قبل عامين، كانت أكثر الصفحات الفيسبوكية تعج بالتصريحات الشجاعة، والتعليقات الصريحة المنادية بالثورة على الظلم و الظالمين؛ لأن البلاد كانت في حالة مزرية، كانت تلك أهم شظايا صفعة تلقاها الشاب البوعزيزي المثقف التونسي العاطل، فأحس بالإهانة أمام سلطة ديكتاتورية، لاتحسن إلا عد أنفاس المواطنين ولا تبالي لكرامتهم، فأضرم في جسده اليافع النار، ومن تم انطلاق ثورة الياسمين، ومن بعدها ثورة 25 من يناير في ميدان التحرير، قلب عاصمة مصر العربية القاهرة، وما تلاه من عواصم أخرى من صنعاء وحتى الرباط وطرابلس فبلاد الشام، اليوم قلائل هم المتحدثون عن التغيير في المغرب، رغم أن البلد في حالة سوء أكثر. اللهم التغيير الموجود والأكيد هو التراجع عن المطالب و التقدم في التسويف و الازدراء. ونحن نستقبل الذكرى الثانية لتاريخ 20 فبراير وميلاد تلك الحركة الشبابية التي هبت على الأجواء السياسية الوطنية نتيجة تداعيات ما يسمى بالربيع العربي، نستحضر بجلاء الأوضاع التي كانت سائدة ماقبل تحرك شباب 20 فبراير 2011 وما بعد هذا التحرك. فالنسيج الإجتماعي المغربي لم يكن بمستطاعه إخفاء التصدعات والتشققات بالنظر إلى تآكل لحمة التضامن باتساع مهول لنسبة الفقر وتآكل الأمل لدى معظمهم، جشع الأغنياء وتقلص الطبقة الوسطى، تماهي البعض داخل بعض المؤسسات العمومية مع الوضع للحفاظ على الكسب الشخصي والإدعاء بالسير العادي للجميع رغم المعانات الفظيعة التي يعانيها أغلب أفراد الشعب صباح مساء، قساوة العيش اليومي وصعوبة لقمة الخبز الأساسية ناهيك عن الضغوطات و المتطلبات الأخرى. كان الوضع السياسي مشروخا كل يتغنى على ليلاه، كل حزب ومصالحه ومكتسابته أولا، دون الرجوع إلى آمال الشعب في تحقيق طموحاته في العيش الكريم وصون كرامة وحقوق جميع المواطنين عبر تمثيليات منتخبة وعادلة، باختيارات حرة ونزيهة وديمقراطية، خاضعة لمبدأ المحاسبة والتعاقد على الخدمة العمومية، بعيدا عن الإنتهازية والإستغلال المؤسساتي والريع الإقتصادي. السمة الإقتصادية لم تكن أحسن حالا، البطالة وتدني الدخل اليومي وارتفاع مستوى المعيشة وتداعيات الأزمة المالية العالمية، وتراجع توريد أغلبية الأسر المغربية من أفراد عائلاتهم في الخارج دون أن ننسى ما تعانيه الصناعة التقليدية من صعوبات والقطاع السياحي المتأثر أصلا لارتباطه بالحركية المالية لأوربا خصوصا وباقي البلدان العالمية عامة. هبت نسائم ما يسمى ب "الربيع العربي" وكان نصيب المغرب منه، "حركة 20 فبراير"، التي عكست بجلاء مطالب عامة الشعب المغربي، رافعة شعارات تبدو معقولة وفي متناول الدولة والمجتمع السياسي المغربي للخروج من النفق المظلم؛ شعارات من قبيل محاربة الفساد والمفسدين والريع الاقتصادي، المطالبة بالحرية والديمقراطية والكرامة للمواطن، المناداة بدستور برلماني غير ممنوح، وإعادة ثروات وخيرات الشعب لأفراد الشعب. توارت الأحزاب الكلاسيكية، وحدث انقسام ما بين أخرى، وهب آخرون لمساندة الحركة الوليدة، لأن الموجة كبرى والإعصار قوي والتوقعات غير واضحة والضباب يعلو المناخ السياسي المغربي عامة، الكل مشدود، والترقب مشهود، والحيرة تعلو الكل، ماذا يقع؟، إلى أين المآل؟، ماهو ثمن التغيير؟. الكل في المغرب أصبح يتحدث كلام سياسي، بعدما كان العزوف واضحا عن آخر انتخابات جرت في البلد أنذاك. جاء الخطاب الملكي، وأحدث المفاجأة، بإعلانه عن الخطوط العريضة لمشروع دستور جديد، وقدم تعهدات تستجيب لأغلب شعارات حركة 25 فبراير، خلاف مواقف الأحزاب السياسية الكلاسيكية المغربية التي نأت بنفسها عن الحركة وعن مطالبها. بعد الخطاب الملكي بدأ توهج الحركة يخبو وبدأت الخلافات تدب في جسمها ومؤطريها ومحتضنيها، لأن وعود الخطاب الملكي كانت متقدمة جدا وخطوات التنفيد كانت مدروسة للغاية، فجاء حدث مقهى أركانة بمراكش وبعدها أحداث الحسيمة وآسفي، والمصادقة الشعبية على دستور 2011، كلها أحداث أثرت في الرأي العام وازداد الرافضون لحركة 20 فبراير، حتى جاءت انتخابات 25 نونبر من نفس السنة بصناديق التكفين لتلك الحركة وإلى أجل مسمى أو الوداع إلى الأبد..من يعلم؟، خاصة بعد تعيين حكومة جديدة بقيادة حزب العادلة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية، وإعلان أنصار جماعة العدل والإحسان الكف عن النزول إلى الشوارع. إلا أنه وللتاريخ رغم أن حركة 20 فبراير لم تكن ذات مرجعية إيديولوجية موحدة ولا تربطها ذات الأفكار العقائدية التي عادة ما تميز الحركات الثورية أو الإصلاحية، إلا أنها على العموم أبانت عن سلمية احتجاجاتها وعن وضوح أهداف حراكها، عبر شعارات تصب عموما في مصلحة أغلبية الشعب المغربي رغم بعض الإنفلاتات والتي ووجهت بيقظة السلطات العمومية في حينها. إلا أنه ومع أفول بريق الحركة وتراجع نزولها إلى الشوارع والساحات، منح الفرصة من جديد للمشككين في مطالبها من إعادة التموقع وبشكل أقوى وتأجيل كل إصلاح كانت تتوخاه الحركة إلى أجل مسمى. فحركة 20 فبراير انسحبت من الشوارع، فسحبت معها كل شعارات الإصلاح ومحاربة الفساد ومطالب الحرية والكرامة، الدستور الجديد واضح في فصوله ولكنه الغموض لازال قائما في التطبيق ومؤجل في التفعيل بالنظر إلى عدم إجراء انتخابات الغرفة الثانية و التأخر إلى حد الآن في إخراج مجموع القوانين التنظيمية والمكملة للدستور. بعد أكثر من سنة لازالت الحكومة الجديدة تراوح نفس الحديث، صعوبات الإصلاح، وجود مقاومة شرسة للتغيير،تركة عقود من الفساد...المهم أن الحكومة لازالت في مرحلة التشخيص، والمواطن ودار لقمان لازالت على حالها، اللهم الزيادة في الأسعار وما سببته من مقدمات لتردي الأوضاع الإجتماعية أكثر، وتغول الفساد بمسميات حيوانية مفترسة، كالتماسيح والعفاريت والضفادع. عندما يخلد المغأربة للنوم تخرج هذه الحيوانات العجيبة من جحورها، التماسيح تفترس وتغنم والعفاريت تصرع وترقص والضفادع تنقنق وتزغرد فعندما يستفيق الشعب في الصباح ، يصاب بالصدمة ويغشى عليه طول النهار وهكذا دواليك. كم كانت حركة 20 فبراير سادجة، حيث ظنت بخروجها إلى الشوارع وبصوت حناجر شبابها ستخيف الفساد، وتحرر مؤسسات البلاد من المفسدين، ولم تكن تحسب أن المفسدين يفضلون الليل على النهار ألف مرة، فغادرت حركة 20 فبراير وازدادت مخاوف الشعب بازدياد آمال المفسدين في المضاربات والمناورات المالية والتغول عبر ما غنموه من اقتصاد الريع لأنه وبكل بساطة، في بلادنا؛ الفساد جبل والإصلاح معول من خشب. لا الريح يهز الجبل ولا الخشب يخدش الحجر... E-mail : هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.