قبل أحداث الربيع العربي، كانت كل القوى في المنطقة العربية، سواء الاسلامية منها أو اليسارية أو اللبيرالية أو القومية..، ترفع شعار الديمقراطية وحرية التعبير والراي، لانها ، ببساطة عانت من بطش واستبداد الحاكمين والانفراد بالراي في التسيير والتحكم في الشعوب والسيطرة على خيرات البلاد، وكانت هذه الخطابات تؤثت شرعيتها لدى المواطنين والجماهير الشعبية. غير ان الاحداث التي شهدتها المنطقة العربية مع مطلع سنة 2011، والتي اطاحت ببعض الحاكمين، وفتحت الباب أمام الديمقراطية وارادة الشعوب، وكانت هذه القوى السياسية مؤمنة بما تفرزه صناديق الانتخابات. وقد اسفرت هذه الانتخابات عن فوز مهم للتيار الاسلامي على حساب التيارات الحداثية التي يجب أن تكون مؤمنة بهذه الانتخابات وبما أفرزته، ومؤمنة بلعبة الديمقراطية، لان الانتخابات فيها فائز ومهزوم ومنتصر ومغلوب، سيما وأن الانتخابات شهد الجميع على نزاهتها وشفافيتها، وهو ما سيجعل هذه التيارات تكون أكثر ايمانا بقواعد الديمقراطية والعملية السياسية، وفي الوقت ذاته يمكنها ان تمارس المعارضة وتساهم في تأسيس وترسيخ بناء المؤسسات والقوانين و القيم المؤسسة للدولة الحديثة. غير أن ما حصل هو العكس، سيما ما يقع اليوم في مصر، حيث إن التيارات الحداثية لم ترقها الانتخابات ولم يعجبها فوز الاسلاميين، بل انها كفرت باللعبة الديمقراطية وقواعدها. وأصبحت تنعت التيار الاسلامي بالظلامي و المستبد وراحت تجند قواها لمحاربة الديمقراطية عبر محاربة التيار الاسلامي و رموزه. وبما أن الديمقراطية هي قواعد و قيم، وعلى الجميع أن يساهم في انجاح قواعدها و قيمها في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية و أن يحتكم الى نتائجها. والديمقراطية التي منحت الاسلاميين الفوز اليوم ربما غدا ستكون لتيار سياسي آخر، لكن ما وقع أثبت للرأي العام أن الحداثيين يؤمنون بالديمقراطية من غير التيار الاسلامي ومن غير معارضة لمشروعهم المجتمعي، بل ان التيار الحداثي قد كشر انيابه لمواجهة التيار الاسلامي بكل الوسائل و جند وسائله الاعلامية المختلفة لتقويض المشروع الاسلامي و تدنيس رموزه السياسية و الفكرية، وله الحق في ذلك لأن مناخ الحرية يسمح بذلك لو كان محترما للقيم الديموقراطية والانسانية. لكن ان يتم نسف قواعد الديمقراطية ودغدغة الجماهير الشعبية والاستقواء بالقوى الخارجية او التحالف مع فلول النظام السابق، فهذا أمر مستهجن وسيطعن مما لا شك فيه في مصداقية هذا التيار وسيعري مشروعه السياسي و الفكري. ان بناء الوطن وتأسيس الدولة و ترسيخ قواعد الديمقراطية واحترام الراي الآخر، يقتضي احترام إرادة الناخبين والمواطنين الذين صوتوا لفائدة التيار الاسلامي ودعموا مشروعه المجتمعي. خلاصة القول ان الديمقراطية التي يؤمن بها الحداثيون تقتضي نفي التيار الاسلامي واقصائه، وأما الديمقراطية التي يعترفون بها هي التي تحملهم الى سدة الحكم وممارسة السلطة . خريبكة في 2013/02/21