تقرير إخباري - أثار تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المرفوع إلى الملك محمد السادس، مؤخرا، بخصوص ما تضمنه من مقترحات لإصلاح المحكمة العسكرية وبملائمة النصوص السارية المفعول مع مقتضيات الدستور الجديد والالتزامات الدولية للمغرب، انتباه بعض المحللين والمتتبعين للشأن الحقوقي والسياسي بالمغرب، خاصة عندما اقترح المجلس "بشكل خاص بأن لا تتم متابعة المدنيين أمام المحكمة العسكرية". المثير للانتباه، بحسب هؤلاء المتتبعين لهذه القضية، هو صمت المجلس الوطني في تقريره الأولي بشكل تام ومطبق عن محاكمة 24 صحراويا مدنيا، مؤخرا، أمام محكمة عسكرية على خلفية ما بات يعرف بملف"إكديم إزيك"، قبل أن يتحول المجلس ب180 درجة حد مطالبته ب"أن لا تتم متابعة المدنيين أمام المحكمة العسكرية". بل إن التقرير الأولي حول مجريات محاكمة المتهمين في قضية "اكديم ازيك" أمام المحكمة العسكرية، الصادر منتصف فبراير الماضي، أشاد بالمحاكمة وسيرها العادل، مشيرا إلى "سعة صدر" رئيس الهيئة القضائية التي بثت في الملف وإلى الأجواء العادية التي "اتسمت على وجه العموم بسلامة الإجراءات فخلفت بذلك ارتياحا لدى المتهمين الذين بادر العديد منهم عند الاستماع إليهم إلى التعبير عن شكرهم لرئيس الهيئة". فما الذي وقع حتى تغير موقف المجلس الوطني إلى هذه الدرجة؟ ضغوطات وانتقادات خارجية لم تلق محاكمة الصحراويين المدنيين، المتهمين بقتل 11 من عناصر القوات العمومية في أحداث مخيم "أكديم إيزيك" في ضواحي العيون خلال نوفمبر 2010، أمام المحكمة العسكرية بالرباط، رضى أبرز المؤسسات والمنظمات الحقوقية الدولية. حيث وجهت أغلب تلك المنظمات انتقادات للدولة المغربية بسبب إحالة المتهمين على المحكمة العسكرية بدل المحكمة المدنية. وطالبت منظمة العفو الدولية بمحاكمة جديدة غير عسكرية، فيما اعتبر البرلمان الأوروبي المعتقلين الصحراويين بمثابة معتقلين سياسيين. المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بدورها دخلت على خط القضية، حين انتقدت إحالة المتهمين على ما اعتبرته محكمة عسكرية استثنائية. وعبر الناطق باسم هذه المفوضية روبر كولفيل في ندوة صحفية عقدها يوم الثلاثاء 19 فبراير، عن قلق المفوضية السامية لحقوق الإنسان من اللجوء إلى المحكمة العسكرية. ولم ينف الناطق باسم المفوضية حق المغرب في محاكمة أشخاص اعتبرهم قاموا بأعمال تستحق المحاكمة ولكنه أكد أنه كان لا يجب أن تجري في ظروف استثنائية أمام محكمة عسكرية. فهل تكون هذه الضغوطات الخارجية هي ما دفع الدولة المغربية عبر مجلسها الوطني لحقوق الانسان إلى مراجعة قضية محاكمة مدينين أمام محكمة عسكرية؟ أم أن تحول موقف المجلس من محاكمة مدنيين أمام محكمة عسكرية أملاه سياق آخر يرتبط بمحاولة استباقية من جانب الدولة المغربية عشية تقديم الأرجنتيني، خوان مانديز، المقرر الخاص للأمم المتحدة الخاص بالتعذيب، لتقريره حول أوضاع حقوق الإنسان في المغرب؟ المحكمة العسكرية تتسم بالمشروعية القانونية محمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الانسان يرفض التعليق عما إذا كان مقترحهم بخصوص المحكمة العسكرية قد أملته شروط وسياقات دولية، ويقول للموقع بأنه "يحق لكل واحد أن يتخيل ما شاء ولكن الحقيقة غير ما يتخيل". وينفي الصبار أن يكون هناك مقتضى دولي يمنع المحاكم العسكرية من محاكمة المدنيين، مشيرا إلى أن المشرع الدولي قيد المحاكم العسكرية بالمادة 141 التي تنص على وجوب إجراء المحاكمة العادلة. كما أن الدستور المغربي في فصله 126، يضيف الصبار، ينص على عدم جواز إحداث محاكم استثنائية مستنتجا بذلك أن المحكمة العسكرية تتسم بالمشروعية القانونية والاختصاص النوعي. ويرى الصبار أن المطلوب اليوم هو صدور نص تشريعي ينظم اختصاصات المحكمة العسكرية ويمنع محاكمة المدنيين أمام تلك المحاكم ومدام لا يوجد هذا النص التشريعي فإن المحكمة العسكرية تتمته بالمشروعية القانونية حتى يمثل أمامها مدنيون. المجلس الوطني بين التنظير والتطبيق عبد الاله بنعبد السلام، نائب رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وإن كان يثمن، بحسبه، مقترح المجلس الوطني حول المحكمة العسكرية، إلا أنه غير متفائل بإمكانية تنفيذ هذا المقترح على أرض الواقع، مشيرا إلى العديد من المقترحات والتوصيات التي أصدرها المجلس دون أن ترى تلك المقترحات أو التوصيات النور. وحسب بنعبد السلام فإن المجلس الوطني لحقوق الإنسان محكوم بظهير وبالتالي أي قرار كبير يمكن أن يتخذه المجلس يكون بإيعاز من الدولة ونتاج لسياستها.