمهوري مبنىً عريقٌ ، غير مبالغ في الفخامة ،على الطراز الموريسكو هسبانيول الذي تتّصفُ به مباتي فترة الكونكيسادوريس ( أي الفاتحين الإسبان الأوائل ). كانت الدعوة إلى عشاء مبكرٍ. جلسنا في بهوٍ مفتوحٍ من أبهاء القصر ، بهوٍ ذي أعمدة يطلُّ على فضاءٍ مفتوح . كان ثمّتَ عشرُ موائد ، كما أتذكّر . كنتُ ، وعباس بيضون ، وسيدة عربية من أصلٍ سوريّ ، حول واحدةٍ منها. قائمة الطعام كانت بسيطةً جداً ، تكاد تماثلُ قائمة عشاءٍ في مطعم طلبةٍ ، جنوبيّ فرنسا . وقد احتفظتُ بالقائمة ، حتى الآن ، وحرصتُ على أن أُريها لأصدقائي ، قصد المقارنة ... * كان شافيز يُجالسُ المدعوّين . جاء إلى مائدتنا . كان في منتهى اللطف والمرح ، محتفياً ، باسماً . قُدِّمْنا إليه . قال لي : مرحباً بك . أنت في بلدك . أنا أعرف المأساة التي حلّتْ بالعراق بعد الاحتلال . اعتبرْ كلامي هذا دعوةً لك للإقامة في كاراكاس . ليس عليك سوى إشعار سفارة فنزويلا برغبتك. أنت تعرف أن فنزويلا والعراق أسّسا الأوبك ( في زمن عبد الكريم قاسم ). سوف يستعيد العراق حريته بنضال أبنائه ، ونحن معكم في هذا النضال. * لقد كانت إقامتي في فنزويلا أطولَ من سواي ( ربما بتعليمات من الرجل ) ، فطوّفتُ في البلاد ، من منابع الأمازون حتى جبال الأنديز ، حيث آلهة الهنود القدامى على القمم البيض . سيمون بوليفار ، ذو النحافة ، في كل ساحة ومنعطفٍ من فنزويلا الشاسعة . الناس يحتفون بذكراه محرراً من استعمار. أمّا هوغو شافيز فلسوف يظل الناس يحتفون بذكراه محرراً من الذلّ والفقر. * لقد فقدنا ، نحن العرب ، نصيراً لنا ! طنجة 07.03.2013 * شاعر من العراق.